تفكير مفرط في الغيبيات مع اكتئاب وتقلب ديني، فما الحل؟

2025-05-20 23:21:57 | إسلام ويب

السؤال:
بدايةً السلام عليكم ورحمه الله وبركاته.

شكرًا لموقعكم على اهتمامكم المتواصل بمشاكل الناس، وأسأل الله أن يجعل ذلك في ميزان حسناتكم.

مشكلتي هي كالتالي: أعاني من إحباط ويأس شديدين، وذلك ناتج عن تفكيري المستمر في الغيبيات، وفي الخلق والكون واتساعه، مما يصيبني أحيانًا بشيء من الجنون، بدأ هذا التفكير منذ حوالي ستة أشهر، بعد أن تعرضت لفسخ خطوبتي، ولم أوفّق في الانتقال إلى وظيفة أفضل مما كنت فيه، فأصابني إحباط شديد، علمًا بأنني مغترب وأعمل محاسبًا، لا أنكر أن هذا التفكير كان يراودني من قبل، لكن لم يكن يستحوذ على كامل تفكيري كما هو الآن، وقد لاحظت أمرًا غريبًا، وهو أنه عندما أتجه إلى معصية، يزول هذا التفكير عني تمامًا، ولا أدري هل هذا دليل على مرض نفسي، أم أنه صراع مع الشيطان، يريد من خلاله أن يضلني ويزعزع ثوابتي الدينية.

كما أنني متذبذب إلى حد كبير؛ فأحيانًا ألتزم وأُصلي ولا أستمع إلى الأغاني أو أشاهد الأفلام، وأحيانًا أخرى أترك الصلاة وأستمع إلى الأغاني وأفعل كل شيء، أشعر أن وقتي يضيع، ولا أحسن استغلاله، بل أُتقن تضييعه دون فائدة، مع العلم أنني أجيد التخطيط لحياتي، ولو اطّلع أحد على أسلوبي في التخطيط لاندهش وأُعجب به، وهذا ما يشيد به جميع زملائي، فهم يرونني بارعًا جدًّا في التخطيط والتنظيم، لكن في مرحلة التنفيذ أُعاني من فشل كبير.

أعتذر عن الإطالة، ولكنني أشعر بسعادة كبيرة حين أكتب لموقعكم هذا، وألخّص ما أريده فيما يلي:

1. أريد التخلص من التفكير في الغيبيات والوجود والكون، وأتمنى أن يكون ذلك دون علاج دوائي.
2. أريد التخلص من حالة الاكتئاب والحزن والإحباط التي أعاني منها.
3. أريد أن أُقبل على الحياة بشكل جيد، وأن أُحقق أهدافي الاجتماعية والمهنية.
4. أريد أن أتمكن من تنفيذ خططي، فالتخطيط أمر جيد، لكن التنفيذ أكثر أهمية، وهذه نقطة محورية بالنسبة لي.
5. أريد الثبات على ديني، لا أن أكون متقلبًا بين العبادة والمعصية، بل ثابتًا على الهداية.
6. هل من المناسب أن أتزوج في ظل هذه المشاكل، أم أنتظر حتى تتحسن حالتي؟

آسف على الإطالة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ .. حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإننا نحرص كثيرًا على تحديد التشخيص، لأن تشخيص الحالة هو المنطلق الأساسي الذي من خلاله يقتنع الإنسان بالحالة التي يعاني منها، ومن ثم تكون آليات العلاج.

حالتك واضحة جدًّا، وهي أنك تعاني من وساوس قهرية مع اكتئاب ثانوي، وأقصد بالاكتئاب الثانوي أنه نوع من عسر المزاج الذي أصابك نتيجة لاستحواذ التفكير الوسواسي عليك، ومن الواضح أن لديك استعدادًا أصليًّا للوساوس والقلق، حيث تحدثت عن العصبية والتذبذب في المزاج وكذلك في الأفعال، بالرغم من خيالك الخصب وقدرتك على التخطيط، فإذًا حالتك هذه حالة قلقية وسواسية نتج عنها اكتئاب ثانوي، فأرجو أن يفيدك هذا الشرح في تفهُّم حالتك، فهذه خطوة مهمة نحو العلاج، والعلاج يتم بالتالي:

أولًا: بالتجاهل، فقد أجمع علماء النفس على أن أفضل وسيلة لعلاج الوساوس القهرية هي تجاهلها، واحتقارها، واستبدالها بأفكار مضادة، وهذا سوف يفيدك كثيرًا، أنا على علم أن الأمر ليس بالسهل، لكنه أيضًا ليس بالصعب، ويتطلب منك أن تفكر في هذه الفكرة وتقول لنفسك: "هذه فكرة حقيرة، هذه فكرة لا أساس لها، لماذا أقلق؟ لماذا لا أكون مثل بقية الناس؟" وهكذا، عن طريق الاستبصار الذاتي، يستطيع الإنسان أن يغيّر كثيرًا مما بنفسه.

ثانيًا: أن تربط هذه الأفكار الوسواسية بفكرة مخالفة ومنفّرة لها:
- مثلًا: ضع رباطًا مطاطيًا على رسغ يدك.
- وعندما تفكر في هذه الفكرة الوسواسية، قم بشد الرباط المطاطي على رسغك، ثم أطلقه بقوة لتشعر بألم.
والهدف من ذلك التمرين -كما بيّن ذلك العلماء- هو إحداث ما يُعرف بفك الارتباط الشرطي؛ لأن الألم شيء غير مقبول للنفس، والوسواس شيء فارض نفسه، والالتقاء بين الاثنين يؤدي إلى نوع من التنافر يضعف الفكرة الأولى، هذا تمرين سلوكي جيد وفعّال، لكنه يتطلب الجدية والتركيز ويجب تكراره بانتظام.

ثالثًا: تمرين آخر؛ وذلك بأن تُدخل على نفسك فكرة مخالفة ومضادة تمامًا للتفكير الوسواسي، فبدلًا من أن تفكر في الغيبيات، قل: "أنا سأفكر في الواقع، سأقرأ عن السيرة النبوية مثلًا" وهكذا استبدل الفكرة السلبية بأخرى إيجابية وواقعية.

رابعًا: ممارسة الرياضة، وُجد أنها مفيدة جدًّا؛ فهي تحرق الطاقات النفسية السلبية، وتبني طاقات نفسية إيجابية.

خامسًا: عليك بالرفقة الطيبة الصالحة، أنت تفكر وتخطط ولكن لا تنفذ، لذا يجب أن تستعين -بعد الله تعالى- بمن يساعدك على ذلك، والخيرون والناجحون كثر -ولله الحمد- تجدهم في المساجد وفي مرافق العمل، وأنا على ثقة كاملة بأنك سوف تأخذ بهذه النصيحة.

سادسًا: لا بد أن تجعل لحياتك هدفًا، وأن تكون لك صورة إيجابية عن نفسك، ولا تدَع الصورة السلبية المشوّهة تسيطر عليك، فأنت في ريعان شبابك، ولديك وظيفة -ولله الحمد-، وتعيش في أمة إسلامية عظيمة، والمستقبل أمامك -بإذن الله-، ولديك مقدرات كثيرة وواضحة جدًّا، فعش حياتك بقوة، وفكّر بإيجابية، ودع عنك التفكير السلبي، فالتفكير الإيجابي وسيلة طيبة لفهم الفكر السلبي، أمَّا الفكر السلبي فإنه يدمّر الإنسان ويجعله يعيش على أنه مريض، وأعتقد أن الشيطان يدخل من خلال ذلك إلى نفسية الإنسان، لذا عليك بالاستعاذة بالله تعالى من الشيطان الرجيم، وتحصين نفسك بالأذكار، وأنا على ثقة كاملة بأنك في حفظ الله ورعايته.

أنت ذكرت أنك لا تريد علاجًا دوائيًّا، لكنني أقول لك: إن العلاج الدوائي مهم وضروري، وهو مكمّل لما ذكرناه من إرشادات سلوكية، فكيمياء الدماغ تضطرب في مثل حالتك، وهذا الاضطراب لا يُصحح إلا عن طريق العلاج الكيميائي والبيولوجي، وأعتقد أن هذا منطق بسيط، وينبغي أن يكون مقبولًا، وبفضل الله تعالى، توجد الآن أدوية فعالة وممتازة.

إذا راجعت طبيبًا نفسيًّا، فسوف يقوم بفحصك ويوجه لك إرشادات مماثلة، ويصف لك الدواء المناسب، أما إذا أردت أن تحصل على الدواء بنفسك، فهو لا يحتاج إلى وصفة طبية، ويمكنك الذهاب إلى إحدى الصيدليات الكبيرة في الدوحة، وطلب الدواء المعروف تجاريًا باسم (زولفت، Zoloft)، ويُعرف أيضًا باسم (لوسترال، Lustral)، واسمه العلمي (سيرترالين، Sertraline) تناول هذا الدواء بجرعة حبة واحدة (50 ملغ) يوميًّا لمدة ستة أشهر، ثم خفّضها إلى 50 ملغ يومًا بعد يوم لمدة شهرين، ثم توقف عن تناوله.

لقد وصفنا لك الدواء بجرعة صغيرة؛ لأن الجرعة الكاملة تصل إلى أربع حبات يوميًّا (200 ملغ)، ولكن لا أعتقد أنك بحاجة إلى تلك الجرعة العالية، بجانب (الزولفت)، يوجد دواء آخر يُعرف تجاريًا باسم (فلوناكسول، Flunaxol)، ويُعرف علميًا باسم (فلوبنتكسول، Flupenthixol)، أرجو أن تتناوله بجرعة حبة واحدة (0.5 ملغ) صباحًا لمدة ثلاثة أشهر، ثم توقف عنه.

أرجو أن نكون قد قدمنا ما يفيدك، ونسأل الله تعالى أن ينفعك بذلك، وأقول لك: تقدّم في أمر الزواج وأقدم عليه، فإنك بخير، ولا يوجد ما يمنعك أبدًا من ذلك، ونسأل الله تعالى أن يرزقك الزوجة الصالحة، وبالله التوفيق والسداد.

www.islamweb.net