هل حالتي النفسية تمنعني من النجاح والتواصل مع الناس؟

2025-05-21 00:14:16 | إسلام ويب

السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا شاب في الخامسة والعشرين من عمري، منذ طفولتي وأنا أعاني من ضعف الثقة بالنفس، كان والدي غائبًا معظم الوقت بسبب السفر، وكنت أشعر بالخوف عند ذهابي إلى المدرسة، رغم تفوّقي الدراسي، وخوفي كان نابعًا من توقع العقاب أو الضرب من المعلمين.

تعرضت في صغري لتحرّش من فتاة من جيراننا تكبرني بنحو سبع سنوات، ومع بداية مرحلة البلوغ، بدأت أتصرّف تصرفات خاطئة تجاه إحدى قريباتي والتحرش بها، واستمرّ ذلك حتى المرحلة الثانوية، وكنت بطبعي خجولًا، ولا أمتلك الجرأة الكافية للتعبير عن نفسي، حتى في الأمور البسيطة مثل لعب الكرة، كنت أشعر بالخوف والتوتر، وأذكر أنني في المرحلة الثانوية انسحبت من المشاركة في عرض مدرسي، بسبب عدم قدرتي على مواجهة الناس، كما كنت أتوتّر كثيرًا في الامتحانات، ويحدث لي أحيانًا إنزال دون انتصاب بسبب القلق.

مع دخولي الجامعة حاولت أن أتغيّر، وأن أستعيد ثقتي بنفسي، لكن الأمر لم يكن سهلًا، كنت دائمًا أراقب مظهري، وأشعر أن فيّ عيبًا رغم أنني -على الأرجح- طبيعي، تأخرت في التخرّج بسبب تعثري في الدراسة، لكن –بحمد الله– أنهيت دراستي مؤخرًا.

بدأت أحاول التحدث مع الآخرين بشجاعة، لكن شعور النقص وانعدام الثقة كان يرافقني باستمرار، ومنذ عدة أشهر توفي قريب لي، كان يعاني من وسواس قهري، وقد كنت أرافقه خلال علاجه، وأعرف تمامًا ما كان يمرّ به، وفاة هذا القريب أثَّرت فيّ كثيرًا، وفي أحد الأيام قررت أن أغيّر نمط حياتي، وأن ألتزم بالصلاة والطاعات، فاستيقظت لصلاة الجمعة، وذهبت مبكرًا وجلسْتُ في الصف الأول، لكن بمجرد صعود الإمام المنبر شعرت بخوف شديد، وكأنني سأقوم بتصرف شاذ أمام الناس، وبدأ جسدي بالارتجاف، وشعرتُ بتوتر هائل، وانتظرت انتهاء الصلاة وخرجت مسرعًا، خائفًا ومضطربًا، ومنذ تلك الحادثة، أصبح الخوف يلازمني في المواقف الاجتماعية، وعندما ذهبت لإنهاء أوراق الجامعة والتجنيد، شعرت بنفس التوتر والخوف، وكأنني سأفعل أمرًا غريبًا أمام الآخرين، مثل خلع ملابسي فجأة.

راجعت طبيبًا نفسيًا، وبدأت باستخدام "سيروكسات" (Seroxat) لمدة أسبوعين، كما داومت على الرقية الشرعية والأذكار، وشعرت ببعض التحسُّن، ولكن لا زال الخوف ينتابني عند الذهاب إلى المسجد، أو السير في الأماكن المرتفعة، كالكباري أو أسطح المنازل، حيث تراودني أفكار غير منطقية، كأنني قد أقفز أو أفعل شيئًا خارجًا عن إرادتي.

أيضًا أصبحت أقل تركيزًا، خصوصًا أثناء الصلاة، لدرجة أنني أضطر غالبًا إلى سجود السهو؛ لأني لا أتذكر عدد الركعات، كما بدأت أعاني من وسواس النظافة، وأغسل يدي كثيرًا بصورة مبالغ فيها.

أنا الآن أريد أن أبدأ حياتي، أن أعمل وأبني مستقبلي، لكن أشعر بأن هناك حاجزًا داخليًا، يمنعني من التقدّم ومن التفاعل الطبيعي مع الناس.

أرجو منكم المساعدة، فأنا أتوق لأن أكون إنسانًا ناجحًا متوازنًا.


الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ .. حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإن رسالتك التفصيلية قد جمعت الكثير من الأعراض، التي تدل جميعها على أنك تعاني من قلق نفسي، وهذا القلق قد تجسّد في شكل وساوس قهرية، وقد عبّرت عنها تعبيرًا دقيقًا، حين ذكرت أنك تخشى القيام بعمل فاضح أمام الناس، هذا من صميم الوساوس القهرية، كما أن لديك درجة من المخاوف، وكلها تندرج تحت مظلة القلق النفسي، ولا تتعداه، فحالتك –بإذن الله– ليست حالة ذهانية أو عقلية، وإنما هي من الحالات العصابية، وتتجلى الوساوس أيضًا من خلال اهتمامك الشديد بالنظافة الشخصية، والإفراط في غسل اليدين، وهي من الأفعال الوسواسية، إلى جانب الأفكار الوسواسية التي ذكرتها، كخوفك من القيام بفعل فاضح أمام الناس.

أخي الكريم، أود أن أطمئنك: الفكر الوسواسي لا يُتَبع، وهذا من فضل الله تعالى، أي أنك –بإذن الله– لن تقوم بأي تصرف خارج عن إرادتك، ويعتقد كثير من علماء النفس أن هذا النوع من الوساوس، يحمل في طيّاته جانبًا من الحماية الذاتية، بالرغم مما يسببه لصاحبه من انزعاج واضطراب، والعلاج الأساسي يتمثّل في تجاهل الفكرة تمامًا، واحتقارها، واستبدالها بفكرة أخرى، هذه هي الركائز الرئيسية لعلاج الوسواس القهري.

أما ما ذكرته من تشتت في التركيز والتردد أثناء الصلاة، فأراه مرتبطًا أيضًا بالوسواس، بالإضافة إلى القلق الذي يُضعف التركيز، وهذا أمر شائع في حالات القلق النفسي.

ولذلك، أنصحك بالتركيز المتعمد أثناء الصلاة، وألَّا تنشغل بأي شيء آخر حين تقف بين يدي الله، كما أوصيك بممارسة تمارين الاسترخاء، فهي كثيرة ومتنوعة، ويمكنك الاطلاع عليها عبر كتيبات أو مقاطع تعليمية موثوقة، أو بالاستعانة بأخصائي نفسي، فذلك مفيد جدًا في مثل حالتك.

أوصيك أيضًا بألا تنظر إلى الماضي بنظرة سوداوية، فأنت –من وجهة نظري– عشت طفولة لا بأس بها، حتى وإن شعرت الآن بأنها لم تكن كذلك، والخوف الذي شعرت به سابقًا، قد أصبح جزءًا من الماضي، وهذه تقلبات يمر بها كثير من الناس، وما أرجوه منك هو أن تتعامل مع هذه المرحلة باعتبارها تجربة ودروسًا مستفادة، لا أكثر، ووجّه نظرك إلى المستقبل بأمل وتفاؤل، وركز على عيش الحاضر بإيجابية، فهذا هو السبيل الحقيقي للنجاح.

أما من الناحية الدوائية: فأنت بحاجة إلى علاج، وقد سررت باختيار الطبيب لدواء (سيروكسات، Seroxat)، والذي يعرف علميًا باسم (باروكسيتين، Paroxetine)، فهو دواء فعّال وممتاز لعلاج الوسواس القهري، والقلق، والتوتر، والمخاوف بمختلف أنواعها، بالإضافة إلى أنه محسّن جيد للمزاج، لكن النقطة الأساسية هنا تكمن في الجرعة المناسبة، لأن الوسواس لا يستجيب غالبًا إلَّا لجرعة متوسطة أو مرتفعة، الجرعة المتوسطة: حبتان في اليوم (40 ملغ)، والجرعة المرتفعة: تصل إلى أربع حبات في اليوم (80 ملغ)، ولا أعتقد أنك بحاجة لأكثر من جرعتين يوميًا، أي 40 ملغ، وهذه الجرعة -من وجهة نظري- ستكون كافية بإذن الله.

طريقة الاستخدام المقترحة:
• تناول حبتين يوميًا (40 ملغ) لمدة 6 أشهر.
• ثم خفّض الجرعة إلى حبة ونصف يوميًا لمدة 3 أشهر.
• ثم إلى حبة واحدة يوميًا لمدة 6 أشهر (مرحلة وقائية مهمة).
• وأخيرًا، خفّض الجرعة إلى نصف حبة يوميًا لمدة 3 أشهر، ثم يمكنك التوقف عن تناول الدواء.

هذا هو ما أراه مناسبًا لحالتك، وأشكرك كثيرًا على تواصلك مع إسلام ويب، وأسأل الله أن يرزقك العافية، ويكتب لك الشفاء والتوفيق والسداد، وبالله التوفيق.

www.islamweb.net