هل حالتي هي رهاب اجتماعي؟ وهل السيروكسات مناسب لي؟
2025-05-27 01:33:55 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بدأت معاناتي مع الرهاب الاجتماعي قبل حوالي 13 سنة، أي عندما كان عمري 17 سنة، كنت قبل تلك الفترة أجلس مع الناس وأتحدث معهم بشكل جيد، رغم أنني بطبعي خجول جدًا، إلا إن خجلي لم يكن يعيق حياتي.
في إحدى المرات، كان لدينا ضيوف، وطلب مني والدي أن أقدّم لهم القهوة، إلَّا إنني لم أقم بذلك بالشكل المطلوب، فوبخني أمامهم، وشعرت حينها بحرج شديد، ونظرت إلى الضيوف فوجدتهم ينظرون إليّ، فأحسست بارتباك شديد ورعشة في اليدين، ومنذ تلك الحادثة أصبحت أسيرًا للخوف؛ حيث بدأت أخاف حتى من أصوات قرع الباب، وأشعر بخفقان شديد في القلب، وتعرق، ورعشة في اليدين.
أصبحت أخاف من مواجهة الناس، لكنني كنت مضطرًا لذلك، وعندما أتحدث معهم، أشعر بلعثمة وارتباك، مما دفعني إلى تجنّب المواجهات، وفضّلت العزلة في البيت، حتى إذا دعاني أحدهم إلى مناسبة، مثل عشاء، أجد نفسي إما أعتذر عن الحضور، أو أذهب مُرغمًا، كي لا يتساءل الناس عن سبب غيابي، لكنني في تلك المناسبات أظل مرتبكًا وصامتًا، ولا أتكلم إلا إذا سُئلت.
قررت الذهاب إلى طبيب عام، وشرحت له معاناتي، خصوصًا خفقان القلب، فأجرى لي تخطيطًا للقلب، لأنني في ذلك الوقت لم أكن أعلم أنني أعاني من الرهاب، ووصف لي حبوبًا لونها أحمر، تناولتها حسب الوصفة، لكنني لم أستفد منها.
بعد ذلك بدأت أبحث عن المرض وأسبابه، فوجدت أن حالتي تتطابق مع أعراض الرهاب الاجتماعي، وقرأت بعض الكتب، وبدأت أمارس تمارين الاسترخاء، التي ساعدتني كثيرًا وشعرت بتحسن، ولكن مشكلة خفقان القلب، والقلق، والرهاب ما زالت موجودة.
أثناء تصفحي لموقعكم، وجدت العديد من الرسائل تشبه حالتي، فقررت أن أشتري دواء (سيروكسات، Seroxat) رغم تكلفته العالية، بدأت بأخذ نصف حبة يوميًا بعد العشاء منذ حوالي شهرين، وتحسّنت حالتي بشكل جيد، وذلك بناءً على وصفة قرأتها في أحد ردودكم السابقة لأحد المرضى، فهل هذا الدواء مناسب لحالتي؟ وكم من الوقت أستمر عليه؟
أنا مدمن على العادة السرية منذ أكثر من 15 سنة، لكنني أمارسها حاليًا مرة واحدة في الأسبوع، لست متزوجًا، ولدي طموح كبير، لكن هذا المرض يشكّل عائقًا أمامي.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ .. حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
لا شك أن حادثة التعنيف الشفهي من جانب والدك أمام الضيوف قد دعمتْ أعراض الخوف لديك، وأصبحت تجربة أو خبرة سلبية، وهذه بلا شك زادت من هذا الخوف لديك، وصرت تعاني من الخوف أو الرهاب الاجتماعي، وهو نوع من القلق النفسي، وحالة مكتسبة كما هو واضح في حالتك، والأمور في مثل هذه الحالات تُعالج بضدها، وذلك من خلال ما يسمى بالتعريض، أو التعرض مع منع الاستجابة السلبية، والمقصود بالتعريض هو: أن تعرض نفسك لمواقف المواجهة؛ لأن التجنب يزيد من الخوف، بل قد يولد مخاوف جديدة، وضعفًا في الكفاءة النفسية والشخصية.
رأى علماء النفس أن تبدأ المواجهة بما سموه بالمواجهة في الخيال، وهي أن تتصور أحد المواقف الاجتماعية الشديدة، والتي تتطلب منك المواجهة، كأن تتصور مثلًا أنه قد طُلب منك أن تصلي بالناس في المسجد، وهذا موقف قد يؤدي إلى رهبة شديدة، عليك أن تعيش هذا الخيال بدقة، كيف طُلب منك ذلك، وما هي مشاعرك، وبعد ذلك، وبعد التردد الشديد، قمت وصليت بالناس، والحمد لله انتهى الأمر على خير؛ عش هذا الخيال بقوة وتركيز لمدة لا تقل عن 15 دقيقة.
في اليوم التالي انتقل إلى خيال آخر، كأن يكون لديكم مناسبة كبيرة في البيت، وأوكل إليك أمر استقبال الضيوف والترحيب بهم، أو تصور أن هذا اليوم هو يوم فرح كبير لديك كالعُرس مثلًا، وهكذا، ثم انتقل إلى خيالات مختلفة، والهدف من ذلك أن تُعرِّض نفسك لمواقف الخوف، ولا بد من التركيز وأخذ الأمر بجدية.
وفي نفس الوقت، ابدأ بما يسمى بالتعريض في الواقع، وذلك بالتدرج، اجعل لنفسك برنامجًا يوميًا تخرج خلاله لزيارة صديق أو أحد الجيران، اذهب إلى المسجد وصلِّ الصلاة هناك، وسوف تجد من تعرف من المصلين، هؤلاء -إن شاء الله- لن تحس أمامهم برهبة شديدة.
بعد ذلك، حاول أن توسع شبكة معارفك الاجتماعية، وعندما تقابل الناس انظر إلى وجوههم، وتبسم في وجوه إخوانك، فهذا فيه أجر عظيم، وفي نفس الوقت يقلل الرهاب، وهكذا، إذًا أنت مطالب ببناء علاقة اجتماعية تقوم على المواجهة، والمواجهة المتدرجة، بدءًا بالمواجهة في الخيال وصولًا إلى المواجهة في الواقع.
ما أود أن أؤكده لك أن ما تشعر به، أو قد تشعر به من قلق وتوتر وتسارع في ضربات القلب، وأسوأ من ذلك أن بعض الناس يشعرون أنهم سيفقدون السيطرة على الموقف، أو أنهم سيتلعثمون أمام الآخرين، هذه المشاعر ليست كلها صحيحة، وليست دقيقة أبدًا، فهناك مبالغة كبيرة جدًا في الطريقة التي يشعر بها الإنسان بهذه التغيرات الفسيولوجية وقت المواجهة، لذا فإن تصحيح المفاهيم سيكون مفيدًا لك.
من المهم أن توسع نطاق علاقاتك الاجتماعية، وأن تمارس الرياضة الجماعية، وتحضر حلقات التلاوة في المسجد، وتنخرط في أعمال وأنشطة خيرية، ولا بد أن تبحث عن عمل، فألاحظ أنك بدون عمل، وهذه من وجهة نظري مشكلة كبيرة؛ لأن العمل يرفع من قيمة الإنسان ويجعله يحس بالرضا، وفي نفس الوقت هو وسيلة من وسائل التأهيل، ومحاربة الخوف والرهاب الاجتماعي، فعليك أن تطرق باب العمل، وأسأل الله أن يرزقك ما يناسبك من عمل.
بالنسبة للعلاج الدوائي، فلا شك أن الأدوية مفيدة، ودواء (سيروكسات، Seroxat) هو من الأدوية الممتازة والفعالة، وأنا سعيد لسماع أنك تحسنت على هذه الجرعة الصغيرة، أي نصف حبة في اليوم، ولا شك أنك إذا دعمتها بالإرشادات السلوكية التي ذكرتها لك، فسوف تُشفى بصورة تامة -إن شاء الله- استمر على الزيروكسات لمدة أربعة أشهر بهذه الجرعة، ثم بعد ذلك خفّض الجرعة إلى نصف حبة يومًا بعد يوم لمدة شهرين، ثم يمكنك التوقف عن تناول الدواء.
أتفق معك أن الزيروكسات قد يكون مكلفًا بعض الشيء، لكن هناك أدوية أقل تكلفة، مثل عقار يعرف تجاريًا باسم (تفرانيل، Tofranil) ويعرف علميًا باسم (ايميبرامين، Imipramine)، لكنها أقل فعالية، وإذا لم يتيسر لك الحصول على الزيروكسات بسبب تكلفته، هناك دواء آخر يعرف تجاريًا باسم (زولفت، Zoloft) ويسمى تجاريًا أيضًا (لوسترال، Lustral)، ويسمى علميًا (سيرترالين، Sertraline)، يمكنك السؤال عن سعره، وأعتقد أنه أقل من سعر السيروكسات، وهو ذو فعالية عالية في علاج الرهاب الاجتماعي.
جرعته تكون بالبدء بنصف حبة (25 ملغ) يوميًا، لأن الحبة تحتوي على 50 ملغ، استمر على نصف الحبة لمدة شهر، وبعدها ارفع الجرعة إلى حبة كاملة لمدة ثلاثة أشهر، ثم خفّض الجرعة إلى نصف حبة يوميًا لمدة شهر، ثم نصف حبة يومًا بعد يوم لمدة شهر، ثم توقف عن تناول الدواء، هذه أدوية فعالة وسليمة.
لا بد أن تتوقف عن العادة السرية، وأنا سعيد لسماع أنك قد خففت من هذه العادة السيئة، وما دمت قد خففت، فإن شاء الله تستطيع أن تتوقف عنها بشكل دائم، وتذكر أن آثارها النفسية والجنسية وخيمة، ولا شك أنها منقصة للدين أيضًا، ابحث عن عمل، واشرع في الزواج، و-إن شاء الله- ستحس باستقرار نفسي كبير.
نشكرك على تواصلك مع إسلام ويب، وبالله التوفيق.