الشعور بالضجر والضيق حتى في أوقات الفرح
2011-01-26 08:16:52 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بداية أشكركم على تعاونكم وجهودكم.
مشكلتي قد تكون نفسية؛ فقد مررت بظروف أثرت فيّ كثيراً، وقلبت حياتي، فأصبحت لا أشعر بالفرح من الداخل، وأفتقد لعنصر الضحك والمرح، وغالباً ما أشعر بالضجر والضيق حتى في أوقات الفرح، حتى إنني في بعض الأوقات لا أحب التجمعات، وأشعر بالضيق -ليس دائماً ولكن يمر بي كثيراً- وتمر علي لحظات أريد فيها أن أبكي، أشعر وكأنني أشاهد الحياة كفيلم لست موجودة فيها، وأتكاسل عن الأشياء بمعنى أن لا شيء يستاهل العناء والجهد، والدنيا تمضي.
هناك من زاد همي، وكذب علي لمدة طويلة، حتى أنني وإلى الآن لا أصدق ما حدث، ودائماً كلما أذكر الشخص أشعر بالضيق، وربما أدعو عليه من القهر، كل ما فعلته أنني كنت أساعده، وبقيت بجانبه، ولكن كانت كل المشاكل التي قيلت لي كذباَ!
كيف لي أن أنسى؟ وكيف لي أن أضمد الجرح؟ هل أواجه وأقول ما لدي من كلام، مع أنها مرت فترة 5 شهور لم يتم بيننا تواصل، أم أتجاهل وكأن لم يكن شيء وأضمد جرحي؟ ماذا عساي أن أفعل؟ أرشدوني بكلمات تبعث التفاؤل في روحي، وتقوي ما ضعف من شخصيتي بسبب الصدمات، مع العلم أني لا أشعر بالاكتئاب كثيراً ولست متشائمة.
شاكرة لكم تعاونكم، وآسف على الإطالة.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ م.أ.ع حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يُسعدنا اتصالك بنا في أي وقت في أي موضوع، ونسأل الله العلي الأعلى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن ييسر أمرك، وأن يشرح صدرك، وأن يُخرجك من تلك الحالة، وأن يمتعك بصحةٍ نفسية عالية وصحة بدنية طيبة، وأن يوفقك في دراستك وفي سائر مناحي حياتك، وأن يجعلك من سعداء الدنيا والآخرة.
إنه مما لا شك فيه أن الحياة لا يستقر حال الناس فيها على نمط واحد، وإنما كما قال الشاعر: "إذا أحسنت يوماً أساءت ضُحى غدٍ" والله تبارك وتعالى سمى الدنيا بهذا الاسم من الدنو والدناءة، فهي ليست لحرٍ وطناً كما ذكر الصالحون، وإنما هي معبر وممر، وليست داراً ومستقراً للناس، فالمسلم العاقل الواعي يعلم أن هذه الحياة خلقها الله تبارك وتعالى للابتلاء والامتحان، وأن الإنسان قد يُبتلى في نفسه، وقد يُبتلى في عزيز عليه، وقد يُبتلى في ماله، وقد يُبتلى في علمه، وقد يبتلى في والديه، وقد يبتلى في إخوانه وأخواته، بل وقد يُبتلى في وطنه ومجتمعه، فهي ابتلاءات متكررة ومتنوعة، ودوام الحال من المحال، إلا أن هذه الابتلاءات لها نهايات، كما أن لحظات السعادة والأُنس لها نهايات؛ لأن هذه طبيعة الحياة الدنيا، ما دامت لها نقطة بداية فلابد أن تكون لها نقطة نهاية، وهذا ما قاله الله تعالى: (( حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ ))[يونس:24].
كذلك كل شيء داخل الحياة له بداية ونهاية، فهذا الطفل يُولد اليوم، ثم يخرج من الحياة بعد خمسين أو ستين أو سبعين عاماً، وهذا المشروع يبدأ اليوم ثم يتوقف أيضاً بعد فترة من الزمن، وهذه الدراسة تبدأ منذ الحضانة ثم تنتهي بعد ذلك بالجامعة أو ما فوقها، وهكذا كل شيء له بداية ونهاية، وهذا السفر له نقطة انطلاق وله محطة نتوقف فيها، فتلك طبيعة الحياة لها بدايات ونهايات، فإذن الحياة كلها لها بداية وقطعاً لها نهاية، وكل الذي في داخل هذه الحياة أيضاً له بداية وله نهاية تبعاً للأصل الذي هو أصل الحياة الدنيا.
فالذي حدث معك هذا شيء طبيعي، إلا أن المزعج فيه أنه قد يؤثر تأثيراً كبيراً كما حدث معك، فبعض الناس تمر بهم تلك الأحداث وقد اكتسبوا مناعة، وقد يكون لديهم من الإيمان بالله تعالى وحسن ظن به ما يرون معه هذه المشاكل شيئاً طبيعياً ولا يقفون أمامها طويلاً، إلا أنهم يأخذون منها العظة والعبرة، فأنت الآن قد تكشفت أمامك أوراق هذه الشخصية التي تكلمت عنها، فالواجب أن تنظري في علاقتك بها، وأن تعامليها بما تستحق، وأن لا تعطي قدراً من الثقة أكبر من حجمها، وإنما لابد أن نمنح الثقة على قدر ما نرى في الأطراف الأخرى من استعداد لهذه الثقة ومن تقدير لهذه الثقة.
فيما يتعلق بأنك أصبحت الآن في حالة من عدم الراحة، وشعور بالضيق، وشعور بالحزن، حتى كأن الحياة ليست لك..إلى غير ذلك. هذا إنما هو عبارة عن صدمة نفسية من الذي حدث من هذا الشخص العزيز عليك، فترتب عليه أن قلبت حياتك كلها رأساً على عقب؛ لأنك يبدو أنك من النوع الحساس جدّاً، بل والمرهف الحس الذي لا يتحمل أي تصرف سلبي يراه من شخص يثق فيه أو يعتز به.
فهذه المظاهر كلها أو تلك الأعراض التي وردت في رسالتك إنما هي نتيجة لهذه الثقة الغالية التي شعرت أنك وضعتها في غير محلها، ولذلك إن استطعت أن تتخطي هذه المرحلة أعتقد أن الأمور ستعود كلها إلى وضعها الطبيعي، وهذا الذي أتمناه أن يحدث؛ لأن هذه المسائل ما دامت قد حدثت – ولابد أن تحدث وقد حدثت –لابد أن نتجاوزها، وأن نطوي هذه الصفحة نهائياً، خاصة إذا كان هذا الشخص من الممكن أن نُخرجه من حياتنا؛ لأن هناك أشخاصاً يصعب علينا أن نتخلص منهم، وهناك أشخاص من الممكن أن نتخلص منهم، فإذا كان مثلاً والداً أو والدة أو كان أخاً أو أختاً أو زوجاً أحياناً فماذا نفعل معهم؟ أما إذا كان صديقاً أو صديقة فمن الممكن أن نتوقف عنهم، فإذا كان من هذه النوعيات التي من الممكن فعلاً أن نستغني عنها، فأرى أن نغلق هذا الملف نهائياً، ونحاول أن نضمد جراحنا بأن نتناسى هذا الحدث، ونجتهد في أنه كلما مرت هذه الذكرى بعقولنا أن نحاول أن نطاردها حتى لا تستقر في أنفسنا..هذا مهم جدّاً؛ لأن مطاردة الحدث نوع من أنواع المقاومة والدفاع عن النفس، ولكن إذا جلس الإنسان فيما بينه وبين نفسه وبدأ يسترجع ذكريات الماضي فقطعاً سيأتي الماضي بهمومه، ويأتي الماضي بذكرياته المؤلمة وآلامه وآثامه، وهذا يجعل الإنسان في هذه الحالة التي أنت فيها.
إذن أول شيء نبدأ فيه: تضميد الجراح عن طريق مطاردة هذا الماضي تماماً، ومحاولة إلغائه من الواقع، ولن يخرج قطعاً من عقلك؛ لأنه أصبح جزءاً من المنظومة الداخلية في عقلك الباطن، ولكن من الممكن أن نغطيه وأن نغلفه حتى يُصبح شيئاً في الماضي العميق الذي يحتاج إلى جهد كبير حتى نستخرجه إلى واقعنا اليومي، فإذن نبدأ بهذه الكيفية أولاً كما ذكرت.
الأمر الثاني: الدعاء إلى الله، والتوجه إلى الله تعالى أن يرد إلينا العافية مرة أخرى، العافية النفسية والعافية البدنية.
الأمر الثالث: ندعو الله تعالى أن يعوضنا خيراً، كما ورد مثلاً في حديث المرأة التي توفي عنها زوجها، أو الرجل الذي تتوفى عنه امرأته: (اللهم اؤجرني في مصيبتي واخلفني خيراً منها) فإذن هذا نوع من الرغبة في التغيير، فإذن نحن ندعو الله تبارك وتعالى أيضاً أن يعوضنا خيراً عن هذا الشخص، وأن يُبدلنا خيراً منه؛ حتى نستطيع أن نواصل الحياة؛ لأن الحياة بدون أصدقاء وبدون خواص نفضي إليهم فيها قدر كبير من الصعوبة، ولكننا طولبنا إذا أردنا أن نتخير الأصدقاء أن نبحث عن الأفضل والأحسن والأكثر منفعة بالنسبة لنا، ولن يتيسر ذلك إلا في أصحاب الإيمان والدين، كما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام بقوله: (لا تصاحب إلا مؤمناً، ولا يأكل طعامك إلا تقي) إذن نبحث عن شخصية أخرى نستطيع من خلالها أن نعوض هذا الأمر الذي حدث بالنسبة لنا نتيجة هذا الماضي المؤلم.
أيضاً: نحاول أن نغير بعض أنماط حياتنا، بأن نتعلم بعض أنماط السلوك، وبعض المهارات، ونشغل الفراغات بشيء نافع أو مفيد، ونحاول أن نكثر من الاستغفار، ولا مانع من عمل رقية شرعية أيضاً لاحتمال أن يكون هناك شيء قد حدث نتيجة الغضب أو الحزن؛ لأن العلماء يذكرون بأن حالات المس ما بين الإنس والجن تحدث نتيجة الحزن الشديد، وعند الغضب الشديد، وعند الفرح الشديد، فمن الممكن أيضاً أن يتم عمل رقية شرعية من باب التطهير، وبإذن الله تعالى سوف نستعيد العافية.
هذا وبالله التوفيق.