كثرة الوساوس القهرية في القضاء والقدر وتأثيرها على الالتزام والتدين
2011-03-26 08:48:46 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كنت أعاني من وساوس قهرية في القضاء والقدر، وكنت أدفعها وأنا كارهة لها بشدة، وأتعبتني كثيراً، ورقيت نفسي بسورة البقرة، ولله الحمد ذهب عني ما أجد، لكن بعد فترة أصبحت تراودني الوساوس حتى أصبحت تشككني في كل شيء، وتريدني أن أعارض بعض الأشياء، ولم أعد كما كنت، فأصبحت لا أشعر بلذة في قراءة القرآن ولا في الصلاة، ولا حماس وشوق لقيام الليل، وكلما قرأت القرآن، ومررت على آيات في القضاء والقدر شعرت بالخوف وأقرأ غيرها.
أريد أن أبكي لكن لا أستطيع إلا نادراً، وأكثرها بدموع باردة، وأشعر بالجفاء والقسوة، أريد أن أرجع كما كنت، لكن لا أعلم كيف أرجع، والذي يخيفني أني قرأت أن هذه الوساوس لا أثر لها ما لم تستقر في القلب، وأنا خائفة أنها استقرت.
والله المستعان أولاً وآخراً.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ربي يهديني حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فنتفق معك أيتها الفاضلة الكريمة أن الوساوس القهرية مؤلمة جدّاً للإنسان إذا كانت تتعلق بالعقيدة، والوساوس حول العقيدة كثيرة جدّاً، والمكونات الأخرى للوساوس قد تكون حول الأوساخ والنظافة أو غيرها، وكلها أمور تزعج الناس كثيراً.
الوساوس قد تكون مجرد حديث نفس، أو قد تكون فكرة متسلطة، والوساوس التي تجر الناس نحو الشهوات والضلال لا شك أنها وساوس شيطانية، أما الوساوس التي نشاهدها الآن حتى وإن كانت في أمور الدين فنرى أنها وساوس طبية، ولذا يرى بعض الأخوة المختصين أن نسميها بالاستحواذات القهرية وليست الوساوس القهرية؛ وذلك لنفرق ما بينها وبين ما يتسبب فيه الشيطان أو حديث النفس.
أيتها الفاضلة الكريمة! هذه الإحباطات التي حدثت لك من التراخي وعدم شعورك بلذة قراءة القرآن وحتى الصلاة، وافتقاد الحماس والدافعية، هذه ناتجة من اكتئاب ثانوي، والاكتئاب الثانوي هو أحد المصاحبات الرئيسية للوساوس القهرية، خاصة أن الأشخاص الذين يصابون بهذه الحالة تجدهم دائماً من أصحاب الضمائر الحية، لديهم ما يسمى بالأنا العليا القوية، والأنا العليا هي الجزء المسئول عن الفضائل عند الناس. فأرجو أن لا تحزني، وأرجو أن تتفهمي أن هذا جزء من الوساوس وليس أي نوع من الاستقرار لهذه الوساوس في قلبك أو الإطباق عليه.
أيتها الفاضلة الكريمة: الوساوس تعالج بتحقيرها، برفضها، بدفعها، باستبدالها بفكرة مخالفة لها تماماً، وأن توقف الفكرة دائماً، وعندما تأتيك الفكرة، خاطبيها الفكرة بقوة وقولي: (قفي قفي قفي)، والوساوس يجب دائماً أن تربط بإحساس مقزز أو مؤلم، كأن نربطها مثلاً بإدخال الألم على أنفسنا أو بتذكر حدث سيئ.
ومن التمارين البسيطة جدّاً التي نوصي الناس دائماً هو أن يفكر الإنسان في الفكرة الوسواسية وفي نفس الوقت يقوم بالضرب على يديه على جسم صلب كالطاولة مثلاً بشدة شديدة؛ فهذا بالطبع يؤدي إلى حدوث ألم شديد، والربط بين الألم والوسواس حين يكرر بصورةٍ صحيحة يؤدي قطعاً إلى ضعف الوساوس حسب ما أفادت الدراسات.
والعلاج الأمثل للوساوس الآن بجانب هذه التمارين السلوكية هو أن يقوم الإنسان بتناول الأدوية المضادة للوساوس، وبفضل الله تعالى هذه الأدوية في الأصل مضادة للاكتئاب، فإذن هي تعالج الاكتئاب، وهي تعالج الوساوس في نفس الوقت، وأعتقد أن ذلك مطلوب في حالتك، وهذه الوساوس تستجيب بصورة فاعلة جدّاً لهذه الأدوية.
هنالك أدوية كثيرة أيتها الفاضلة الكريمة يمكنك أن تتناولي أحدها، وهي لا تحتاج لوصفة طبية، مثل عقار بروزاك وهو عقار مشهور جدّاً، ويعرف علمياً باسم (فلوكستين) يمكن تناوله بجرعة كبسولة واحدة في اليوم بعد الأكل، والمدة العلاجية الأولية هي مدة شهر، بعدها ترفع الجرعة إلى كبسولتين في اليوم لمدة ستة أشهر، ثم تخفض إلى كبسولة واحدة في اليوم لمدة ستة أشهر أخرى، ثم يتم التوقف عن تناول الدواء.
أيتها الفاضلة الكريمة! إن شاء الله تعالى ما بك سوف يزول، وعليك بأن تستعيذي بالله تعالى من الشيطان الرجيم، ومتى ما استعذت بالله تعالى فإن الشيطان سوف يخنس، وهذا يقضي على الجانب الشيطاني في هذه الوساوس، ويبقى الجانب الطبي والذي يعالج بالوسائل التي ذكرناها لك.
نسأل الله تعالى أن يشفيك وأن يعافيك، ونشكر لك تواصلك معنا، ويمكنك أيضاً الكتابة إلينا مرة أخرى وبالتوضيح الأكثر حول هذه الوساوس حتى يفيدك فيها المستشار الشرعي بشكل أكبر.
والله الموفق.