القلق من الوسواس القهري والطرق العلاجية والسلوكية للتخلص منه
2012-04-16 09:29:04 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عانيت من قلق مفاجئ، ووساوس وأفكار تسلطية، منذ 6 سنوات، ولم أكن كذلك من قبل، وبعد عناء في معرفة أسباب ما طرأ علي، وما يحدث لي، قررت الذهاب إلى طبيب نفساني، وشخص مرضي علي أنه وسواس قهري، وقد يكون لأسباب وراثية، ولكني أؤكد أنه لا يوجد أحد من أفراد عائلتي يعاني منه -ولله الحمد-.
وأكد لي أنه مرض عضوي في الأساس، ولكن أعراضه النفسية في شكل قلق زائد، وتوتر عصبي ووساوس قهرية، وسببه نقص في مادة السيروتونين في المخ، وخلل عام في كيمياء المخ، وهذا هو الجانب العضوي من المرض.
وأما الجانب النفسي كما ذكرت في صورة وساوس وقلق، وأفكار تسلطية، وتوتر واكتئاب .. ووصف لي دواء فافرين 50 مج على أن أتناول قرص صباحا، وقرصين ليلا، وكان مفعوله جيد جدا، واستمريت على الدواء وتحسنت حالتي نسبيا -ولله الحمد- ولكني لم أشف تماما .. وبعد ذلك عادت الوساوس مرة أخرى وشعرت بأني قد أعود لمعاناتي القديمة، فقررت أن لا أعود للعلاج مرة أخرى ولا أعاود زيارة الطبيب النفساني، وأن أتوجه إلى الله عز وجل بالتقرب إليه، والمحافظة على الصلاة، والدعاء، وممارسة الرياضة، وأن أعالج نفسي بنفسي علاج سلوكي بأن لا أستجيب لأي وساوس أو أفكار غريبة، وأن ألتزم بضبط نفسي، وأتجاهل كل الوساوس تجاهلا تاما، وكأنها لم تحدث.
بالفعل بعد فتره من التحمل والصبر، وفقني الله سبحانه وتعالي وشفاني تماما -بفضل الله- وأصبحت كما كنت من قبل إصابتي بالمرض، بل أفضل -ولله الحمد- وأصبحت أكثر نجاحا في دراستي وعملي، ولكن للأسف عادت الوساوس مرة أخرى فجأة، وبشكل كبير منذ شهر تقريبا، وهذا ما أصابني بالحزن مع العلم، أني مازلت -ولله الحمد- مسيطرا عليها، ولا أستجيب لها، ولا يلحظ أحد علي أي تصرف لاإرادي أو أعراض لقلق أو أي شيء، وهذا -بفضل الله- فقد تعودت علي مقاومتها وعدم الاستجابة لها.
ولكني بدأت أضعف، ويصيبني التوتر، والعصبية، والحزن من عودة الوساوس، والأفكار السخيفة مرة أخرى وفي بعض الأحيان أضعف وأناقشها، وأرد عليها مع أني واثق أنها أفكار غريبة، وليس لها أساس من الصحة، بل إني والله الذي لا إله غيره أضحك عليها من سخافتها، وأخشى أن تكون هذه انتكاسة؛ لأني لم أتناول العلاج بالشكل السليم مثلا، وسؤالي هو:
1ـ ما هو تشخيص حالتي الآن، وفقا لما ذكرته لسيادتكم منذ إصابتي بالمرض؟
2- هل أنا على الطريق الصحيح في محاربتي لهذه الوساوس؟ أم أني في حاجة إلى علاج دوائي يساعدني في مقاومتي للوساوس، وعلى تحسين مزاجي، وعلى الشفاء التام بإذن الله؟
3- في حالة أني في حاجة إلى علاج دوائي، أرجو من سيادتكم أن تذكره لي تفصيلا، وأن تذكر لي كيف أتناوله، وما هي الجرعة اللازمة، وذلك في صورة (كورس علاجي) ؛لأني لا أود أن أذهب لطبيب نفساني مرة أخرى؟
علما بأني توقفت عن تناول الدواء ( فافرين ) منذ حوالي 10 أشهر، ولكم جزيل الشكر، ونفع الله بكم، وجعله في ميزان حسناتكم.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد علي حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فأشكرك تمامًا على رسالتك الواضحة والجميلة والمفصلة التي عرضت بها ما تعاني منه من وساوس، ورحلتك مع الوساوس هي رحلة مثالية، وأقصد بمثالية هذا هو التاريخ الطبيعي للوسواس القهري لحوالي سبعين بالمائة من الناس، فهو حالة نفسية تتسم في بعض الأحيان بأنها مزمنة وانتكاسية، وأرجو أن لا يحبطك هذا القول، لا نعني أنها مزمنة سوف تظل مدى الحياة، لكنها قد تنتاب الإنسان من وقت لآخر، ومعظم الذين ينتهجون المناهج السلوكية الصحيحة مثل التي قمت بها تجد أن دفاعاتهم النفسية قد ارتفعت وتحسنت، وأصبحت معاملاتهم مع الوساوس إيجابية جدًّا، ومن خلال تطوير دفاعاتهم النفسية الداخلية والتطبيقات السلوكية تجد أن نوبات الوسواس تكون لديهم عابرة جدًّا وتنتهي، ويتم التحكم فيها بسهولة شديدة. فلا تحزن أبدًا.
والذي أعجبني كثيرًا هو قناعتك بالعلاج، والاقتناع بالعلاج هو من أهم عوامل النجاح والتخلص من الوساوس.
ما ذكره لك الأخ الطبيب من أن الوسواس القهري سببه عضوي، حقيقة أنا لا أفضل كلمة عضوي هذه، لأنها تعني كأننا نتعامل مع تغيرات كبيرة في الجسد، الذي يحدث هو نوع من الاضطراب البسيط في كيمياء الدماغ، وهذا مرتبط أيضًا بالعوامل البيئية، والعوامل الوراثية، والتغيرات الحياتية، وخبرات الماضي، وشخصية الإنسان.
فإذن هذه التغيرات في حد ذاتها كعوامل مهمة جدًّا لحدوث التغيرات على مستوى الموصلات العصبية، ومن الأشياء الجميلة جدًّا، وجدوا أن الذين يطبقون العلاج السلوكي بصورة صحيحة تنخفض لديهم أيضًا مستويات السيروتونين أو يصبح أكثر توازنًا في إفرازه، يعني أن العلاج بالوسائل السلوكية يؤدي إلى تخفيض مستوى مادة كيميائية، وهذا حقيقة يجعلنا نقول أن الجانب العضوي في الوساوس القهرية بالرغم من أنه موجود، لكنه ليس شديدًا وليس خطيرًا.
عمومًا أنا أؤيد منهجك العلاجي تمامًا، وأسأل الله لك العافية والشفاء والتوفيق والسداد، وأقول لك أن الوساوس لا شك أنها مستحوذة وملحة، ولكن بتجاهلها وتحقيرها والتعامل معها على أنها ذات محتوى سخيف والسعي لاستبدالها بفكر وفعل مضاد، وأن تعرف أنها سوف تنتهي - إن شاء الله تعالى – وأن ما بقي منها لك القدرة على التواؤم معه، وأنت لك تجارب إيجابية جدًّا مع العلاج، لذا يجب أن يكون هذا حقيقة محفزًا لك على المزيد من التحسن.
الإجابات المحددة على أسئلتك: ما هو تشخيص حالتك الآن؟ التشخيص هو أنك بالفعل لك تاريخ مع الوساوس القهرية، والآن لديك شيء ما نسميه بالقلق التوقعي، يعني أنت تخاف أن تحدث لك انتكاسة وسواسية، وهذا ليس مستبعدا، لأن الوساوس القهرية في الأصل مكونها الرئيسي هو القلق، فأنت لديك ميول وبعض الاستعداد للإصابة بهذه الوساوس.
هل أنا على الطريق الصحيح؟ نعم أنت على الطريق الصحيح في محاربتك لهذه الوساوس، وقد أعجبتني كلمة (محاربتي) لأن الوساوس فعلاً يجب أن تُحارب ويجب أن تُقهر، وهذا ليس بالصعب.
بالنسبة لسؤالك حول العلاج الدوائي: أنا أقول لك نعم، العلاج الدوائي مهم لسبب واحد، وهو أنه يجعل الإنسان أكثر استعدادًا للتطبيقات السلوكية، ويقلل من الهم ويؤدي إلى شعور استرخائي، ونحن الآن مطمئنين كثيرًا للأدوية الموجودة؛ لأن معظمها سليم، ويظهر أنك في حاجة لجرعة وقائية وليس لجرعة علاجية، فحالتك الحمد لله بسيطة، استجاباتك الماضية للفافرين كانت ممتازة، وجرعة مائة وخمسين مليجرامًا ليست جرعة كبيرة أبدًا.
فأنا أؤيد حقيقة أن تتناول العلاج الدوائي. الفافرين ممتاز لكن أفضل أن تتناول البروزاك، والذي يعرف علميًا باسم (فلوكستين) فهو يساعد حقيقة في النواحي الوقائية أكثر، والجرعة مختصرة جدًّا وهي كبسولة واحدة في اليوم، أريدك أن تتناول كبسولة واحدة في اليوم لمدة ستة أشهر، وهذه ليست مدة طويلة أبدًا، بعدها يمكنك أن تتناول الدواء بمعدل كبسولة واحدة كل يومين لمدة عام مثلاً، أو إذا تحصلت على نوع من البروزاك يسمى (بروزاك تسعين) هذا تأخذ كبسولة واحدة في الأسبوع، أي أربع كبسولات في الشهر، وأعتقد أن هذه وسيلة طيبة جدًّا ومفيدة جدًّا.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، ونسأل الله لك الشفاء والعافية والتوفيق والسداد.