السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:
أولاً: أرجو الرد عن استشارتي في أسرع وقت ممكن - باللهِ عليكم - واعتبرني ابنك يشكو إليك همه؛ لأن والدي متوفىً, ولا أجد من أشكو إليه همي.
أنا طالب في مرحلة المراهقة, أعاني من مشكلة عدم القدرة على إيجاد صديق حميم, فأنا أجد في مرحلة المراهقة أن الجميع في سني يبحثون عن اللهو وما يغضب الله رب العالمين, وقليل جدًّا أن أجد من يطيع الله, ويبعد عن الشهوات, فأنا أبحث عن هؤلاء؛ لأني وجدت أن جميع أصدقائي قد بعدوا عني, فكان لي صديق أكبر مني بعام, وفجأة وجدته اتجه إلى أصدقائه الذين هم في عمره, وكان هذا أعز أصدقائي, وكان لا يمكنني أن أبتعد عنه لحظة واحدة, وكان لي صديق أيضًا كان أعز أصدقائي في الابتدائي وكنت أحبه جدًّا جدًّا, ولكن عند دخولي للإعدادية تفرقنا, وانضم كل منا إلى مدرسة مختلفة, ولي صديق في الشارع أيضًا, هو يحبني ولكني لا أحبه؛ لأنه لا يطيع الله, وأسلوبه غير أسلوبي وفكره غير فكري, فأنا من الناس الذين يحبون الخروج, وأن أكون مع أصدقائي, ولكني لا أجد هؤلاء الأصدقاء في الشارع أو في أي مكان.
واللهِ العظيم, إني أبكي الدموع كل يوم عندما أتذكر هؤلاء الأصدقاء, وسعادتي تكمن في أن أجد صديقًا حميمًا, وقد أصبحت الأول على مدرستي, ولكني عندما سمعت الخبر لم أكن سعيدًا, بالرغم من أن هذا كنت كل ما أطلبه من الله, وكلما أتذكر أنه ليس لي أصحاب أخرج معهم في العيد أو المناسبات ينقبض قلبي جدًّا, وأتمنى الموت, وأدعو الله بذلك, لا أعلم ماذا أفعل؟ وأنا أجد كل من في سني تفكيره ليس كتفكيري, ولا أجد من أتخذه صديقًا؛ حتى كرهت الحياة, وكرهت كلمة صديق, وكلما أرى صديقين قريبين من بعضهما ينقبض قلبي, وأتمنى أن يكون لي صديقا مثل هؤلاء.
أرجوكم أفيدوني؛ كي أجد طريقًا أخرج به من هذه المشكلة, وأرجو الرد سريعًا لأني لا أجد من أشكو إليه همي, فاتجهت إلى هذا الموقع؛ فأنا أبكي كل يوم كثيرًا كثيرًا.
آسف للإطالة, وشكرًا مقدمًا, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد:
الحمد لله, والصلاة والسلام على رسول الله, وعلى آله وصحابته ومن والاه.
نرحب بك - ابننا الفاضل - في موقعك, ونسأل الله أن يرحم والدك برحمته الواسعة, ويسعدنا أن نقول لك: كلنا لك آباء بمنزلة هذا الوالد, ونسأل الله تبارك وتعالى أن يجمعنا بك في مواقع الخير في الدنيا, وفي جنة عرضها السموات والأرض مع رسولنا ومع والدك ومع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
نكرر ترحيبنا بك, ونتمنى أن تتواصل معنا, فكلنا في هذا الموقع أصدقاء حريصون على مصلحتك ونجاحك, ونحن شرف لنا أن نكون في خدمة الشباب المتفوق الناجح الحريص على الخير, الذي يرغب في الصداقة الصالحة، وحقيقة أرجو أن تحافظ على هذا المستوى من الخير, واعلم أن الصديق الفاسد لا خير فيه, وأن الصداقة إما أن تكون على أسس ترضي الله تعالى, وإلا فالخير في عدم وجود هذا الصديق؛ لأن الإنسان يتأثر بصديقه, وكل صداقة في هذه الدنيا تنقلب في الآخرة إلى عدواه إلى ما كان على تقوى من الله ورضوانه، قال سبحانه وتعالى: { الأخِلاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} فنسأل الله تعالى أن يهيئ لك من الصالحين من يذهب عنك الوحشة, وإن المتفوق الناجح ما ينبغي أن يشعر بهذه المشاعر, فاجعل كتاب الله جليسك فهو جليس لا يمل, ثم تواصل مع موقعك ومع إخوانك بهذا الموقع, وانتبه إلى دراستك, واقترب من الوالدة, واتخذها صديقًا فإنها ناصحة لك، وهي أولى الناس, وأحرص الناس على صحتك, ولا تصادق بعد ذلك إلا مؤمنًا, ولا تصاحب إلا مؤمنًا, كما قال النبي صلى الله عليه وسلم. فإذا رأيت من يصادق في اللهو، ومن يذهب بنفسه وبأصدقائه في الغفلات، فلا تحزن عليهم، ولكن احمد الله تعالى الذي عافاك مما ابتلاهم به، وفضّلك على كثير ممن خلق، ولا مانع كذلك إذا رأيت صاحب دين وصاحب أخلاق متفوق في دراسته مهذب في كلامه من بيت في الخير لا مانع من أن تقترب منه, وسوف تجد هؤلاء في بيوت الله تعالى، وفي مواطن الخير, فاثبت فأنت على الخير, وسوف يأتيك أهل الخير, فأنت كالسوق كما قال الحسن البصري تحمل إليك البضائع الراجية, فاجعل الصدق والأمانة والإخلاص والصلاة والصلاح هي بضاعتك الراجية, وعندها سوف يأتيك من يريد هذا الخير، فما عليك إلا أن تواصل البحث, وحتى تحصل عليه فما ينبغي أن تحزن لهذه الدرجة, فإن الإنسان قد يصبح أمة وحده بطاعته لله وتعالى، بحرصه على الخير, وبثباته على هذا الدين الذي شرفنا الله وتعالى به، فأشغل نفسك بالمفيد, واشغل نفسك بطاعة الله تعالى المجيد, واحمد الله على نعمة النجاح والتفوق، فربما يكون هذا من النعم التي ينبغي أن تشعر بها, وتشكر الله تعالى عليها، فكثير من الشباب كان السبب في تدني مستواه العلمي وجود أصدقاء من الغافلين الذين شغلوهم عن طاعة رب العالمين سبحانه وتعالى، ولاشك أن لك في المنطقة دعاة وأئمة مساجد وأخيارًا وفضلاء فاقترب منهم, وانتفع بهم, وتتعلم منهم أحكام الشرع الحنيف الذي شرفنا الله تعالى به، وننصح كل ممن لم يجد صديقًا بأن يذهب إلى مواطن الخير؛ ليؤسس الصداقات الصحيحة, ولكن في بيوت الله, من رحاب العلم, في الدعوة إلى الله تعالى, يبحث عن أمثال هؤلاء, ويسأل الله تعالى أن ييسر له صديقًا صالحًا ناصحًا, فإن أخاك أخاك من نصحك في دينك, وبصرك في عيوبك, وهداك إلى مراشدك، فاحرص على أن تختار الصديق الصالح؛ لأنه كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ, فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يَحْذِيَكَ, وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، فاحذر من صديق السوء حتى ولو جاءك بأموال الدنيا, وزين لك جميل الكلام, وإن أظهر لك الود، فلا تصادق إلا من يسجد لله, إلا من يحرص على كل أمر يرضي الله تعالى, واعلم أن مالك بن دينار وجد إلى جواره كلب أسود فقيل: ما هذا أبا يحيى؟ قال: هذا خير من جليس السوء، فاحذر أخي الجهل:
لا تصحب أخا الجهل *** وإياك وإياه
فكم من جاهلٍ أردى *** حليمًا حين آخاه
يُقاس المرء بالمرء *** إذا ما المرء ماشاه.
وللشيء مع الشيء *** مقايس وأشباه
وللقلب مع القلب ** دليل حين يلقاه
فلا مانع إذن أن تبدأ بالصداقات العادية مع من يصلي ويسجد لله, ومع من تتوسم فيه الخير, ولا تسارع في الدخول لحياته حتى تتيقن من طاعته لله وبعده عن كل أمر يغضب الله تعالى، ولله الحمد فأنت لست وحيدًا في المجتمع, في المدرسة، فأنت في أسرة وفي مجتمع مترابط, وفي مجتمع فيه الصلاة خمس مرات, فاحشر نفسك مع المصلين, وأدخل نفسك مع الزمرة الطيبين, واهتم بالوالدة واقترب منها, واجعلها صديقًا, فإن الأمة الناجحة تعتبر صديقًا, وأهم صديق بأبنائه وبناته, واجتهد في الترحم على الوالد, وانتبه لدراستك, فإن هذا النجاح, والدين والتقوى هي البضاعة التي ينبغي أن يشارك الإنسان فيها ويحرص عليها.
نسأل الله أن يديم عليك نعمه وفضله, واتخذنا أصدقاء، وكل من في هذا الموقع أصدقاء لك, وكل الأخيار الذين فيه على استعداد لخدمتك, فاطرح لنا ما عندك من هموم, واعلم أن أسرارك مصونة ومحفوظة, ومن حقك أن تكتم ما تريد, وأن تطالب بأن تحجب الاستشارة فلا يراها أي إنسان, وأن تسأل عن أي سؤال يخطر في بالك.
نسأل الله تعالى أن يعنيك على الخير, وأن يديم عليك نعمة النجاح, وندعوك أن تشكر الله على هذه النعمة؛ لأن الإنسان إذا شكر نعمه فإن الله يعطيه المزيد, وجاءه من الله خير, فقال تعالى {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ... } فاشكر الوهاب, واقترب من الوالدة, وأكثر من الدعاء للوالد.
نسأل الله تعالى لك التوفيق والسداد.