تقدم لي رجل متزوج أعتبره كأخي، فماذا على أن أفعل؟
2012-06-28 21:52:37 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
دكتور: لقد سمعت عن هذا الموقع كثيراً, وهذا الذي دفعني اليوم لأتقدم إليك بطلب استشارة لعلي أجد الراحة في إفادتك. أنا فتاة أبلغ من العمر السابعة والعشرون مقيمة في دولة الكويت. أنهيت دراستي الثانوية، ومن ثم أتممت دراستي الجامعية، وأنا اليوم أعمل وأكمل دراسة الماجستير بنفس الوقت.
قبل ثلاث سنوات تقدم شخص لخطبتي لكننا لم نتفق وتم فسخ ما كان بيننا، كنت أعمل بشركة تحت إدارة ثلاث مدراء لمدة سنة كاملة, شاءت الظروف واضطروا أن أترك الشركة وفتح عمل خاص بهم.
بعد ذلك أديرت الشركة تحت طاقم جديد لم أرتاح لهم أخلاقياً، مع أنهم لم يقوموا بأذيتي، ولكن بطبعي لا أستطيع المجاملة أو الاستمرار بمكان لا أجد الراحة فيه، مع العلم أنني كنت بمنصب جيد جداً وراتب ممتاز. في هذه الفترة كنت مازلت على اتصال بالإدارة القديمة، فعلموا بأمر رغبتي بترك العمل وأخبروني أنهم يرغبون مني بأن أنضم إليهم منذ وقت خروجهم، ولكن العائق كان أنهم في الوقت الحالي لا يستطيعون أن يوفروا لي نفس الراتب، فكان جوابي لهم أن المال يأتي ويذهب ولكن الأشخاص ذوي الأخلاق لا يمكن أن تحصل عليهم بسهولة، ووافقت للانضمام إليهم، وقد أكملت السنة الآن في هذه الشركة الجديدة.
كان هنالك شخص منهم تربطني به علاقة لا تتعدى حدود الأخوة, وقد اعترفت له بذلك لأنه كانت تبدر منه تصرفات لطالما تمنيت أن أجدها في أخي، مع العلم أن أخي ليس بالشخص السيء، وبنفس الوقت كان إذا واجه مشكلة يعرضها علي حتى أقوم بمساعدته في حلها. قبل شهرين فاجأني بأنه تقدم لخطبتي، ولكنني رفضت وذلك للأسباب التالية: أنه متزوج ولديه ثلاثة أطفال, خلال معرفتي له قام بتعريفي على أهل بيته وأنا أحبهم جداً. أخاف من نظرة السوء التي سوف يرميني بها الناس إذا علموا بذلك، أخاف من نظرة أبي وأمي بأن يتملكهم الشك بأن هناك علاقة تربطني بهذا الشخص من قبل، مع العلم أنهم يعلمون بطبيعة العلاقة التي بيننا وعدم رغبتي بأن أرتبط برجل متزوج.
لأنني لست متيقنة بتحملي وجود شخص آخر بحياته، مع العلم أنني لست بالفتاة التي تسعى لهدم البيوت أو عمل المشاكل، ولكن لا أخفيك منذ أن عرض علي أحسست بالضيق، لأنني متيقنة أنني سأفقده كأخ, حتى نظرتي إليه منذ أن عرض علي الزواج بدأت تتغير من مجرد كونها أخوة أو زمالة, أضف إلى ذلك أنه خلال فترة الثلاث السنوات تقدم لخطبتي العديد من الأشخاص مع علمهم أنه كانت لي علاقة خطبة من شخص من قبل، ومع ذلك كان سبب رفضهم الدائم لسببين الأول: لاستغرابهم بأن فتاة مثلي قد تم فسخ القران منها، والسبب الثاني: هو تمسكي بعملي.
وعندما تقدم الشخص الذي ارتاح له قمت برفضه بالنسبة للعمل, أنا أحب عملي كثيراً وأجد نفسي فيه, أضف إلى ذلك أنني في منصب جيد وعلي بعض الالتزامات منها: أنني أكفل يتيمة، وأكمل دراستي، وأنظر إلى المستقبل إذا جلس والدي بدون عمل, من سيكون المعيل لهم.
أرجو الإفادة العاجلة.
والسلام عليكم ورحمة الله.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يبارك فيك، وأن يثبتك على الحق، وأن يجنبك الفواحش والفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يحفظك بما يحفظ به عباده الصالحين، وأن يشرح صدرك للذي هو خير، وأن يمنّ عليك بزوج صالح طيب مبارك يكون عونًا لك على طاعته ورضاه.
وبخصوص ما ورد برسالتك - أختي الكريمة الفاضلة – فإنه مما لا شك فيه أن الإنسان إذا استراح في مكان فإنه لا ينظر بالأشياء المصاحبة لهذه الراحة، أقصد قد يكون الراتب متواضعًا أو ضعيفًا وقد تكون الوظيفة أقل، لكن المهم أن الإنسان يشعر بنوع من الانسجام والتناغم مع المجموعة التي يعمل معهم، وبالتالي فإنه قد يضحي فعلاً كما ضحيت أنت أو كما ينبغي أن تضحي فيما يتعلق بالراتب في هذه الوظيفة التي التحقت بها مؤخرًا بالنسبة للشركة التي كنت تعملين مع مدرائها في الفترة السابقة، وأرى انتقالك إليها قرارًا موفقًا، خاصة وأن القائمين على أمرها ذوي أخلاق عالية، ويعاملونك معاملة متميزة، لذلك فضلت أنت العمل معهم على اعتبار أنك تعرفينهم.
وبالنسبة لهذا الأخ الذي كان بينك وبينه علاقة تختلف نوعًا ما عن بقية المدراء الموجودين وأنه قد تقدم لخطبتك ولكنك رفضت ذلك لكونه متزوجًا ولديه أطفال، وأيضًا أنت لست متيقنة بقدرتك على استيعاب وجود شخص آخر في حياته، كذلك أيضًا نظرة الناس إليك وأنك قد تكوني خطفت الرجل من امرأته، كذلك أيضًا – كما ذكرت – نظرة والديك إليك حيث إنه قد ينتابهم بعض الشك في أنه كانت هناك علاقة بينك وبينه بصورة أو بأخرى. هذه الأمور كلها – كما ذكرت – دفعتك إلى أن ترفضي الارتباط به، وقد رفضت أيضًا أكثر من أخٍ تقدم لك خلال هذه الفترة، وتقولين بأنك تحبين عملك كثيرًا.
أقول: إن حب العمل ليس فيه حرج شرعي ما دام الإنسان يعمل وُفق الضوابط الشرعية، وما دام العمل عمل محترم ومشروع وليس فيه محاذير شرعية وأنت في حاجة إليه، فإن الشرع لا يمنع من عمل المرأة خاصة إذا كانت في حاجة إلى هذا العمل، وليس فيه شيء يخالف الشرع لا من حيث طبيعة العمل ولا من حيث العوامل المصاحبة له.
وأما فيما يتعلق بهذا الأخ، فأنا أقول: قضية الزواج برجل له أسرة مما لا شك فيه ليست بالمسألة السهلة، لأن الأمر هذا لابد أن يوضع في اعتباره، إذ أنه سيظل مرتبطًا بالأسرة الأولى غالبًا بصورة أقوى، وهذا الذي عليه عامة شعور الذين تزوجوا للمرة الثانية، فالمرأة الأولى لعله تزوجت بزوجها بعد حب طويلة، ولعلها صاحبته في بداية حياته وفي تكوينه، وكذلك أيضًا رزقه الله منها بالولد، فستظل دائمًا وهي متميزة بميزات قد يتعذر عليك أن تصلي إليها.
ومن هنا فإني أقول: فعلاً أنا معك بأنه لابد من مراعاة هذه النقطة، خاصة وأنك كما ذكرت لستِ متأكدة من مشاعرك وعواطفك في المستقبل، فقد تشعرين بنوع من الضيق عندما ترينه يفضل الزوجة الأولى عليك، أو يهتم بها، وهذا أمر أعتقد أنه شيء طبيعي، لأن لديها أطفال وفي حاجة إليه، وبعضهم قد يمرض فيحتاجوا إلى وجوده حتى وإن كان في ليلتك، كذلك بعضهم قد يحتاج إلى بعض المساعدات الخاصة، وقد يحتاج إلى أن يذهب معه إلى المدرسة، أو غير ذلك.
فأرى - بارك الله فيكِ - أن الأمر فعلاً لابد أن تدرسينه بعناية فائقة، فليست القضية قضية راحة نفسية، وإنما الزواج حقيقة في الواقع ليس ارتباطا عاطفيا فحسب، وإنما هو مسألة ينبغي أن تخضع لمعادلات صعبة وقاسية خاصة في ظل التعدد، لأن بعض الناس قد يرغب في التعدد لارتياحه لشخص ما، ولكنه عندما يمارسه أو يبدأ في ممارسته يشعر بأنه غير قادر على العدل، وبذلك يترتب عليه أن تذهب رياح الأسرة، بل قد يفقد الأسرة الأولى والثانية معًا في نفس وقتٍ واحد.
فأنا أقول: إذا كنت فعلاً تشعرين بعدم التأكد من عواطفك ومشاعرك تجاه التعدد في المستقبل فأرى أيضًا أن تعتذري له – كما اعتذرتِ – وأن تُغلقي هذا الباب ولا تعيدي النظر فيه، ولكن أتمنى أيضًا ألا تُغلقي الباب أمام من يتقدم إليك من الأخوة الأكفاء الذين هم في مستواك، وفي نفس الوقت أيضًا الذين يتمتعون بقدر مطلوب من الالتزام بالشرع والخلق الفاضل، لأن النبي - عليه الصلاة والسلام – قال: (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه).
وخلاصة الأمر فإني أقول: ما دمت غير واثقة من قدراتك – أو من نفسك – في المستقبل فأرى ألا تلجي هذه المعركة، لأن النتائج ستكون بالنسبة لك غير حميدة، وهذا الرجل عندما تعلم زوجته بارتباطه بك قد يكون الأمر ليس سهلاً، فقد يُطلب منه بأن يضحي بإحدى الأسرتين، وبالتالي أعتقد أنه – وبلا أدنى شك – سوف يضحي بالأسرة الثانية على اعتبار أنها أسرة صغيرة وأنها بسيطة، وأن الأسرة الأولى هي الأصل، لأن فيها الأولاد وفيها كذا، وأنه يريد أن يحافظ على أولاده من الضياع وغير ذلك.
فأرى فعلاً صرف النظر عن فكرة الارتباط بهذا الأخ، حتى وإن كان هناك نوع من الارتياح أو نوع من الشعور فعلاً بالتفاهم الواضح فيما بينكما، ولكن أرى أن تتم معاملته معاملة زميل في العمل، وأن نتجاوز أي شيء آخر أو أي قرينة أخرى، لأني أرى أن الأمر لن يكون في صالحك بهذه الصورة التي تريدين، خاصة وأنك كما ذكرت لك لستِ ضامنة لعاطفتك مستقبلاً.
وفي نفس الوقت حاولي أن تجدي مكانًا آخر - أو قسم آخر في عملك - تعملين فيه بعيدًا عن هذا الأخ، وبعيدًا عن أي اختلاط بالرجال الأجانب، إلا في حدود ضيقة، لأن هذا أحفظ لدينك وعرضك، وهذا مما أمر به الشرع، ونسأل الله لك التوفيق والسداد، وأن يقدر لك الخير حيث كان ثم يرضيك به.
هذا وبالله التوفيق.