أحب والدتي كثيراً ولا أرى محبتها لي، ماذا أفعل حتى ترضى عني؟
2012-10-14 08:23:13 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لي والدة أحبها كثيراً وأحاول أن لا أزعجها، وأحاول أن ترضى عني، لكن هي لا أراها تعاملني مثل إخوتي، فهي تحب إخوتي وأبناءهم أكثر مني ومن زوجتي وأولادي، برغم من أنهم لا يقدمون شيئاً لها، على عكسي تماماً.
أنا صابر ومستمر بالبر، وقد حدث أن سجلتها للحج وتم شمول اسمها معي ومع زوجتي، وقلت لها اذهبي، فذهابك وإيابك على نفقتي الخاصة، ولا تدفعي شيئاً، حتى هدايا الحج لجميع أبنائك وبناتك على نفقتي الخاصة، لكنها رفضت الذهاب!
قمت بالتوسل إليها وأشركت إخوتى لإقناعها لكنها رفضت، وذهبت أنا وزوجتي بدونها، لأن الذهاب بالنسبة لي ولزوجتي فرصة، وذلك بسبب صغر السن، لأنه إذا لم أذهب سأنتظر أكثر من عشرة سنوات، وخفت من ذلك، لأن الأعمار بيد الله، وقد قمت بالدعاء لها عند الكعبة وأنا أبكي بأن يهديها الله، وترضى عني، وقد علمت من إخوتي بأنها نادمة على فعلتها.
علماً بأنها من النوع الحقود، وتسمع من شقيقي وشقيقتي التي تحبهم، بالشك والقيل والقال، حتى أخوها توفاه الله لم تذهب لدار العزاء! مع أنني حاولت أن أقنعها لكن دون جدوى.
أرجو إجابتي، هل تحسب عند الله أنني حججتها أم ماذا أفعل معها حتى ترضى عني؟ مع أنني لا أقصر بشيء.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمود حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحابته ومن والاه..
نشكر لك تواصلك مع موقعك، ونشكر لك الاهتمام والسؤال، ونسأل الله أن يرزقك بر هذه الوالدة، ونشكر لك هذا الإحسان وهذا الحرص على الخير، ويسعدنا أن نبشرك بأن ثوابك عند الله لن يضيع، سواء عرفت بذلك الوالدة، أقرت به أم لم تقر، فإن عليك أن تفعل الخير، وتجتهد في بر الوالدة، وتؤدي ما عليك، وبعد ذلك لا يضيرك ما يحدث بعد ذلك، طالما أنت تقوم بواجبك على الوجه الأكمل وعلى الوجه الأتم، ونسأل الله أن يعينك على الاستمرار على هذا الخير.
إذا كان هناك من ينقل أشياء ويُباعد بينك وبين الوالدة فلن يكسب خيرًا، والعبرة برضا الله تبارك وتعالى، هذا واجب شرعي، ولذلك بعد آيات البر، بعد أن قال: {واخفض لهما جناح الذل من الرحمة} بعد أن قال: {فلا تقل لهما أفٍّ ولا تنهرهما} بعد هذه الآيات الكريمة يأتي قول الله تبارك وتعالى: {ربكم أعلم بما في نفوسكم إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين غفورًا} قال العلماء: هذا في الذي يؤدي ما عليه ويجتهد في البر، ولكن مع ذلك يظل الوالد – أو تظل الوالدة – غضبان، {ربكم أعلم بما في نفوسكم} من البر والإحسان والرغبة في الخير والنية الصالحة تجاه الوالدين، {إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين غفورًا} وطبعًا هذا متوقع، هناك من يكون الأب عنده طمع زائد - تكون الأم فيها شراسة زائدة - فلا يرضى حتى على المحسن، مهما بالغ الإنسان في إحسانه.
أذكرُ قبل سنوات رجل له أسرة، يقول: (يا شيخ: أنا آتي براتبي كاملاً أضع في يدي والدي وهو مع ذلك غاضب) حتى إنه لا يترك لنفسه درهمًا ولا دينارًا، بعد ذلك يتسول الأشياء التي يحتاجها في بيته، يقول: (مع ذلك الوالد غير راضي) وطبعًا هو متأثر، والله تبارك وتعالى هو العدل، هو الكريم، هو الرحيم سبحانه وتعالى.
لذلك نحن ندعوك إلى أن تستمر فيما أنت عليه من البر والإحسان، وداوم على توفير احتياجات الوالدة والرعاية لها، تقبل رأسها، تهتم بعلاجها، تهتم بصحتها، تدعو الله تبارك وتعالى لها، بعد ذلك لا يضر ما يحدث، ولا تُعطي فرصة للآخرين، فكن أنت قريباً من الوالدة، لا تعطي الآخرين فرصة، دائمًا كن إلى جوار والدتك، فإذا ردتك فأنت مأجور، وإذا لم تهتم بك فأنت مأجور، وإذا أغضبتك فصبرت فأنت مأجور، هذا باب من أبواب الجنة، فالزم رجليْها، وواصل فيما أنت فيه من البر، واجتهد في الإحسان إليها، واجتهد كذلك في الإحسان لإخوانك وأخواتك، وكن أنت دائمًا الأفضل، وأنت دائمًا الأحسن.
لابد أن تُدرك إذا كان هناك من يفعل هذا بقصد أن يُباعد بينك وبين الوالدة أنه لن ينال خيرًا، فالجأ إلى الله تبارك وتعالى، ولكن يبدو أيضًا من خلال الكلام أن الوالدة هذه طبيعتها، والدليل على ذلك أنها حاربت أشقاءها – أحب الناس إليها وأقرب الناس منها – فربما تكون هي سمعية تسمع الكلام، ولذلك نحن ندعوك إلى زيادة البر.
نحن نقول دائمًا بأن في الناس نمَّامين، يقولون عن فلان: (منذ تزوج ما رأيناه، وأصبح لا يهتم بك، لعل زوجته أخذته منك) وهذا يزيد من غيرة الوالدة، لذلك نحن نقول: إذا كنت تزور الوالدة قبل الزواج مرتين في اليوم بعد الزواج اجعلها أربعاً اجعلها خمس مرات، حتى تفوّت الفرصة على شياطين الإنس والجن، الذين يُوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورًا.
ما أحوجنا إلى أن نعيش هذه المعاني، ونحن حقيقة نشكر لك هذه الاستشارة، ونسأل الله أن يثبت أجرك في خدمة الوالدة، وفي حرصك على الذهاب بها إلى الحج، فقد أديت ما عليك، وأحسنت بالدعاء لها، وهي قد شعرت بهذا فندمتْ – كما قلت – ولكن مع ذلك دائمًا الإنسان في تعامله مع الوالد لا يعامل بالندية، وإنما بالتنازل وبالاحتمال وبالصبر، تنصح وتكلم، فإذا رأيت أنها غضبتْ تكفَّ وتنصرف، ثم تأتي بعد ذلك بخطة جديدة وطريقة جديدة في النصح، لكن الإنسان يحرص على معرفة مقام الوالدين، حتى عندما ننصح فقدوتنا وأسوتنا خليل الله حين نصح لأبيه: {يا أبتِ}، {يا أبتِ}، {يا أبتِ} في منتهى اللطف، حتى لما طرده وقال: {لئن لم تنته لأرجمنَّك واهجرني مليًّا} لكنَّ الخليل إبراهيم عليه السلام ما قابل هذا الكلام بالإساءة، وإنما قال: {سلام عليكَ سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيًّا}.
مقام الوالد رفيع جدًّا، فكن أنت السّبّاق إلى البر والإحسان، فإن رضيتْ فبها ونعمتْ وإن لم ترض فأجرك وثوابك عند الله محفوظ، وسيعوضك الله في هذه الدنيا بالأبناء البررة الذين يقومون بالواجب تجاهك، ونسأل الله لك التوفيق والسداد، ونكرر ترحيبنا بك في موقعك، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يحقق لك ما تريد في طاعة ربنا المجيد.