لا أشعر بالسعادة أبداً، ولم أشعر بلذة الطاعة، ساعدوني أرجوكم.
2012-11-25 17:46:02 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته..
أنا فتاة عمري 20 سنة، أدرس في كلية الشريعة، مشكلتي أنني أتمنى أن أجد طعم الإيمان.
قبل سنوات ألتزمت وأصبحت أقوم الليل وأقرأ القرآن، وكنت أشعر بسعادة لا يعلمها إلا الله، ولكن أغواني الشيطان فوقعت في المعاصي، والنظر إلى الحرام، والعادة السرية، ثم تبت، ولكن لم أشعر بالسعادة أبداً، ولم أشعر بلذة الطاعة، وبعد ذلك انتكست، ثم تبت، ولكن لم أشعر بالسعادة، وكل أعمالي لا أريد بها وجه الله إنما مدح الناس - والعياذ بالله-.
قبل أيام معدودة انتكست، وأصبحت أنظر إلى الحرام، وفعلت العادة السرية، وأنا نادمة ولكن يضيق صدري، لأني لا أشعر بالسعادة وأنا بالقرب من الله، والذي يزعجني أني أذا تبت تكون شخصيتي عبوسة، وأحب الوحدة وتأتيني أيام كثيرة وأنا مهمومة وأريد البكاء، وإذا انتكست صار العكس، والكل يحسبني ملتزمة، أشعر بأني منافقة.
وإني والله أخاف أن الله يكون قد طبع على قلبي، فكيف السبيل إلى الصلاح؟ ساعدوني، أريد حلاً نهائياً، وأنا مستعدة أن أفعل كل ما في وسعي، وأتمنى أن أكون من أولياء الله ومن حفظت كتابه.
أمنياتي كبيرة و لكن لا يصل لها مثلي، أريد أن أبداء بالأهم فالأهم، حتى لا أشعر بالممل من الاستقامة، أشعر أني إذا التزمت أكون متشددة في الدين لذلك لم أستطع الثبات، علماً بأني لم أجد في الكلية صديقة تعينني على الطاعة.
وقد قال أحد الصحابة ( كنا نتعلم الإيمان قبل القرآن ) فما قصده ؟
أرجوكم أنصحوني، ساعدوني، أرشدوني، أنقذونــي من النار.
أخاف أن أموت وأنا على هذا الحال.
واعذروني على الإطالة ولكن قلبي تقطع على حالي. فما السبيل إلى الإخلاص؟
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ الداعية حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحابته ومن والاه..
بداية نرحب بك - ابنتنا الفاضلة - في موقعك، ونشكر لك هذا الحرص على الخير، ونبشرك بأنك - ولله الحمد- على خير، وندعوك إلى الثبات على التوبة، وأبشري، فإن الله ما سمى نفسه تواب إلا ليتوب علينا، ولا سمى نفسه غفور إلا ليغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، ولا سمى نفسه رحيم إلا ليرحمنا، وهو العظيم الذي يفرح بتوبة من يتوب إليه، فسارعي بالتوبة والرجوع إلى الله تبارك وتعالى، واعلمي أن هذا الانتكاس والرجوع بعد التوبة له أسباب، فالإنسان إذا تاب عليه أن يتذكر الآتي:
أولاً: لابد أن يُخلص في توبته.
ثانيًا: لابد أن يصدق في توبته، فإن توبة الكذابين هي أن يقول الإنسان بلسانه (تبت إلى الله) والقلب لا يزال متعلق بالمعصية.
ثالثًا: لابد من الندم، والندم توبة.
رابعًا: لابد من العزم على عدم العود إلى الذنب.
خامسًا: لابد من الاجتهاد في الحسنات الماحية فإن الحسنات يُذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين.
ثم على الإنسان أن يغير بيئة المعصية، ورفقة المعصية، وأرقام المعصية، وأماكن المعصية، كما في حديث قاتل المائة: (ولكنك بأرض سوء) لأن مكان السوء وأرقام السوء وبيئة السوء ورفقة السوء تذكر بالمعصية.
كذلك عليك أن تتجنبي الوحدة، فإن الشيطان مع الواحد، وهذه الممارسة السيئة - العادة السرية - لا يفعلها الإنسان إلا عندما يكون في خلوة، فحاولي دائمًا أن تشغلي نفسك بالطاعة، أن تكوني إلى جوار أسرتك، فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية، البعيدة، الشريدة، فابحثي عن الصديقات الصالحات، وهنَّ كثيرات، لا يمكن أن تكون جامعة أو كلية ليس فيها صالحات، ولكن عليك أن تجتهدي في البحث.
عليك ألا تذهبي إلى الفراش إلا وأنت جاهزة للنوم، عليك ألا تمكثي في الفراش بعد الاستيقاظ من النوم، لأن هذه اللحظات التي تأتي فيها أفكار العادة السرية ويأتي بها الشيطان، عليك كذلك أن تغضي البصر، عليك كذلك أن تتذكري خطورة هذه الممارسة عليك كفتاة وعليك كبنت، عليك كذلك أيضًا أن تجتهدي في أن تنامي على طهارة، في أن يكون كتاب الله والقرآن صوت في ((حرجتك))، عليك أن تراقبي الله تبارك وتعالى واجعلي لوحة أمامك بخط كبير جدًّا قوله تعالى: {يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم} وقوله تعالى: {وهو معكم أينما كنتم} وقوله تعالى: {ألم يعلم بأن الله يرَى} وقوله تعالى: {قل كفى بالله شهيدًا بيني وبينكم} وقوله تعالى: {إن الله هو السميع البصير}.
عليك أن تعلمي أن الحلاوة لا تُوجد إلا في الطاعة، والطمأنينة وراحة البال لا يمكن أن توجد إلا في طاعة الرحمن، والمشاعر التي عندك كاذبة، لأن هذا من الشيطان الذي يُزين السوء ويُزين الشر، ولا يمكن لصاحب المعصية أن يستمتع بمعصيته، حتى قال ابن القيم: " لا يستمتع العاصي بمعصيته إلا كما يستمتع الجَرِبُ بحكِ الجَرَبِ " فالجرب مرض صاحبه يَحك هذا الجرب فتسيل الدماء - صورة مقززة مؤلمة - لكنه يستمتع، فلا يستمتع العاصي بمعصيته إلا كما يستمتع الجَرِبُ بحك الجرب، يعني معها آلام وهموم وضيق، وهذا واضح في نفس الاستشارة، وهذا أنت تُشكري على أنك بدأتِ تسألي، ونعتقد أن هذه هي البداية الصحيحة للعودة الصحيحة إلى الله تبارك وتعالى.
تستطيعين - ولله الحمد- أن تصلي إلى أرفع المنازل، وقد وصلت إليها، أعجبني في بداية الاستشارة أنك وجدت حلاوة في الطاعة ووجدت حلاوة في القيام وفي الاستغفار، ثم لما تغير الوضع تغير الحال، لذلك نريد أن نقول: إن هذه اللذة التي تبحثين عنها تحتاج إلى وقت، وتحتاج إلى استمرار، فالخشوع في الصلاة يحتاج إلى استمرار في الصلاة، لذلك قال تعالى: {قد أفلح المؤمنون * الذين هم في صلاتهم خاشعون} ثم قال من صفاتهم: {والذين هم على صلواتهم يحافظون} فلا يمكن أن ينال الإنسان الخشوع وهو لا يحافظ على الصلاة، ولا يمكن أن ينال الإنسان اللذة وحلاوة الإيمان وهو لا يتجنب المعاصي، ولكن مع الاستمرار، ومع الإصرار، ومع مخالفة هذا العدو يصل الإنسان إلى اللذة ويصل إلى الخير.
فلذلك نحن ندعوك إلى أن تبدئي بالنقاط التي أشرنا إليها، واعلمي أن الله رحيم وأنك على خير، وإذا أحسن الناس بك الظن فارتفعي لمستوى حسن ظنهم، فلست منافقة، ولكن إذا قالوا فلانة فيها خير فكوني من أهل الخير، وهكذا كما قيل عن الإمام أبو حنيفة أنه لما سمع رجل يقول (أبو حنيفة يصلي الليل) فما ترك قيام الليل بعدها، فالإنسان إذا أحسن الناس به الظن عليه أن يرتفع إلى حسن ظنهم، ويحمد الله تبارك وتعالى الذي ستر عليه.
فاجتهدي فيما يُرضي الله تبارك وتعالى، وحاولي دائمًا أن تتواصلي مع موقعك، ونتمنى أن يحصل تغيير فعلي تتفادي فيه أسباب المعصية وكل ما يُذكرك بالمخالفة، ولا تيأسي، واعلمي أن الشيطان هو الذي يجمع عليك الأحزان ليوصلك إلى اليأس، ويوصلك إلى القنوط من رحمة الله والعياذ بالله.
واعلمي أن الله رحيم، وتوبي إلى الله حتى يكون الشيطان هو المخذول، واعلمي أن الشيطان عدو فاتخذيه عدوًّا، كما وجهنا ربنا تبارك وتعالى، ونسأل الله تبارك وتعالى لك التوفيق والسداد، وأرجو أن يكون لك تواصل مع الموقع، ونتمنى أن تنفذي الإرشادات، ثم تكتبي إلينا بما حصل عندك من نتائج، واعلمي أن الله تبارك وتعالى غفور، تواب، رحيم، وأنه يقبل الإنسان، وأن الإنسان لو بلغت ذنوبه عنان السماء ثم عمل حسنة فإن الحسنات يُذهبن السيئات، والحسنة تعلو على هذه السيئات - كما قال أبو الدرداء - فنسأل الله لك التوفيق والسداد، والعون على التوبة النصوح، ونسأل الله أن يتوب علينا وعليك لنتوب ونرجع إليه، هو ولي ذلك والقادر عليه.