أعاني من وسواس قهري... فما العلاج؟
2013-02-07 12:59:17 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أعاني من وسواس قهري في كل شيء منذ ست سنين تقريباً، والآن تحول إلى وسواس في الدين وأصوله، وأحاول أن أتخلص منه، ولكن أرجو أن تشرحوا لي معنى عدم الاسترسال مع الوسواس، وهل مناقشتي الوسواس وإخضاعه للمنطق نوع من الاسترسال ويجب تجنبه؟
لقد اعتدت على مناقشة الفكرة الوسواسية وكلما أتجاهلها ولا أناقشها أشعر أنني على خطأ وأنني أقبل بالفكرة الوسواسية، أتمنى أن تشرحوا لي العلاج أكثر.
سؤالي الثاني هو: أن الله سبحانه وتعالى ترك لنا بعض الأمور الدينية لنفهمها بعقولنا وعن طريق البحث، وهل إن فهمناها بعقولنا ووجدنا الأدلة عليها واتبعنا ذلك، ثم أخطانا دون علم فهل سيعاقبنا الله؟
جزاكم الله خيراً.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ نبع الإيمان حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد
فنشكرك على التواصل مع إسلام ويب، وجزاك الله خيرًا، وبارك الله فيك.
الوساوس القهرية ليست كلها واحدة، وهنالك نوع من الوساوس يمكن أن يناقشه الإنسان مع نفسه باسترسال وتوضيح ويخضعه للمنطق، ومن خلال هذا الحوار يستطيع الإنسان أن يصل إلى قناعات أن وساوسه بالفعل حقيرة وسخيفة، ويجب ألا يتبعها، ويتجاهلها، بل يقوم بفعل مضاد لها.
لكن هناك من الوساوس - خاصة الوساوس ذات الطابع الديني - هذا النوع من الوسواس إذا قام الإنسان بمحاورة نفسه حول هذا الوسواس وأراد أن يصل إلى نتائج منطقية يستخلصها من الأسئلة التي يطرحها على نفسه، هذا يضر بالشخص كثيرًا لأنه يُعقد الوساوس، وحتى الوسواس الأساسي سوف يتفرع إلى جزئيات كثيرة، وهذا يُطبق أكثر على صاحب الوسواس، وهذا يُشكل علة نفسية رئيسية قد تنتهي بالإنسان إلى اكتئاب نفسي شديد.
وحديث الرسول صلى الله عليه وسلم واضح في هذا السياق، فقد قال صلى الله عليه وسلم – وفيما هو معناه - : (يأتي الشيطان إلى أحدكم فيقول: من خلق هذا؟ ومن خلق هذا؟ حتى يقول لك: من خلق الله. فإذا وجد ذلك أحدكم فليقل: آمنت بالله، ثم لينته) فالانتهاء هو الإغلاق على الوساوس وليس الاسترسال فيها.
وتوجد وساوس أخرى كثيرة على هذه الشاكلة، أي لا يُنصح بمحاورتها ومناقشتها أو أن يخضعها الإنسان للمنطق العقلي المعروف، بل التحقير والتجنب هذا هو العلاج الأساسي، والتحقير والتجنب سوف يؤدي إلى إلحاح شديد من جانب الوسواس، وهذا يشكل ضغطًا كبيرًا جدًّا على صاحب الوسواس ويزيد من قلقه، لكن بالصمود على هذا الموقف - أي موقف عدم الحوار، والتحقير والتجاهل - سوف يبدأ بعد ذلك القلق والتوتر في الانخفاض حتى يتلاشى تمامًا، وهنا يكون الإنسان قد عرض نفسه لوساوسه بصورة إيجابية جدًّا، وفي نفس الوقت قام بمنع الاستجابة السلبية.
بالنسبة للعلاج: أنا أعتقد أن معظم الذين يعانون من الوسواس لا يمكن أن يعالجوا أنفسهم بأنفسهم، مهما تدققنا في الشرح، مهما تكلمنا عن الآليات السلوكية، لأن التجنب هو المشكلة الأساسية، واسترشاد المتعالج -صاحب العلة، صاحب الوساوس - بالمعالِج، وأخذه كقدوة ونموذج فيه قيمة علاجية كبيرة جدًّا، ولذا - وبما أنك متواجدة أيتها الفاضلة الكريمة في دولة قطر - ليس لديَّ مانع أبدًا أن تحضري إلينا - ومعك تحويل من المركز الصحي - في قسم الطب النفسي التابع لمؤسسة حمد الطبية والموجود بالقرب من دوار الجِيدة، وسوف نقوم إن - شاء الله تعالى- بمقابلتك وتوضيح الكثير لك، وتوضع آليات علاجية نفسية، وإن كانت هناك حاجة للدواء سوف نقوم أيضًا بإعطائك الدواء المناسب.
إذن اشرحي الأمر لذويك (لوالديك) وتقدمي للعلاج، وأنا أؤكد لك أن هذه الحالات يمكن أن تعالج، وتعالج بصورة فعالة جدًّا.
بالنسبة للجزئية الثانية في السؤال فسوف يقوم أحد الإخوة المشايخ بالإجابة عليها، ومن جانبي أقول لك أيضًا: سؤالك يحمل صفة التلميح حول مناقشة الوساوس، فأكرر أن الوساوس يجب أن يُغلق عليها، ولا تناقش، لأنها – ببساطة شديدة – تولد وساوس أخرى، ولن يصل صاحبها إلى نتيجة أبدًا، بل ستعقد الأمور أكثر.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا.
++++++++++++++++++
انتهت إجابة الدكتور محمد عبد العليم استشاري أول الطب نفسي وطب الإدمان/ وتليها إجابة الشيخ أحمد الفودعي المستشار الأسري والتربوي
++++++++++++++++++
فمرحبًا بك ابنتنا العزيزة في استشارات إسلام ويب، نسأل الله تعالى أن يُذهب عنك ما تجدين من وساوس.
مما لا شك فيه أيتها البنت العزيزة أن الوساوس شر عظيم إذا تسلطت على الإنسان أفسدت عليه حياته، ولا علاج أنفع ولا أمثل لهذه الوساوس مثل الإعراض عنها وتركها بالكلية، وهو ما عبرنا عنه أكثر من مرة بقولنا بـ (عدم الاسترسال معها) ومناقشتك للوسواس وإخضاعه للمنطق هو الاسترسال بعينه، ومن ثم فنصيحتنا لك ألا تناقشي الفكرة التي يُدلي بها الوسواس إليك، بل المطلوب منك أن تشغلي نفسك بشيء آخر من أمر دين أو أمر دنيا، بعيدًا عن موضوع الوسوسة، فإذا أعرضتِ هذا الإعراض فإنك ستشفين بإذن الله تعالى، وهذا هو إرشاد النبي صلى الله عليه وسلم إذ قال: (فليستعذ بالله ولينته).
فالانتهاء معناه: الانصراف بالفكر والنفس عن الانشغال بموضوع الوسوسة إلى موضوع آخر، فتجنبي مناقشة الوساوس، وستشفين بإذن الله تعالى.
وأما ما ذكرتِ من أن الله سبحانه وتعالى هل ترك لنا بعض الأمور الدينية لنفهمهما بعقولنا؟ فالجواب أن الله تعالى بيّن شرعه ودينه في كتابه، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وترك للعلماء معرفة أحكام ما لم يذكره الله تعالى بخصوصه في الكتاب أو يذكره الرسول صلى الله عليه وسلم بالقياس على ما ذكره الله تعالى في كتابه وذكره الرسول صلى الله عليه وسلم في أحاديثه، وهذا لا يعرفه إلا أهل العلم، وأنت لم تبلغي هذه المرتبة، فنصيحتنا لك أن تجتهدي في تعلم ما ينفعك من دينك، مبتدئة بصغار العلم قبل كِبارها، وننصحك بأخذ العلم عن أهله الراسخين فيه، والإكثار من مجالسة النساء الصالحات وطالبات العلم، وهنَّ كثيرات في بلدك هذه - ولله الحمد - .
وإذا أخطأ الإنسان خطأ في عبادته أو غير ذلك لأنه يجهل الحكم الشرعي ولم يقصر في التعلم - فإن شاء الله- لن يعاقبه الله على ذلك، ولكن المطلوب منا أيتها الكريمة أن نبذل وسعنا في تعلم الدين الذي بعث الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (طلب العلم فريضة على كل مسلم) والمسلمة شريكة المسلم في التعاليم الدينية، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (النساء شقائق الرجال).
فنصيحتنا لك أن تجتهدي في تعلم دينك، وأن تتعبدي لله تعالى على بصيرة، وأن تُعرضي عن هذه الوساوس كما أسلفنا، وستجدين نفسك بإذن الله تعالى تصلين إلى المطلوب، وتتجنبين كل مرهوب.
نسأله سبحانه وتعالى أن يأخذ بيدك إلى كل خير.