أعيش حياة مضطربة وأريد العفاف والشعور بالأمان أرشدوني.
2013-09-11 06:40:52 | إسلام ويب
السؤال:
أكرمكم ربي، وجزاكم كل خير على ما تقدمونه من خير للناس، وبعد:
أنا فتاة أكملت الثانوية الأزهرية حديثاً، ولكن لم يرد ربي أن أحصل على مجموع عالي، فالكلية المتوقعة لي ليست عالية، ولقد جاهدت كثيراً، ولكن هذا رزق من عند ربي -والحمد لله على كل حال-، توفيت أمي قبل أن أتم الشهادة الإعدادية بالسرطان أمام عيناي، وحاولت أن أجعل البيت يسير بأفضل ما يمكن، ولكن زادت المشاكل كثيراً في الفترة الأخيرة.
أصيبت شقيقتي بالوسواس القهري، ولم تكمل مع الطبيب للتكلفة العالية، وللأسف والدي يسعي لكي يكون معنا، ولكنه لم يعتد يوماً على فعل ذلك.
وعائلتي على فريقين: فريق إما يحاول لمجرد المحاولة أن يكون بجوارنا، وفريق آخر يفكر في أن يعطينا أقل حقوقنا، حتى احترام المشاعر يوم عزاء أمي لم يفعلوها، وأصبح العزاء مجرد ليلة مرح لا دعاء ولا شيء.
وأبي ما بين الحين والآخر يقول: أنا لن أعيش معكم، وأختي أيضاً تكرر كلامه أني ممكن ما أعيش معها مستقبلا، وننفصل في الحياة وهي الوحيدة لي والكبيرة أيضاً، ولا يوجد في عائلتي أحد يشعرني بالاطمئنان وللأسف.
تقربت من ربي، وأنعم علي قبل وفاة أمي وارتديت النقاب، وأسعي أن أحافظ على صلاتي، ولكن الآن أصبحت أعاني من مشكلة الفطرة التي بداخلي، وأصبح الشيطان يراود فكري أحياناً كثيرة في عصيان ربي بالتفكير، ولكني أجاهد وأبكي حتى ينجدني ربي من هذا، وكم أخاف كثيراً من ربي بالتفكير في هذا، وأن تقبض روحي وأنا بهذه الحالة، وأصبحت أصلي وأحياناً أسهو عن صلاتي، وأصبحت أجاهد نفسي حتى أقوم بالصلاة.
وقمت للأسف بالمشاركة في إحدى مواقع الزواج الإسلامي على الإنترنت، ووجدت الأمر أن الشباب يكلم بعضهم، وإذا حدث توافق يتم الزواج على أرض الواقع.
ولكني شعرت بأني أغضب ربي أكثر، أني سأحادث الشباب وأعرض نفسي كسلعة، وأنا لا أريد ذلك، ولا أدري ماذا أفعل؟ فأنا أريد أن أشعر بمن يشعرني بالقليل من الأمان، ويحمل معي ما أتعب كاهلي من مسئوليات، ويساعدني عن البعد عما يغضب ربي، حتى أني نذرتُ لربي أنه إذا أنعم علي بالزواج أني سأحفظ كتابه.
أريد رأيكم في حالتي، وما رأي الشرع في مثل هذه المواقع؟ وهل أتركها نهائياً؟ وماذا تنصحوني بفعله؟
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ فاطمة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
ننصحك بأن تبدئي بحفظ كتاب الله وبالإقبال على الله، واتخذي هذا الكتاب جليسًا، فإنه جليس لا يغش، وصاحب لا يُمل، وما جالس أحد هذا الكتاب إلا قام عنه بزيادة ونقصان، زيادة في هدىً، ونقصان من عمىً وجهال وضلالة، والإنسان لا يخرج من مثل هذه الأحوال إلا باللجوء إلى الله تبارك وتعالى والاستقامة على شرعه، ولذلك ينبغي أن تبدئي مسيرة التصحيح بهذا، وأنت ولله الحمد ممن وجدت حلاوة الطاعة والاستقامة على شرع الله تبارك وتعالى.
واعلمي أن الإنسان إذا أشغل نفسه بطاعة الله تبارك وتعالى وكان في حاجة إخوانه – كحالك أنت– رعاية لهذه الأخت وشفقة على الأب وإحسانًا إلى الأهل، فإن العظيم سيكون في حاجتك، فمن كان في حاجة إخوانه كان الله تبارك وتعالى في حاجته.
ومثل هذه الأمور العاطفية نتمنى ألا تستعجلي التفكير فيها والدخول إلى هذا العالم، فإنه لن يجلب لك سوى التعب، ولكن ينبغي أن تشكلي حضورًا في مجتمعك وبين الصالحات، في المراكز، في دور العبادة، في أماكن المحاضرات، في الإنجازات في هذه الحياة، في التواصل مع الجارات، واعلمي أن لكل فاضلة من أولئك النساء من يبحثن عن نساء صالحات من أمثالك والفاضلات لأحد محارمها من أخٍ أو ابنٍ أو قريب، واعلمي أن اللجوء لله تبارك وتعالى فيه العلاج، وفيه العِوض عن كل نقص يمكن أن يُدرك الإنسان، وكل كسر فإن الدين يجْبُره، وما لكسر قناة الدين جُبران.
وتعوذي بالله من شيطان يريد أن يضخم لك الأمور، ويعيقك عن طاعة ربنا تبارك وتعالى، واعلمي أن فلاحنا في مخالفة هذا العدو، في مخالفة هذا الشيطان، ونسأل الله أن يرحم الوالدة برحمته الواسعة.
ونعتقد أن من كتبت هذه الاستشارة وصلت إلى مرحلة من النضج والوعي تستطيع أن تواجه معها صعوبات الحياة، والحياة هذه طبيعتها جُبلت على كدر ونحن نريدها صفوًا من الأقدار والأقذاء، ومكلف الأيام فوق طباعها متطلب في الماء جذوة نارٍ، لكن بالاستعانة بالله تبارك وتعالى والتوكل عليه، وحسن التواصل مع الصالحات، والإقبال على رب الأرض والسموات، وشغل النفس بالمفيد وبالأعمال الصالحات، فإن الإنسان يتجاوز هذه الصعاب، ونبشرك بأنه سيأتيك الرزق الذي قدره الله تبارك وتعالى لك.
ونؤكد لك أن فعالة الخير وأن فعال المعروف لا يقع، وإن وقع وجد متكئًا، فأبشري بالخير، وأقبلي على الحياة بأمل جديد وبثقة في الله تبارك وتعالى المجيد، وأكثري من الدعاء للوالدة، وكوني أيضًا قريبة من الوالد، فهو أيضًا لا شك أنه يعاني بفقد الوالدة، واقبلي من أهلك ما يأتي، وكوني أنت الأفضل دائمًا، ولا تقفي لتغتمي من مواقف بعض الأهل وبعض المقصرين، وكوني أنت الإيجابية، وكوني أنت السَّباقة إلى الخير.
واعلمي أن هذه الحياة مدرسة، فالذي يفعل الخير سيجد الخير، والذي يتواصل مع الناس سيجد من يصله، والذي يقطع الناس سيقابل بالإهمال وبالغفلة عنه، فهذه هي الحياة، والإنسان ينبغي أن يفهم هذه الأمور، فلا تعطي الأمور أكبر من حجمها، ولا تقفي أمام المواقف السالبة، فإنه لا يُجدي ولا ينفع البكاء على اللبن المسكوب الذي لا يمكن أن يعود بعد ذلك، والله تبارك وتعالى يقول: {لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم} قال ابن عباس: ما من إنسان إلا يفرح ويحزن، لكن المؤمن يجعل حزنه صبرا، ويجعل فرحه شكرا لله تبارك وتعالى، وعجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، أو أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له.
أما بالنسبة للمستقبل: فافعلي الأسباب ثم توكلي على الكريم الوهاب، ولا تفكري في عبور الجسر قبل الوصول إليه، أحيانًا نحن نكلف أنفسنا بأشياء، بالمستقبل، بكذا، ونحن ما كُلفنا بهذا، كلفنا بأن نعمل ونخطط ونفعل الأسباب، ثم نتوكل على الكريم الوهاب.
واعلمي أن هذا الكون ملك لله، ولن يحدث في كون الله إلا ما أراده الله تبارك وتعالى، فاجعلي صلتك بالله وثيقة، وكوني إلى جوار هذه الأخت، وخففي عنها المآسي، ونحن حقيقة سعداء بهذا التواصل، سعداء بوجود أمثالك في هذا البيت الذي يحتاج إلى ترميم عاطفي، يحتاج إلى إعادة بناء الثقة، يحتاج إلى ربط بالله تبارك وتعالى، ونعتقد أن هذا هو العلاج الناجع لكل أزمات الإنسان، أن يكون قريبًا من ربه، أن تكون مطيعة لربها تبارك وتعالى.
نسأل الله لك التوفيق والهداية والسداد، ونشكر لك هذا التواصل، ونؤكد لك أننا في مقام العم والخال، والأب والأخ، والأهل، فتواصلي مع موقعك، واعلمي أن هناك فريقا كبيرا في هذا الموقع من الإخوة والأخوات هم على الاستعداد لخدمة أمثالك من الفاضلات.
نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد والهداية، ونسأل الله أن يهيأ لك الزوج الصالح الذي يُسعدك لإكمال مشوار الحياة، ويعينك أيضًا على ترميم هذا البيت، وإعادة الدفء العاطفي والتواصل العائلي إليه، ونسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد.