كنت متديناً فجعلني الوسواس مهملاً للصلاة.
2013-11-13 23:37:01 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله بركاته...
أنا شاب مصاب بالوسواس والاكتئاب وأمراض نفسية، منذ كان عمري 16 سنة، وازدادت حالتي سوءً مع الأيام، حتى وصلت إلى محاولات انتحار، مما جعلني أقوم بمراجعة أطباء متخصصين بالمجال.
كنت استيقظ ليلاً وأبكي بحرقة لدرجة أفكر فيها أن أقتل نفسي، فأتذكر ربي وديني فأتراجع خوفاً من سوء الخاتمة، فقد كنت متديناً، محافظاً على الصلوات والسنن، وأحب فعل الخير، لكنني بسبب مرضي صرت أهمل الصلاة، وآخذ من الدواء لعلاج الوسواس ما يجعلني أنام طوال اليوم، وإيماني قل، واستمررت على ذلك لمدة سنتين.
رفضت الاستسلام للمرض، فعدت للصلاة في جماعة -وإن كنت أتهاون أحياناً- وأصبح كل همي أن أعود إلى ديني، وبعد المداومة على العلاج لمدة أربعة أشهر عرفت أن الدنيا زائلة، وأن الآخرة دار البقاء، ويجب علي العمل لها والسعي لنيل سعادتها عن طريق نيل الشهادة في سبيل الله، لأنني أخشى الفتن وارتكاب المعاصي لو استمرت حياتي، ولكن أهلي يحولون بيني وبين تحقيق أمنيتي في الشهادة.
سؤالي: بماذا تنصحونني؟ وما حكم النوم عن الصلاة بسبب أخذ الحبوب النفسية؟
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
الوسواس القهري مرض يؤدي إلى أحزان كبيرة في نفس المؤمن، خاصة إذا كان محتوى هذه الوساوس حول الدين، أو أدخلت الإنسان في مزاج اكتئابي، وأضعفتْ من قواه النفسية والجسدية؛ لأن يؤدي عباداته بالصورة الصحيحة.
الذي حدث لك هو في هذا النطاق، وكما تعرف -أيها الفاضل الكريم– الإيمان يزيد وينقص، يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي، وأنت -الحمد لله تعالى– أدركت حقيقة الحفاظ على صلاة الجماعة والالتزام بأمور دينك، وهذا أمر طيب وأمر جيد، وتناولك للعلاج أعتقد أنه الركيزة الأساسية، هو جوهر الأمر، والتحسن الذي طرأ عليك الآن بنسبة ثمانين بالمائة نعتبره تحسنًا كبيرًا.
-إن شَاء الله تعالى- سوف يأتي تحسن أكثر من ذلك، هذا هو التاريخ الطبيعي لمرض الوسواس وعلاجه، أي أن التحسن حين يبدأ ويصل لمرحلة جيدة، إذا استمر الإنسان في علاجه سوف يصل -إن شاء الله تعالى– إلى التعافي والشفاء من هذا المرض.
فأنا أنصحك نصيحة مهمة جدًّا أن تراجع طبيبك بانتظام، ولا بد أن أكون واضحًا معك أن نوعية هذا الوسواس يحتاج إلى علاج دوائي، لمدة لا تقل عن ثلاثة سنوات، وبجانب العلاج الدوائي الأفكار التي تراها حادة ودخيلة عليك، ولا تخضع للمنطق الصحيح، هذه نعتبرها في طيف الوسواس، لذا يجب أن تحقرها، لا تعطيها اعتبارًا أبدًا.
وبالنسبة لموضوع تخوفك من الذنوب، وأنت تتمنى أن تموت شهيدًا، وبالرغم من ذلك تأتيك هذه التخوفات من أنك مقصّر في أمور العبادة: أقول لك -أيها الفاضل الكريم– الإنسان يستطيع أن يدير حياته، لكن لا يستطيع أن يدير أمر موته، هذه هي القاعدة التي يجب أن تنطلق من خلالها.
بعض الناس تجرهم الوساوس إلى تفكير فيه شيء من الحدة واللاواقعية، وأنا لا أقول لك أن طلب الشهادة ليس أمر واقعي وأمر محمود، لكن ليس بهذه الطريقة التي ذكرتها وعرضتها، أنت ما دامت لديك وساوس فاسأل الله -تعالى- أن تعيش حياة هنية وأن تموت مِيتة سويّة، ليس أكثر من ذلك، الوساوس قد تجرك للبحث عن الشهادة دون الإدراك الحقيقي لمعناها، أو ربما ينتهج الإنسان سبل خاطئة جدًّا، ويعتقد أن هذا هو الطريق السهل الصحيح.
أنا أقول لك بكل شجاعة: فكّر في هذا الأمر بهذا المحتوى الذي ذكرته لك، وهو أنك تستطيع أن تدير حياتك، لكن أمر الموت لا تستطيع أن تديره، واسأل الله لنفسك حياة طيبة هنية وميتة سوية.
لا تخرج عن هذا النطاق أبدًا، هذا -إن شاء الله تعالى– يزيل عنك الخوف، ويزيل عنك هذه التوترات التي تعاني منها، دائمًا الوسواس يكون مرتبطًا بشيء من المخاوف، إذًا ما يأتيك الآن من هواجس، هو جزء من العلة التي تعاني منها، لكنها -الحمد لله تعالى– الآن هي ذاهبة نحو التلاشي.
و-إن شاء الله تعالى- بالمزيد من التحسن سوف تستقر أمورك تمامًا، سوف يستقيم فكرك تمامًا، وأنا متفائل جدًّا -أيها الفاضل الكريم– فقط أذكرك: الاستمرار على العلاج الدوائي مهم جدًّا، وما جعل الله من داء إلا جعل له دواء، فتداووا عباد الله، علمه من علمه وجهله من جهله –أو كما قال صلى اللهُ عليه وسلم-.
يسعدني جدًّا أن أحول استشارتك لأحد الأخوة المشايخ ليفيدك حول الحكم فيما تود أن تعرفه عن الصلاة، والتأخر عنها بسبب الحبوب النفسية، وبهذه المناسبة أقول لك أن هذا الأمر يجب أن تذكره لطبيبك، توجد الآن أدوية ممتازة جدًّا تعالج الوساوس ولا تسبب زيادة في النوم. أنا لديَّ مئات المرضى الذين هم على شاكلة حالتك هذه، ونعطيهم -الحمد لله تعالى– أدوية ممتازة سليمة فاعلة، ولا تؤدي إلى نومهم العميق، خاصة النوم الذي يمنعهم من القيام إلى الصلاة.
الحلول موجودة، و-إن شاء الله تعالى- سوف تتحسن وتصل إلى درجة التعافي -بإذنِ الله-.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا.
-----------------------------------------------------------------------
انتهت إجابة: د. محمد عبدالعليم - استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان-،
ويليها إجابة: الشيخ/ أحمد الفودعي - مستشار الشؤون الأسرية والتربوية-.
-----------------------------------------------------------------------
مرحبًا بك -أيها الأخ الحبيب– في استشارات إسلام ويب، ونسأل الله لكم الشفاء والعافية مما تعانيه.
نحن نبشرك -أيها الحبيب– أولاً: إن احتسبت وصبرت على ما أنت فيه من البلاء، نبشرك بثواب الله -تعالى- الذي أعده للصابرين، فإنه ما من مصيبة تنزل بهذا الإنسان فيحتسبها إلا آجره الله -عز وجل- عليها، كما ورد بذلك النصوص الكثيرة (حتى الشوكة يُشاكها إلا كفَّر الله بها من خطاياه) كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-.
فلا ينبغي أن تحزن كثيرًا، لما يصيبك من الداء أو المرض أو الهم والقلق، واعلم أن هذا تكفيرًا لذنوبك ورفعة لدرجاتك، فاصبر واحتسب وخذ بالأسباب المتاحة المباحة التي جعلها الله -عز وجل- سببًا لدفع ما أصابك، ومن ذلك ما أرشدك إليه الدكتور محمد –جزاه الله خيرًا– من التداوي والصبر على الدواء الحسي والمعنوي، وذلك بأن تمتثل نصيحة النبي -صلى الله عليه وسلم– بالإعراض عن الوساوس، وعدم الاشتغال بها، وأن لا تعرها اهتمامًا، وهي كذلك من نصائح النفسيين كما أرشدك الدكتور محمد.
فالنبي -صلى الله عليه وسلم– يقول: (من أُصيب بشيء من الوسوسة فليستعذ بالله، ولينتهِ) فاستعذ بالله والجأ إليه، واحتمي به، وأكثر من ذكره في الصباح والمساء، وفي كل أحيانك، وأكثر من دعائه أن يلطف بك، وأن يُذهب عنك ما تعاني، وستجد ربك برًّا رحيمًا، لن يُضيعك ولن يُخيِّبك.
أقلع عن هذه الوساوس بأن تصرف نفسك عنها إذا طرأت عليك، فلا تلتفت إليها، ولا تعبأ بها، لا تسترسل معها، ونحن على ثقة من أنك إذا داومت على سلوك هذا الطريق بالتداوي -بشقيه الحسي والمعنوي– فإنك ستُشفى عن قريب -بإذنِ الله تعالى-.
أما ما سألت عنه بخصوص الذهاب للجهاد ونيل الشهادة، فإن الجهاد لم يتعين عليك، وما دام أبواكَ لا يأذنان لك بذلك فإنا ننصحك بأن تنزل عند رأيهما، واعلم أن في ذلك خير كثير لك -بإذنِ الله تعالى-.
أما عن الصلاة فإنك إذا نمت تحت تأثير الدواء حتى خرج الوقت، لا إثم عليك في ذلك، والنبي -صلى الله عليه وسلم– يقول: (من نام عن صلاة ونسيها فلْيُصلِّها إن ذكرها)، فإذا استيقظت فصل الصلاة عند استيقاظك، والأفضل أن تبادر لأدائها بعد الاستيقاظ.
هذا لا يعني أن تُهمل الأخذ بالأسباب التي تنبهك للصلاة في وقتها، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم– في حديثه المشهور الذي رواه مسلم وغيره، أمر بلالاً أن يحرس لهم الوقت لما ناموا، وهذا يدل على أنه ينبغي للمسلم أن يأخذ بأسباب الاستيقاظ قبل أن ينام.
فحاول أن تجتهد في الأخذ بأسباب الاستيقاظ، ومن ذلك أن تطلب من أهلك إيقاظك للصلاة، لكن على كل حال إذا خرج الوقت وأنت نائم فلا إثم عليك، لأن النائم مرفوع عنه القلم كما قال -صلى الله عليه وسلم-: (رُفع القلم عن ثلاثة) منهم (وعن النائم حتى يستيقظ).
نسأل الله -تعالى- بأسمائه وصفاته أن يأخذ بيدك إلى كل خير، وأن يتولى إعانتك وتيسير أمورك، وأن يعجل لك بالشفاء.
والله الموفق.