ما جدوى أعمالنا إذا كانت مصائرنا قد حددت لجنَّة أو نار؟
2014-02-24 01:30:02 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم
عندي سؤال يحيرني، وأحس بضعف إيماني عندما أفكر به، وهو في الحديث المتفق عليه الذي رواه ابن مسعود رضي الله عنه، قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق: (إن أحدكم يُجمَع خلقه في بطن أمه في أربعين يوماً ، ثم يكون علقة مثل ذلك ، ثم يكون مضغة مثل ذلك ، ثم يرسل الله إليه الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع، يكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد؛ فو الله الذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع ثم يسبق عليه الكتاب فيختم له بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع ثم يسبق عليه الكتاب فيختم له بعمل أهل الجنة فيدخلها).
أريد تفسير هذا الحديث، لأنه إذا كان مصيرنا مكتوبا عند الله لجنة أو نار فلماذا نعاقب، وقد كتب علينا وقدر لنا ذلك، ما فائدة العمل الصالح إذا كان مكتوبا لنا أن نكون من أهل النار؟
هذا الحديث جعلني أفكر أنه علي أن أعيش حياتي كما أريد، فإذا كان مقدرا لي أن أكون من أهل الجنة فسيهديني الله قبل الموت، ومهما عملت من خير فسيضلني الله قبل الموت إذا قدر لي النار!
اللهم إنا نعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ونسألك يا رب حسن الخاتمة، وأن نموت شهداء، اللهم اغفر لنا وارحمنا واهدنا يا رب العالمين.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ الباحثة عن رضا الله حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
إنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع.
بخصوص ما ورد برسالتك -أختي الكريمة الفاضلة- فإن هذا الذي تذكرينه ليس بجديد، وهذه الشبهة التي في نفسك وجّهها الصحابة للنبي المصطفى محمد -صلى الله عليه وسلم- وهو بينهم، عندما قالوا: (إذا كان كل شيء قد سبق ومضى به القلم وانتهى فلمَ العمل يا رسول الله؟) لماذا نعمل الآن الصالحات والأعمال الطيبة بما أن الله قد قدَّر على الإنسان أن يكون من أهل الجنة وقدَّر على الآخر أن يكون من أهل النار؟ فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (اعملوا فكلٌ ميسَّر لما خلق له) ما معنى هذا الكلام؟
معنى هذا الكلام أن أهل الطاعة الذين قدر الله لهم الجنة ستجدينهم يعملون أعمال أهل الجنة، وهؤلاء الذين لم يشأ الله تبارك وتعالى لهم أن يكونوا كذلك ستجدينهم يفعلون أفعالاً يتعذر معها أن يحكم أي إنسان عاقل بأن هؤلاء من أهل الجنة أو أنهم من الصالحين.
لكن دعيني أذهب بعيدًا عن هذه المسألة قليلاً، فالله تبارك وتعالى عندما خلق آدم - عليه السلام – مسح على صُلبه (ظهره) وأخرج من ظهره ذريته إلى يوم القيامة، وترك هذه الذرية على حريتها بدون أي تكليف شرعي، فترك هذه الأرواح تسبح وتركها تهيم وتتحرك، فكانت هناك أنفس تميل إلى الخير مطلقًا، وهناك أنفس تميل إلى الشر مطلقًا، وهناك أنفس تخلط ما بين الخير والشر، هناك أنفس تقبل النصيحة والوعظ، وهناك أنفس معرضة تمام الإعراض.
هذا الذي علمه الله تبارك وتعالى من هذه الأنفس هو الذي كتبه الله تبارك وتعالى في اللوح المحفوظ، وكتابته في اللوح المحفوظ نحن لا نعلمها، ولا نطلع عليها، فأنا لا أدري ماذا كتب الله لي، ولا أدري على أي عمل سوف أموت، وأنت كذلك أيضًا لا تدرين ماذا كتب الله لك، ولا تدرين على أي عمل من الأعمال سوف تلقين الله تبارك وتعالى، ما المطلوب من العبد؟
الله تبارك وتعالى لو كان قد ألزمنا بما في اللوح المحفوظ من كتاب ما كان هناك داعيا لإرسال الرسل وإنزال الكتب، إذًا إرسال الرسل وإنزال الكتب ليُبيِّن لنا أن المطلوب من الإنسان أن يلتزم بما في الكتب وأن يُطيع الرسل.
أما قضية الذي كتبه الله تبارك وتعالى فأنا لا أعلمه حتى أحتج به على الله سبحانه وتعالى، لأن هذا الذي ذكرته -أختي الكريمة- يسمى (الاحتجاج بالقدر) أنت لا تعرفين ماذا كتب الله لك، السارق قبل أن يسرق هل يستطيع أن يقول إن الله كتب عليَّ أن أسرق؟! الكذاب قبل أن يكذب هل يستطيع أن يقول إن الله كتب عليَّ أن أكذب؟ لا يستطيع، لأنه لا يعلم، ولكن هل السارق مخالف لشرع الله أم لا؟ قطعًا مخالف، ولذلك عندما يعاقب يعاقب لأنه خالف أوامر الله التي حرمت السرقة، ولكن لا يعاقب لأنه كتب عليه، لأن الأمر في منتهى البساطة لو سأله هل أنا أمرتك بالسرقة؟ سيقول: لا، ما الذي أمرتك به؟ أمرتني بحرمة مال المسلم وعدم جواز الاعتداء على حق الآخرين.
إذًا -أختي الكريمة- الله تبارك وتعالى لا يحاسب الناس على ما في اللوح المحفوظ أو ما جرى به القلم، وإنما يحاسب الناس على طاعتهم لأوامر الله تعالى أو معصيتهم له، فالذي أطاع كما قال الله تبارك وتعالى: {فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكًا}. إذًا لا يجوز لنا أن نحتجَّ بالقدر، لأن هذا الكلام قدر رد الله تبارك وتعالى عليه قديمًا، والنبي -عليه الصلاة والسلام- رده أيضًا ولم يقبله كعذر، وثانيًا: أنه لا يوجد أحد من الخلق جميعًا يعلم ماذا كتب الله له أو عليه، وإنما نحن أمامنا قرآن يطالب بأن نلتزم بأوامره ونواهيه، أمامنا نبيٌ مطالبون بأن نلتزم بأوامره ونواهيه.
الله تبارك وتعالى رتب الجنة والنار على الذي يفعله الإنسان، ولذلك قال: {فمن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرًّا يره} وكما ذكرت آنفًا أيضًا: {فمن اتبع هدايَ فلا يضل ولا يشقى} لم يقل: من اتبع اللوح المحفوظ؛ لأنه لا أحد يعلم اللوح المحفوظ، والهدى هنا عبارة عن كلام الله وكلام النبي -عليه الصلاة والسلام- {ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكًا} والذكر أيضًا هو كلام الله وكلام النبي -عليه الصلاة والسلام- .
إذًا لا يجوز لنا -أختي الكريمة- أن نحتجَّ بالقدر، لأن النبي نفى ذلك -عليه الصلاة والسلام- وأثبت بطلانه، والقرآن الكريم كذلك، وإنما المطلوب منا ومنك أن نطيع الله وأن نلتزم أوامره وننتهي عن نواهيه، وعسى الله أن يهدينا إلى سواء السبيل.
هذا وبالله التوفيق.