أشعر أن مصائب الدنيا تحيط بي من كل جانب، فكيف الخلاص؟!
2014-12-03 04:54:08 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أريد استشارة الشيخ الفاضل/ موافي عزاب، وأشكره جزيل الشكر لما يقدمه، وأسأل الله العظيم الكريم أن يجعله في ميزان حسناته، والله، إني أدعو له في كل صلاة.
أريد أن أبوح لك ببعض الأمور التي جعلتني أفقد متعتي في الحياة، إنها رسالة طويلة، ولكن أرجو أن يتسع قلبك لسماعها، لا أدري كيف أصف مشكلتي أو أكتبها أو أصيغها؟ لقد تعبت جداً من مشاكل الحياة، رغم صغر سني الـذي يبلغ 18 عامًا، إلا أني أشعر بالكثير من اليأس والانكسار! لقد أغلقت الدنيا أبوابها في وجه حياتي، أشعر أن الله قال لي: اذهب، لا راحة بالٍ لك في الدنيا ولا في الآخرة، أشعر أنه وضعني في قائمة المغضوب عليهم إلى يوم الدين!
لا أدري لماذا؟! لا أدري ما يحصل لي؟! ضاقت بي الدنيا، ولم أعُد أرى ما يسرني، الناس من حولي يلهون، والهموم تحاصرني من كل مكان وفي كل حين! والألم يسكن قلبي ووجداني، وسمائي تتلبد بالغيوم، وتكشف لي الدنيا عن وجهها الآخر؛ لتسقيني من كأس الشقاء والتعاسة! أعيش في دوامة من المشاكل والتناقضات التي لا أرى لها نهاية، ولا أعرف منها خلاصًا، يسكنني إحساس كبير بالفشل، إحساس بالمرارة، إحساس بالانكسار.
أُغلقتْ في وجهي كل الأبواب، ولا أدري لماذا كل هذا العذاب؟! شيء ما غريب جدًا يعكر صفو حياتي هذه الفترة، فقد فقدتُ شهيتي للحياة، أصبحت حسّاسا بشكل مفرط، أفكر كثيرًا، لا أنام، لا آكل، لا شيء يسعدني أبدًا، وكأنني لوحة فقدتْ ألوانها؛ والسبب غياب الرسام.
بدأت أفقد تركيزي في الحياة، لم أعُد أهتم لما يدور حولي! أحاول الصمود بطرق متعددة، كل يوم وكلما أتى الليل يبدأ اليأس يتغلغل في أعماقي! أحيانًا أبكي ولا أدري ما القصة غير أني تعبت من كل شيء! أنا فعلًا النجار الذي بابه مخلوع!
أهلي لا يهتمون بأمري، لديّ ضغوطات كثيرة، أشعر بالوحدة، مقفول في وجهي باب الرزق منذ سنين! أحب فتاة قلبها طيب جداً، لكني لم أعد أشعر بمتعة الحياة، مشاكلي وضغوطي كثيرة جداً جداً، أشعر أن الله لا يحبني، وجعلني فعلًا من المغضوب عليهم؛ فأنا غير موفق في أي شيء! أحاول أن أقنع نفسي أنها مجرد ابتلاءات من الله، لكنها تزداد، إنها تكاد أن تقتلني، إنها دمرتني نفسياً ومعنوياً ومادياً، لا مستقبل لدي!
تركت الدراسة؛ بسبب أبي الذي هدم أحلامي، لا أتأقلم مع أي عمل أدخله؛ لأنهم كلهم منافقون، ويهمهم الصعود على أكتاف الآخرين، ربما مللتَ وأنت تقرأ رسالتي، أعتذر لك، لكن ما أقوله لك، هو يعبّر عن كل معاناتي، إنها كبيرة، إنها كثيرة، إنها معقدة، لا حل لها، تضرعت إلى الله، طلبت، بكيت، شكوت، بلا فائدة، ألم أقل لك: إن الله قد جلعني في قائمة المغضوب عليهم؟! لا أريد الانتحار؛ لأني أعلم أنه ليس حلًا لمشاكلي، لكن ضغوط الحياة أتعبتني كثيرًا وبشكل جنوني وكبير!
أتساءل: هل الله يكرهني إلى هذا الحد؛ ليعذبني كل هذا العذاب؟ حتى أني لم أسلم من الأمراض الجسدية رغم أن عمري 18 عامًا، رأيت كثيرًا في حياتي: كُسرت يدي، كسرت رجلي، وقعت على رأسي بشكل قوي، فأصابني التهاب شديد في سرّتي، كُسر حوضي، كُسرت أصابعي، كُسر أنفي، ثُقبت طبلة أذني، وظهري يؤلمني بشكل قوي جداً.
ربما تقول لي: إنها ابتلاءات من الله، لكن من لديه طاقة تحْمِل ما حصل لي؟! أنا ليست لدي طاقة تَحَمُّل كالأنبياء، ولا أعصي الله، ولا أكفر، ولا أعمل أي شيء يغضبه!
أنقذوني من العذاب الذي أعاني منه، أرشدوني، جزاكم الله خيرًا، وأريد منكم الجواب الشامل الكامل، والسلام عليكم، ودمتم ناصحين مرشدين.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أبو إسراء حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
يسرنا أن نرحب بك –مرة أخرى- في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله -جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى- أن يصرف عنك كل سوء، وأن يعافيك من كل بلاء، وأن يُسعدك في الدنيا والآخرة، وأن يُبدِّل حالك إلى أحسن حال، وأن يرزقك الرضا بقضائه وقدره، إنه جواد كريم.
بخصوص ما ورد برسالتك -ابني الكريم الفاضل –، أرى أنك سبب مشاكل نفسك؛ لأنك حبست نفسك في دائرة مغلقة جدًّا، وهذه الدائرة هي التي أدت بك إلى هذا الضيق وإلى هذا النفور، وإلى أن تتكلم كلامًا لا معنى له، ويُخشى عليك منه، إذ أنك تقول: (تشعر بأن الله -تعالى- قدر لك ألا يستريح بالك في الدنيا ولا في الآخرة، وأنه قد وضعك في قائمة المغضوب عليهم إلى يوم الدين) وهذا كله كلام هُراء، ولا أساس له من الصحة؛ لأنك تتكلم عن مسائل غيبية لا يعلمها إلا الله -سبحانه وتعالى جل جلاله-، وأنت بذلك كأنك تتدخل في خصوصيات الملِك -تبارك وتعالى- الذي قال: {قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله}.
ليس معنى أن الإنسان يتعرض لبعض الابتلاءات أو الامتحانات أو الاختبارات أن الله قد غضب عليه، وأن الله قد وضعه في قائمة المغضوب عليهم، هذا ليس صحيحًا، بل الصحيح أنك قد سجنت نفسك في داخل هذه الأوهام التي تعيشها، وحاصرت نفسك بهذه الأفكار السلبية التي ستقضي على حياتك، ولم تسلك مسلكًا إيجابيًا واحدًا من خلال رسالتك –ولدي أبا إسراء-.
أنا أرى أنك أدخلت نفسك في سجن، وأغلقت على نفسك بقوة، وتقول: (أنقذوني، أخرجوني)، وهذا -مما لا شك فيه- ليس صحيحًا؛ لأن الله -تبارك وتعالى- قال: {إن الله لا يُغيِّر ما بقومٍ حتى يُغيروا ما بأنفسهم}؛ لذلك واجب عليك: أولاً: أن تترك هذه الأفكار السلبية كلها وراء ظهرك؛ لأن تفكيرك السلبي سيؤدي إلى نتيجة سلبية، ويؤدي إلى هزيمة نفسية أكثر من الهزيمة التي تُعاني منها، ويؤدي إلى إحباط ويأس وقنوط، ويؤدي إلى أن تظل دائمًا على هامش الحياة وأنت ساخط على الكل وناقم من الكل، ولن تستريح، وستظل جمرة الغضب واليأس والقنوط تعمل في صدرك حتى تأكل بدنك كله وتُدمِّر نفسيتك كلها، ولن يبقى لك في الدنيا أي أمل لتعيش حياة كريمة.
لذلك عليك أن تنهض من هذا الكلام كله، وأن تُغيِّر هذا الواقع، إذا كنت بحثت في دائرة فليست الدنيا هي الدائرة، الدنيا واسعة، والآمال عظيمة، ولماذا أنت صاحب هذا الهمّ كله والناس من حولك يعيشون حياة طبيعية؟! مما لا شك فيه أن الناس لديهم مشاكل لا يعلم بها إلا الله لم يحكوها لك، وإذا كنت أنت تعاني من بعض الأشياء التي ذكرتها في آخر رسالتك، فهناك من يعاني أضعاف أضعاف ما تعاني أنت، وإن سألته لقال لك بقلبٍ مسرورٍ ولسانٍ مطمئنٍ: الحمد لله.
أنت ناقم على نفسك، وناقم على قضاء ربك، وناقم على المجتمع من حولك، وناقم على أسرتك، وهذه هي سبب المشكلة، أساس المشكلة أنها نفسية قبل أن تكون عضوية؛ لأنك سجنت نفسك في داخل هذه الأوهام -يا ولدي–، وتتعامل من خلالها، وهذا سيؤدي –كما ذكرت لك– إلى مزيد من الأسى والحزن.
اخرج من بيئتك التي أنت فيها، حاول أن ترحل إلى مكان آخر، حاول أن تتعرف على صحبة جديدة –بارك الله فيك–، حاول أن تمشي في أرض الله -تبارك وتعالى-، حاول أن تُجرِّب الأدوية القرآنية الربَّانية، ذكر الله -تبارك وتعالى-، الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- بكثرة، كثرة الاستغفار، سترى أن هناك عالمًا آخر، قراءة القرآن بانتظام، كل يوم ورد من القرآن، المحافظة على أذكار الصباح وأذكار والمساء، الخروج لسوق العمل بأي عمل يوافقك ما دمت قادرًا على أن تقوم به، حتى وإن كان دخله قليلاً.
ابحث عن صحبة صالحة، ابحث عن الأخيار من عباد الله لتعيش معهم، ستستمتع متعة عظيمة جدًّا بالتواجد في داخل البيئة الطيبة التي يملؤها الإيمان، ويملؤها الأمن، وحسن الظن بالله، وثقة في موعود الله -تعالى-، رجالٌ لا تُثنيهم أبدًا هذه الظروف الصعبة عن العزائم القوية التي استنبطوها من كلام الله -تبارك وتعالى-، وعن نظرتهم المشرقة للمستقبل أنه سيكون أفضل من الماضي.
اطلب من والديك الدعاء لك، اخرج من هذا السجن الذي أدخلت نفسك فيه، وأبشر بفرج من الله قريب، هذا وبالله التوفيق.