أعاني من ضعف الشخصية والعزلة، ولا أجد طعما للحياة
2015-01-26 01:35:34 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا فتى في السادسة عشرة من عمري، أعاني من ضعف الشخصية، وهزال في البنية، ومن الانطوائية والانعزال، إضافة إلى مشاكل النطق، كالتأتأة، والصعوبة حينما أنطق حرفًا ما.
كل هذه المشاكل جعلت حياتي سوداء قاتمة، وعصرتْني الكآبة، وقبضني الهمّ والغم، وزادت من عصبيتي وهيجاني، فأصبحت أغضب لأتفه الأسباب.
صرت واعيًا بمشكلتي، فأصبحت أقضي أوقاتي في قراءة كتب التنمية البشرية، التي –للأسف- تمدّني بأمل وحماس لحظيّ، سرعان ما ينطفئ، كثيرًا ما أضيّع وقتي في الإنترنت، وأقرأ عن المقالات التي تتحدث عن الأمل وعدم اليأس من الحياة، دون أن يُضاف شيء جديد في حياتي.
كنت أحلم أن أصبح أستاذًا للفنون القتالية وكاتبًا مرموقًا، وأساعد أمتي لترتقي نحو طريق المجد، لكنني عند ما أبدأ في تحقيق الهدف، تُنغّص عليّ مشاكل الحياة ما بدأت به، وأتوقف أيامًا، فأنا غارق في الظلمات، بالطبع ستقولون لي: عدْ إلى طريق الله، وحافظ على صلاتك في المسجد، وقراءة القرآن. نعم، لكنني عانيت صراعًا ضد الشيطان.
كنت أمارس العادة السرية، فتوقفت عنها، لكنني في بعض الأحيان أعود إليها، فأطلب من ربي أن يصفح عني، ويتوب عليّ. حاولت الصيام؛ لأخفّف من حدة الشهوة ، فمُنعت من جهة أهلي؛ بحجة أنني ضعيف البنية، وأحتاج إلى التغذية، واستشهدوا بظهور طفح جلدي في ظهري يشبه آثار السوط، فلما زرت الطبيب أخبرني بأنه نقص في التغذية، وأعطاني مرهمًا، فداومت عليه لمدة شهرين دون تحسن يذكر.
خطر في بالي هاجس يخبرني أن أتزوج مبكرًا؛ لأقي نفسي فتن الزمان؛ لكوني أعيش في مدينة سياحية، لكن سرعان ما استبعدته؛ بحجة أنني ما زال لديّ الكثير والكثير من الأهداف التي يجب أن أحققها، ويأتي الزواج في آخر المطاف، حتى لو كان بمقدرتي، سأقابَل بالرفض من طرف والدي الذي يتسم بالشخصية المنطقية والسلطوية والنرجسية.
أصبحت مؤخرًا عديم الإحساس وعديم المسؤولية، وأعاني من برود الشخصية، فمثلًا: إذا قررت في الغد أن أستيقظ مبكرًا وأمارس تمريناتي الرياضية تحت تأثير طاقة من الحماس والنشاط، لكن عند ما أبدأ في التنفيذ أحس بالخمول والكسل، وأتعب بسرعة بعد أقل مجهود، فأثّر هذا على حياتي؛ فتدنى مستواي الدراسي.
حاولت أن أعثر على أصدقاء صالحين، لكن بدون جدوى، أفضّل الوحدة على مصاحبة هؤلاء الذين لا همّ لهم سوى ملاحقة الفتيات، فحاولت أن أجد بينهم شخصًا جادًا؛ لكي يساعد بعضنا بعضًا في الدراسة وفي الأمور الأخرى، وللأسف لم أعثر، فالفتيات هن الجادات في حياتهن وأمورهن، وأنا رفضت أن أختلط معهن؛ خوفًا من أغضب ربي.
أرجو منكم أن تشيروا عليّ بالفعل الصائب؛ حتى أنجو من هذه المحنة -بفضل الله-، كما أتمنى أن تردوا عليّ سريعًا.
جزاكم الله خيرًا.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ زياد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك، وكم يُسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله -جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى- أن يُبارك فيك، وأن يُكثّر من أمثالك، وأن يثبتك على الحق، وأن يعينك على تحقيق هذه الأمنيات وإنجاز هذه الرغبات، وأن يجعلك من سعداء الدنيا والآخرة، إنه جواد كريم.
وبخصوص ما ورد برسالتك –ابني الكريم الفاضل زياد–، فأحب أن أخبرك بأني مُعجبٌ جدًّا بطرحك، ومُعجب بك جدًّا بعرض مشكلتك عرضًا وافيًا ورائقًا ورائعًا ومُرتَّبًا، وهذا إن دلَّ على شيء فإنما يدلُّ على أنك تتمتع بمهارات رائعة ينبغي عليك أن تُحسن استغلالها بدلاً من أن تبكي على ليلى؛ لأني أرى أن في طرحك وترتيبك لأفكارك وتنظيمك للمشكلة؛ أن هذه الشخصية ليست عادية، وأن الذي تشكو منه في الغالب هذا نوع من الوهم، ولعله من كيد الشيطان الذي لا يُريدك أن تشعر بقيمة ما أعطاك الله -تبارك وتعالى- من نعم وفضل، وما مَنَّ به عليك من تميُّز.
أنت شاب متميِّزٌ فعلاً، ورائعٌ حقًّا، وينبغي عليك أن تنظر إلى نفسك من هذا المنظار، فأنت لست ضعيف الشخصية كما تقول، وأنت لست أيضًا منطويًا كما تدّعي، فهذه أشياء أتصور أنها حتى وإن وُجدت إلا أنها لا تؤثر على شخصيتك، فأنت استطعت أن تُحقق إنجازات رائعة، أقل هذه الإنجازات حُسن العرض والطرح، وأعتقد أن مثلك –بإذن الله تعالى– مشروع عالِمٍ كبير، سيكون له دور -بإذن الله تعالى- في رفع راية الإسلام، وأخذ الأمة لطريق المجد كما تتمنى.
أتمنى أن تقوم بتجزئة المشكلة إلى أجزاء، فإن المشكلة بسيطة، إلا أنك وضعتها كومة واحدة؛ مما جعلك تنظر إليها كما لو كانت جبلاً من الجبال العملاقة.
فيما يتعلق بمشكلة النطق: أتمنى أن تقوم بتدريب نفسك بعيدًا عن الناس، إذا كنت وحدك في الغربة فمن الممكن أن تأخذ قطعة من قطع اللغة العربية، قصة أو غير ذلك، من أي كتاب، وأن تحاول أن تقرأ، وأن تقرأ بصوتٍ مسموع، وأن تحاول أن تصوِّب لنفسك، لا مانع أن تُسجِّل صوتك وأنت تقرأ أي قطعة من اللغة العربية بصوتٍ مرتفع، ثم تسمع نفسك، وتحاول أن تُقيِّم نفسك.
فأنا أعتقد أن هذا التدريب سوف يُغيِّر فعلاً حقيقة من هذه المشكلة تمامًا؛ لأنك ستشعر بتحسُّنٍ بيِّنٍ وواضحٍ ما دمت تحافظ يوميًا على أن تُطبق هذه التجربة ولو على فترات، لا مانع أن تكون نصف ساعة صباحًا وظهرًا ومساءً، أي وقت لديك فيه فرصة تحاول أن تستغلها في القضاء على هذه المشكلة الأولى التي مما لا شك فيه تلعب دورًا في تواصلك الاجتماعي.
إذا ما وفقك الله وانطلقت من هذا القيد، فإنك ستشعر فعلاً بقدرتك على إنجاز كل هذه المشاريع التي تكلمت عنها -بإذن الله جل وعلا-وأنا واثق أنك تستطيع ذلك بسهولة.
حافظ على طاعتك لله -تبارك وتعالى- كما ذكرت، فهذا لا بد منه؛ لأنك تعلم أن الله -تبارك وتعالى-، هو القوي المتين، والذي بيده القوة، وهو الذي يُعز من يشاء، ويُذل من يشاء، ويرفع من يشاء، ويخفض من يشاء، فلا بد أن تكون علاقتك بالله حسنة، وحسن العلاقة يكون بالمحافظة على الطاعة والبُعد عن المعصية، وأنا ألحظ أنك جاد وحريص على البعد عن المعاصي، وهذا شيء جميل ورائع، وهذا يُبشر بخير، -وبإذن الله تعالى- ستغرس عفي نفسيتك آثارًا طيبة -بإذن الله تعالى-.
واصل قراءة كتب التنمية، ولكن حقيقة لا تقرأ أكثر مما تعمل، بمعنى أنك تقرأ كتابًا تحاول أن تُطبق ما فيه، أما أن تقرأ كمًّا كبيرًا من المعلومات دون أن تُطبق منها شيئًا، وستُصاب بهذه الحالة التي أنت فيها الآن.
فأنا أنصحك –بارك الله فيك– أن تقرأ كتابًا مُبسَّطًا يتناسب مع ظروفك، وخذ أسهل الكتب التي تستطيع أن تُطبق ما فيها، وابدأ به؛ لأنك بذلك ستستطيع أن تحرز إنجازًا في هذا الميدان؛ وبالتالي سوف تُعيد لنفسك الثقة، وتشعر بالقوة، وتشعر بالانتصار، وتشعر فعلاً بالرغبة في مواصلة التميز العلمي والشرعي والتقني، وحاول أن تركز على مذاكرتك أيضًا، لأننا في حاجة للشهادات الدنيوية التي بها تدخل إلى ميدان الحياة.
هذا، وبالله التوفيق.