كيف أرد على من يقول بأن الحقائق العلمية التي ذكرها القرآن محض مصادفات؟
2015-11-24 00:36:31 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم
أنا شاب بعمر 19 عاماً, منذ وقت قصير لم أكن ملماً بعديد من الأمور في الإسلام، وكنت أرتكب بعض المعاصي, مع هذا كنت أصلي وأقرأ القرآن أحياناً وأحفظ منه.
الحمد لله، بمشيئته قررت أن أتوب إلى الله، وأتزود من المعرفة عن الإسلام والعبادة والعلم الشرعي، لأقوم بما يجب علي فعله كمسلم، وأكون مؤمناً صادقاً.
في أحد الأيام دخلت في حوار مع ملحد فسألني حول سبب إيماني، ودليل صدق الرسول صلى الله عليه وسلم, فأجبته بأن القرآن معجزة، وأنه لا أحد من البشر قادر على الإتيان بمثله، وحدثته بالآيات العظيمة فيه التي تتوافق مع العقل البشري والمنطق والفطرة، والتي نظمت المجتمع وأنقذته من الجاهلية، والتي تنبأت بالمستقبل وكشفت عن حقائق علمية لم تكتشف إلا في عصرنا هذا، رد علي بأن هذا ليس دليلاً قاطعاً، وأن هذه محض صدف ومغالطات، وأن فصاحة القرآن كان سببها فصاحة محمد صلى الله عليه وسلم.
بدا لي أن أذكّره بأن القرآن جاء بعديد الأخبار عن الأمم السابقة والأنبياء، وقصص وأحكام موجودة في التوراة والإنجيل، ومتوافقة بما ورد فيهما, فكيف لشخص أمي أن يكون عارفاً بكل هذا؟! فقال لي: إنه لا يوجد ما يثبت أن محمد صلى الله عليه وسلم كان أمياً أو أنه لم يكن يزور راهباً ليتعلم منه، أو أشياء لم نكن نعرفها.
لم أتأثر بما قاله لي، لكن بما أني لم أكن قدراً على إقناعه بحثت أكثر في هذه الأدلة فلم أجد دليلاً يرد على كثير من تساؤلاته.
كأن الشيطان وجد ثغرة ليوسوس ويثير في الشك، منذ ذلك الحين لم يطمئن قلبي وأصبح الشك يملأه، واليقين يهجره، وأصبحت أخاف أن أعبد الله وأنا على شك من الرسالة على أن يكون هذا نفاقاً.
أصبحت أشعر بفقدان صلتي مع ربي، وأشعر بأني عندما أقول إني أؤمن بالله ورسله واليوم الآخر أقولها ظاهراً لا باطناً، وأصبحت خائفاً، فأعينوني وأفيدوني، وأخبروني إن كنت جرحت إيماني، وما الذي عليّ القيام به؟
وشكراً.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبًا بك – أيهَا الولد الحبيب – في استشارات إسلام ويب، نشكر لك تواصلك معنا، كما نشكر لك حرصك على التعريف بدينك والدعوة إليه، ولكننا – أيها الحبيبُ – ندعوك إلى أن تتزود أولاً من تعلُّم دينك حتى تثبت قدمك وتكون من الراسخين فيه، ثم بعد أن تتمكن من العلم بكيفية رد الشبهات على من يُوردونها وإقامة الأدلة، حينها يمكنك أن تُناظر وتُجادل من يوردون شبهات حول الإسلام.
أما قبل ذلك فإننا ننصحك بالإعراض عن مجادلة هؤلاء الملحدين والمشركين، لا لأنهم يحملون الحق، ولكن لأنك لا تقدر على ردِّ الباطل الذي قد يُوردونه على قلبك، فتتضرر أنت أكثر ممَّا تنتفع، وذلك لأن الباطل إذا ورد على القلب ولم يجد من الحق ما يدفعه تمكَّن فيه، ولهذا كانت وصية علماء المسلمين قديمًا وحديثًا ألا يستمع الإنسان للشبهات والأباطيل ما دام لا يقدر على ردِّها ولم يتسلَّح بسلاح العلم الذي يُبطلها، ولم يتزود بالنور الذي يُبددها.
في مصنف عبد الرزاق عن معمر قال: كنتُ عند ابن طاووس وعنده ابنٌ له، إذ أتاه رجلٌ يُقال له (صالح) يتكلم في القدر، يعني يُوردُ شبهات في القدر، فتكلم بشيءٍ فتنبَّه، فأدخل ابنُ طاووس أصبعيه في أذنيه، وقال لابنه: أدخل أصابعك في أذنيك واشدد، فلا تسمع من قوله شيئًا، فإن القلب ضعيف.
قال الإمام الذهبي - رحمه الله تعالى -: كان أكثر أئمة السلف على هذا التحذير، يرون أن القلوب ضعيفة، والشُّبه خطَّافة، ويقول ابن مسعود – رضي الله تعالى عنه -: (إن أحدكم لن يزال بخيرٍ ما اتقى الله، وإذا شكَّ في نفسه شيءٌ سأل رجلاً فشفاه منه).
الخلاصة - أيهَا الحبيب - أننا ننصحك بأن تُعرض عن سماع هذه الشبهات، هذا أولاً، لأنه واضح من كلامك أنك لا تقدر على ردِّ هذه الشُّبه.
أما ما أورده عليك هذا المُورد فهو من الضعف بمكان لا يخفى، فكيف يُقال إنَّ محمدًا -صلى الله عليه وسلم- علم كل هذه العلوم بالصدفة؟ علم أخبار ما سيكون وسيقع في المستقبل فأخبر به، وعلم أخبار الأمم الماضية بتفاصيل لا يعلمها إلَّا علماء أهل الكتاب، وهو لم يرحل رحالات علمية، ولم يستطع أحدٌ من أعدائه الذين يكذبونه – سواء كانوا من اليهود أو النصارى أو مشركي العرب – لم يستطع أحد منهم أن يُثبت أنه تلقى علمًا عن أحدٍ من علماء الناس كائنًا من كان، ولو كانوا يقدرون إثبات ذلك لبادروا إليه، فهم أحوج ما يكونون إلى إثبات كذب محمَّد لو كان كذَّابًا، ولكنهم عجزوا عن ذلك كله، واختاروا أن يُجادلوه وأن يُحاربوه بالسيف، وقدَّموا أرواحهم ورضوا بأن تُضرب أعناقهم وتُسبى نساؤهم وتؤخذ أموالهم في معركتهم مع مُحمَّد، ولو كانت المعركة لا تحتاج إلى هذا كله وكان بإمكانهم أن يُثبتوا كذبه لبادروا إلى ذلك وأثبتوا أنه كذاب وتبعهم الناس.
هذه الشُّبه لا تنطلي على أحد لديه مبادئ العلوم ومعرفة أخبار النبي -صلى الله عليه وسلم- مع أعدائه.
ثم لماذا لم تحصل هذه الصُّدف لشخصٍ آخر غير محمَّد منذ أن بعث الله محمَّدًا -صلى الله عليه وسلم- إلى اليوم، لم يأتِ شخصٌ بما جاء به محمَّدٍ، وكتابٍ كالكتاب الذي جاء به مُحمَّد، وعلوم كالعلوم التي جاء بها محمَّد!
كيف قَبِلَتْ نفسك أنت أن تقبل بهذه الشبهة، هذا شيء في غاية الغرابة والعجب؟ وكيف للصدفة هذه أن تُصيب في كل مرة، وكيف للصدفة أن تزوّده بكل هذه العلوم وكل هذه المعارف؟ هذا لا يقوله إلَّا شخصٌ مُعاند.
أما أهل العقل والعلم قديمًا وحديثًا فإنهم كانوا إذا اطلعوا على ما جاء به محمَّد آمنوا بالله وأذعنوا وصدَّقوا بأن هذا الكتاب لا يأتِ إلَّا من عند الله الذي يعلم الغيب.
نحن نؤكد ثانية – أيها الحبيبُ – أنك إذا أردتَّ السلامة وأن تنأى بنفسك عن أسباب الهلاك والبوار، أن تنأى بنفسك عن هذه المجادلات التي لا تقدر أنت على ردِّها، لا لكونها حقًّا، لكن لضعفك، ولأنك لم تتعمق في العلم بعد.
نسأل الله تعالى لك التوفيق والسداد.