بعد الطلاق صرت تائهة ومهمومة ولا أدري أين الصواب
2017-01-01 02:01:30 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أكتب لكم بعدما عصفت بي الأيام والمشكلات، واستقر الحال بالطلاق الذي كسرني وهشم قلبي، موقنة برحمة الله وحكمته، لكنني أشعر بالحزن والألم، بذلت كل ما أستطيع لإنجاح زواجنا، ولكن قضاء الله جاء بخلاف ما تمنيت.
بدأت الحكاية منذ أربعة أعوام، خطبت ثم تزوجت منذ ثلاث سنوات، في السنة الأولى من زواجنا طلقني زوجي طلقة واحدة، وعدنا بعدها ولكن حياتنا ظلت غير مستقرة ولم تتحسن، بل كانت تنحدر نحو الأسوأ، وحملت بولدي والذي يبلغ من العمر سنة وأربعة أشهر، وبعدها طلقني مرة أخرى، في يوم 21/9/2016، بعد أسبوع من المشاحنات والمشاكل فضل علي -بنت حرام- حينما خيرته بيني وبينها!
أشعر بالألم والقهر بشكل شديد، منذ خطوبتنا وهو بعيد عني، قليل التواصل، ويتحجج بأن ذلك طبعه، وأنه قليل الكلام، ولا يعرف التعبير عن مشاعره، وحين تكشفت الأمور وجدت بأنه مبدع في رص العبارات وانتقاء الأشعار وما إلى ذلك.
شعرت وقتها بأنه خدعني وغدر بي، تعرف على العشرات، ثم بحث عني للزواج وهو لا يعرفني، تزوجني لأنه يثق بي، ويريد زوجة مصونة نظيفة شريفة، بسبب خبرتي القليلة لم أفهم لماذا كان يفعل ذلك كله، كل ما فهمته أن هناك خللا ما في الأمر.
دائما يشعرني بأنه قدم لي كل شيء حتى يسعدني، وأنني لست قنوعة، وأنا أشعر بذلك أيضا، فقد صبرت وقدمت له الكثير، وصبرت على العديد من المواقف التي وقعت بيننا حتى نتفق، ولم نتفق، والده ينصحني ويقول (لا تهدمي بيتك وأصلحيه)، وهو رافض، وأهلي يريدونني أن أتركه لله، فليس به خير، وأنا أشعر بأن موافقتي بالعودة له ضربا من الجنون رغم حبي له؛ لأنه الرجل الأول في حياتي، لكنني تعبت كثيرا معه، فهو مكار وبارع، ويجيد تصيد زلاتي وإظهاري بمظهر المذنبة وهو البريء.
رغم كل ما حدث لم أتأسف عليه، ولا على والديه، لأنهم لم يعرفوا قيمتي، وباعوني دون ثمن، رغم أنني ابنتهم لكن جهلهم مركب، حزينة على فقدان بيتي المستقل، ووفرة المال، وذوقه، وهداياه، وكذلك البلد المتحضر والمرتب، فقد تعرفت على مناطق عيشه واندمجت بها، حزني الكبير على ولدي الذي سيكبر دون أب، فقد كان يساعدني في تربيته، ويهتم بشأنه، وقد أخبرني أنه حين يكبر سيأخذه مني، أفكر بأنني سأتعب بتربيته لوحدي، وحين يكبر يأخذه والده، وقد لا يحسن تربيته.
أشعر بالحرقة، معه رأيت الدلال، ورفعني للأعلى ثم هوى بي في القاع، وفضل بنات الحرام علي، واعتبرني بلا قيمة في حياته، أصبحت أكره نفسي وأتسخط، وأخشى أن يعاقبني الله لأنني لم أصبر، ولم أرضَ بما حدث، لا قيمة لإيماني، فكنت أصلي، وأدعو الله، ملتزمة بقراءة القرآن، والحجاب، والصيام، والكثير من الأمور التي لا تقوم بها الفتيات في عمري، ومع ذلك لم أستطع الرضا والصبر.
صار كل شيء يزعجني، حتى أهلي، فهم طيبون إلى حد السذاجة، منذ البداية حينما أخبرتهم بالمشكلات صدقوه وخذلوني، واليوم يقولون (لا يهمك، المهم أن تعيشي مع أهلك بكرامة)، وبالمقابل يعيشون الحب، وإخواني وأخواتي كلهم يقولون ولا يهمك، ولديهم عائلاتهم ومبسوطين، كأن الأمر سهلا، وحينما تحدث مشكلة مع زوجته لا يهدأ حتى يرضيها ويستقر، إلا أنا لم أحصل على شيء قبل الطلاق ولا اليوم.
كنت أحسب أنني طيبة النية، لكن بعد الآن أشعر بالسوء نحو كل شيء حولي، وبعد كل أزمة أقول بأنها الأصعب، لكن الأصعب يأتي دون توقف.
وشكرا لكم.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ جمانة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -أختنا الكريمة- في الشبكة الإسلامية، وردا على استشارتك أقول:
إن كل ما يدور في هذا الكون يسير وفق قضاء الله وقدره، ولا يستطيع الإنسان أن يغيّر من ذلك شيئًا، يقول ربنا سبحانه وتعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}، وقال -عليه الصلاة والسلام-: (قدر الله مقادير الخلق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء)، ولما خلق الله القلم قال له اكتب، قال وما أكتب، قال: (اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة)، وقال -عليه الصلاة والسلام-: (كل شيء بقضاء وقدر حتى العجز والكيس)، والكيس الفطنة.
الجزاء يكون على قدر البلاء، فإن عظُمَ البلاء عَظُمَ الجزاء، والابتلاء عنوان محبة الله للعبد، يقول -عليه الصلاة والسلام-: (إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلاءِ، وإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلاهُمْ، فمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ)، فعليك أن ترضي بقضاء الله وقدره، وحذار أن تتسخطي، وإلا فالجزاء من جنس العمل.
أنت تتحسرين على ما فاتك من البيت المستقل والمال وغيره، ولكن كل ذلك في كفة، وعدم استقرارك النفسي في كفة أخرى، فكيف إن أضفنا لذلك خيانة زوجك، وإن من أعظم مقاصد الزواج السكن النفسي الذي لم تتحصلي عليه.
ظني بربك خيرا، فلعل الله صرف عنك هذا البلاء، وسينقلك إلى ما هو أفضل منه.
ما شرع الله الطلاق إلا لحكمة ورحمة بعباده، فلا تخافي لا على نفسك ولا على ولدك، وعليك أن تقومي بواجبك في تربية الولد، وكوني متوكلة على الله، فمن توكل على الله كفاه، ولا تفكري في مستقبل الولد، فذلك بيد الله وليس بيد أحد، فلعله حين يكبر ويخير يختارك أنت، ولعل الله يحدث بعد ذلك أمرا.
حذار أن تهزك هذه القضية رغم فداحتها، ومع إحساسي بعمق الحزن والأسى الذي أصابك، وعليك أن تجعلي هذه الصدمة مقربة لك إلى الله لا مبعدة عنه.
وثقي صلتك بالله تعالى، واجتهدي في تقوية إيمانك، وأكثري من الأعمال الصالحة توهب لك الحياة الطيبة كما وعدنا الله بذلك فقال: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.
تضرعي بالدعاء بين يدي الله وأنت ساجدة، فأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، وسلي الله أن يأجرك في مصيبتك، وأن يبدلك خيرا منها تنالي مطلبك، كما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أم سلمة حين مات أبو سلمة فقالت ذلك الدعاء، ثم قالت: (ومن خير من أبي سلمة)، قالت: (فأبدلني الله برسول الله -صلى الله عليه وسلم-).
كي تزول همومك ويجعل لك الله مخرجا من كل ضيق الزمي الاستغفار، وأكثري من الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-، ففي الحديث النبوي الشريف: (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا)، وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها (إذا تكف همك ويغفر ذنبك).
أكثري من تلاوة القرآن الكريم، وحافظي على أذكار اليوم والليلة يطمئن قلبك، قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}.
اشغلي أوقاتك بكل مفيد، ولا تجعلي الوقت يجلب لك الأسى والحزن، وأري الله من نفسك صبرا وتجلدا على أقداره، ولا تجعلي الناس يشمتون بك، وكوني واثقة أن رزقك سيأتيك -بإذن الله تعالى-.
احرصي أن يكون شريك حياتك صاحب دين وخلق كما أوصانا نبينا -عليه الصلاة والسلام- بقوله: (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير)، فالدين والخلق صفتان متلازمتان لا تنفكان أبدا، وهما صمام أمان للحياة الزوجية السعيدة، وصاحب الدين والخلق إن أحب زوجته أكرمها، وإن كرهها سرحها بإحسان.
صلِّ صلاة الاستخارة، وادعي بالدعاء المأثور قبل أن توافقي على من سيتقدم لك، ثم وافقي متوكلة على الله، وكوني واثقة بأن اختيار الله لك خير من اختيارك لنفسك، فإن سارت الأمور بيسر وسلاسة، فذلك دليل أن الله قد اختار ذلك الرجل ليكون زوجا لك، وإن تعسرت فذلك يعني أن الله صرفه عنك.
أسأل الله تعالى أن يأجرك في مصيبتك ويخلف لك خيرا منها، وأن يختار لك ما فيه الخير ويسعدك، والله الموفق.