أحس أنني في سجن وبت لا أطيق الحياة مع زوجي!
2018-04-01 04:20:38 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم.
رزقت بطفلين، وبعدما وصل طفلي الأول سن الثانية اكتشفت أن لديه سمات توحد، فتركت عملي وجلست أعالجه في المنزل بالمتابعة مع الطبيبة حتى بدأ يشفى، وطلبت الطبيبة أن يذهب لحضانة ليختلط بالمجتمع، وطلبت من زوجي أن أرافق الولد كي أطمئن أن كل اللازم لدمجه يتم، وذلك بتقدمي لشغر وظيفة معلمة في حضانة واصطحابي للطفلين، ووافق زوجي.
لم أقض في ذاك العمل سوى ثلاثة أسابيع، ذقت فيهم مرارة الاتهام بالخيانة صراحة من زوجي، ووسمني بأبشع الصفات، وأهانني، وحاول خنقي، وأبلغت أهلي، ولم يحركوا ساكنا.
أصر زوجي على تركي العمل بغض النظر عما يتطلبه علاج ابني، نفذت طلبه بشرط عودتي لعملي الأصلي وعودة أولادي لنفس الحضانة لما كونته من علاقات جيدة مع العاملات فيها والسيدة القائمة عليها.
اشترط زوجي عدم خروجي من المنزل لأي سبب إلا معه، حتى زياراتي لأهلي يحضرها، واشترط ألا تكون لي صديقات بالعمل نهائيا، وأن أرتدي الجلباب حتى ولو لم أرغب به، رغم أنه مدخن وساه عن الصلاة، ويتعامل مع سيدات كثيرات في العمل.
نفذت كل مطالبه رغم أنها في معظمها ضد رغبتي، وكان هذا منذ عامين، والآن أحس أنني رغم محاولتي أن أسامحه على ما فعل بي، لكني لا أستطيع.
الحمد لله أنا ناجحة جدا في عملي، وأجيد اللغات، ووهبني الله القدرة على التدريس وهبات أخرى كثيرات، وكل هذا دفن بزواجي منه.
أحس أنني في سجن ليس له باب، وبت لا أطيق هذه الحياة.
ليس لدي مال خاص بي، لا أتعامل مع الناس، وليس لي صديقات ولا شيء في الدنيا غيره هو وأولادي.
الحوار معه لا يصل لأي نتيجة؛ فهو لا يثق إلا بتفكيره هو وحده، وأنا الآن في صراع بين ما أريده ليحقق ذاتي وراحتي النفسية ومستقبلي أنا وأولادي، وبين ما تعظني به أمي أن أكمل حياتي كما هي ولو ضد رغبتي.
أرجوكم أفتوني أثابكم الله.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ نورا حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فمرحبا بك -أختنا الكريمة- وردا على استشارتك أقول:
إن مما لا شك فيه أن ظلم القريب والحبيب أشد ألما من ظلم البعيد أو العدو، ولكن الصبر والتحمل يذيب كل ذلك الألم.
إصابة الولد بالتوحد مقدر عليه من الله تعالى، وما على المؤمن إلا أن يرضى بما قدره الله تعالى؛ فأقدار الله كلها خير له وإن بدت في الظاهر خلاف ذلك.
ما قمت به من أجل أبنائك سيكتب الله لك أجره، وأنت قمت بمقتضى الأمومة، ولعلك تدركين أن تفكير الأب غير تفكير الأم في هذا الجانب.
ما أصاب زوجك وسواس من الشيطان الرجيم، وربما أتاه من خلال ما يرى من بعض المنحرفات سلوكيا، أو من قراءته عن بعض الحوادث فللشيطان مداخله المتنوعة، ولعله أصابته غيرة شديدة عليك، والذي ينبغي أن تتعاملي معه على أنه مريض بداء الشك والوسوسة.
الحياة الزوجية يجب أن تقوم على الثقة المتبادلة بين الزوجين، وعلى غض الطرف عن بعض التصرفات، لأن المحاسبة الشديدة تدمر الحياة الزوجية، والضحية الكبرى هم الأبناء.
الذي أنصحك به أن تقبلي بشروط زوجك، وألا تقفي ندا في وجهه حتى لو طلب منك أن تتركي العمل، بشرط أن يوفر لك جميع متطلباتك، ولا تتعللي بمستقبلك ومستقبل أولادك؛ فذلك أمر بيد الله تعالى، فكثير من النساء لا يعملن، ومستقرات في بيوتهن، وأصبح أولادهن من الناجحين في حياتهم رغم كثرة المشاكل بينهن وبين أزواجهن، لكنهن آثرن مصلحة الأبناء على المصالح الشخصية.
أنت الآن أم لثلاثة أولاد، ولست وحدك في البيت، ولذلك فالحياة موازنة بين المصالح والمفاسد، وفي مثل حالتك المصلحة الكبرى أن تبقي محافظة على أسرتك، وإن فاتتك بعض المصالح.
أنا على يقين أن عندك القدرة على التحاور مع زوجك بالحسنى وبالحكمة والرفق مع تحين الوقت والمكان المناسبين؛ فبالحوار تحل جميع المشاكل، وإيقاف الزوج على مواضع الخطأ الذي يرتكبه كفيل في جعله يتراجع بإذن الله تعالى.
أنصحك أن تقتربي من زوجك أكثر، وأن تنظري في احتياجاته، وتلبي طلباته المباحة؛ فالعمل قد يشغلك عن ذلك نتيجة الإجهاد الذي تعانين منه.
الكلمة الطيبة، والجمل العاطفية، والتجمل له، وإحسان استقباله حال عودته من العمل، والدعاء له أثناء مغادرة البيت، وتوفير سبل الراحة في البيت، والتفنن في طهي ما يحب من الطعام؛ كل ذلك سيجعلك تمتلكين قلبه وتستميلينه نحوك أكثر.
لا تغفلي عن الدعاء وأنت ساجدة أن يصرف عنكما الشيطان الرجيم والحاسدين؛ فهم من أعظم الساعدين لتدمير البيوت، وأكثري من دعاء ذي النون، فما دعا به أحد في شيء إلا استجاب الله له يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الحُوتِ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ).
اعملي بكل السبل والوسائل التي تبعد عن زوجك الوساوس والشكوك، ولا تسمحي بتسلل أي شك إلى نفسه، وذلك من خلال عدم معارضته في فعل ما يجعل قلبه مطمئنا.
اجتهدي في تربية أولادك والعناية بهم، وأشغلي أوقاتك بكل مفيد، واستعيني بالله ولا تعجزي.
تأقلمي مع الوضع الجديد، وكوني مصرة على الانتصار على الشيطان وهوى النفس، ومع المجاهدة ستحققين ما تريدينه بإذن الله.
الزمي الاستغفار، وأكثري من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم؛ فذلك من أسباب تفريج الهموم ففي الحديث: (مَنْ لَزِمَ الِاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا ، وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا ، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ)، وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ).
أكثري من تلاوة القرآن الكريم، وحافظي على أذكار اليوم والليلة يطمئن قلبك، كما قال ربنا جل في علاه: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ).
نسعد بتواصلك، ونسأل الله تعالى لك التوفيق والسعادة إنه سميع مجيب.