البطالة وقلة العمل جعلت حالتي النفسية تزداد سوءًا
2018-09-09 08:28:34 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم
أنا بعمر 32 عاماً، منذ صغري وأنا أعاني من قسوة الأشخاص الذين أسماؤهم بشهادة ميلادي، خصوصاً المرأة التي اسمها بشهادة ميلادي، وكانت تفرق في المعاملة، وعلمت ابنها البلطجة علي وتحرض (أبي) على طردي خارج الشقة بشكل متكرر، غير أفعال سيئة كثيرة أخرى فعلتها معي ولا زالت، كما أن المفترض أنه أخ لكنه يقوم بإيذائي من وقت لآخر، وتسبب لي بعاهة من قبل.
أنا منذ صغري انطوائي وأعاني من الغضب والعصبية الشديدة بسبب التربية السيئة جداً، لدرجة أنني كنت أتشاجر مع المدرسين حتى فضلاً عن زملائي، وأنا إلى الآن شخص انطوائي ليس لدي أصدقاء تقريباً، وعصبي جداً، ومنذ تخرجي من 10 سنوات لم أعمل سوى لقرابة سنتين و 9 شهور، والسبب في ذلك البطالة المنتشرة لدينا.
لكن الواقع أنني أيضاً يتم رفضي في كثير من المقابلات؛ لأنهم يلاحظون شخصيتي الانطوائية، وخطي السيء في الكتابة، وحتى فرص العمل التي عملت بها كانت تتميز بسمات معينة.
عملت لدي شخص متكبر ظالم يبحث عن أشخاص يستطيع السيطرة عليهم والتنفيس عن أحقاده فيهم، وعندما سافرت للحجاز لم أقابل صاحب العمل شخصياً، وإنما فوض مكتب التسفير لمقابلتي، وعندما سافرت لم أمكث إلا 7 شهور، ثم جعلوني أترك العمل وأعود، مما جعلني أتأكد أنه ربما لو قابلني ربما لم يقبل أصلاً (مع العلم بأن صاحب العمل هذا كان محتالاً).
لذلك منذ عودتي منذ 7 سنوات، وقد قمت بمقابلات تصل إلى 20 مقابلة للسفر بالخارج (فضلاً عن مقابلات عمل في الداخل) أو أكثر، وكلها تم رفضي بها، ربما لأنهم يلاحظون أنني لست اجتماعياً، وربما لسوء خطي أيضاً.
أنا عصبي جداً لا أصبر على إيذاء أي أحد لي، سواء زميل حاقد أو عميل، أو صاحب عمل، حيث تنتابني موجة غضب شديدة.
حالياً لا أعمل، والبطالة شديدة في مجتمعنا، وأعيش لوحدي، تقريباً لا أكلم أحدا إلا في المسجد، ربما أصل للأهم في استشارتي وهو أنني منذ قرابة 6 سنوات تعرضت لموقف ليس بشديد الأهمية ولكنني في هذا اليوم أخذت أفكر بشكل مستمر يصل إلى ساعات في هذا الأمر بغضب شديد، ومنذ هذا الوقت وكلما تعرضت لموقف سيء في أي مكان (خصوصاً أن الأوضاع الأمنية في بلادنا سيئة)، فإنني ينتابني هذا الغضب الشديد، وأفكر في الانتقام على أن هذه العصبية الشديدة موجودة منذ صغري، كما أوضحت
بسبب هذا الاكتئاب والنسيان وعدم التركيز الشديدين، ذهبت لطبيب أمراض نفسية وقد وصف لي عدة أدوية لعلاج هذا، وصدقني أن هذه الأدوية كانت تؤدي إلى نتائج سلبية عكسية تماماً، كانت تدفعني للتفكير حتى في الانتحار لأول مرة (وهو الأمر الذي تكرر بعد ذلك بسبب ظروف أخرى سيئة).
أرجو ألا تخبرني بأدوية تعالج الاكتئاب، وألا تخبرني ما أخبرني به الطبيب من أن جسمي لا بد أن يعتاد الدواء، كيف؟ وهي تكاد تقضي علي.
قد جربت أنواع مختلفة زيركسات ومودابكس وفافرين وافيجاد وغيرهم، وكلها أدت إلى زيادة الاكتئاب، كما يشير وصف هذه الأدوية إلى أن هناك حالات نادرة تسبب فيها هذه الأدوية زيادة الاكتئاب.
الآن أعاني من اكتئاب ونسيان وعدم تركيز، لدرجة أنني أخطىء كثيراً في عدد الركعات والسجدات، كما أتلعثم بالكلام، وقد سمعت أن هذا الأمر قد ينتج عن كهرباء زائدة أو نشاط زائد بالمخ.
يبالغ الأطباء كثيراً عندنا في أسعار الكشف، وكذلك سعر الأشعة هذه الأيام، وأنا شخص أصلاً لا أعمل، فأرجو أن تشخص لي إن كانت هذه أعراض كهرباء زائدة على المخ أم لا في ظل هذه المعطيات.
أنا ضعيف التركيز كثير النسيان، وهذا الأمر يزداد مع الوقت، كما أشعر كأنني أعاني عند محاولة التركيز في أمر من الأمور، ولا صبر لي كثيراً على الجلوس في مكان، فأقوم وأتحرك رغم أنني كسول إلى حد ما، لا أحب نزول الشارع، إلا أنني أجبر نفسي على ذلك، لما أعرفه من مساوىء ذلك، وأنا قلق على الدوام ومكتئب، وتنتابني موجات غضب شديدة.
هل هذه الأعراض تشير إلى نشاط زائد بالمخ، وما هو الدواء الذي ينبغي أن أتناوله وما جرعته، ومتى أتوقف عنه؟
أرجو أن تساعدني، وجزاك الله خيراً.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الله حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
إنك لا تعاني من كهرباء زائدة في المخ، ولا تعاني من أي نشاط زائد في المخ، تعاني من مشاكل نفسية، وهي سمات في الشخصية نتجتْ ممَّا عانيته منذ صغرك -أخي الكريم- وواضح عليك الغضب منك لأقرب الناس إليك، حتى إنك لم تُشير إلى أسمائهم، فلم تقل (أمي)، ولكن قلت (الشخص المكتوب في شهادة ميلادي)، وهذا يدلّ على أنك غاضبٌ غضبًا شديدًا جدًّا على ما حصل معك في الطفولة، حقيقيًّا كان أم مبالغًا فيه منك.
على أي حال: هذا يدل على الغضب -أخي الكريم- الذي يشتعل في داخلك، ولذلك أدوية الاكتئاب لم تُساعد، ما يُساعد في إخراج هذا الغضب من داخلك هو العلاج النفسي، العلاج النفسي طويل المدى، تحتاج إلى مقابلة معالج نفسي، وخلق نوع من العلاقة العلاجية معه، ويكون هناك مشوار من العلاج النفسي من خلال جلسات نفسية طويلة، تتكلَّم فيها عن ماضيك، وتتكلَّم فيها عمَّا يدور في داخلك.
هناك أدوية قد تُساعد في الغضب والضيق الذي تعاني منه، وليست أدوية الاكتئاب، بعض الأطباء ينصحون باستعمال (تجراتول)، ويقولون أنه يُساعد في علاج الغضب ومشاعر الضيق الناتجة من المشاكل الشخصية، والجرعة غير مُحددة، ولكن أربعمائة مليجرام أو ستمائة مليجرام في اليوم، تؤخذ مرتين أو ثلاث مرات في اليوم، وتؤخذ لفترة عدة أشهر، مثلاً ثلاثة إلى ستة أشهر، مع العلاج النفسي.
أهم شيءٍ لعلاج حالتك -أخي الكريم- هي الجلسات النفسية، وهنا التجراتول ما هو إلَّا عامل مساعد، لن يقوم بالتغيير لوحده، لا بد من العلاج النفسي، لكي تتغيَّر، وهناك أشياء إيجابية حصلتْ في حياتك، ولكن تحتاج إلى أن تتجاوز هذه المرحلة وهذه المرارات -أخي الكريم- ولن يتم هذا إلَّا من خلال العلاج النفسي طويل المدى كما ذكرتُ، والتجراتول ما هو إلَّا مساعد.
وفقك الله وسدد خطاك.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
انتهت إجابة الدكتور: عبد العزيز أحمد عمر، استشاري الطب النفسي وطب الإدمان.
وتليها إجابة الدكتور: عقيل المقطري، مستشار العلاقات الأسرية والتربوية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا ينبغي أن تصف والديك بل وأمك بهذه الطريقة مهما كان الخطأ الذي حصل منهم، وينبغي أن تعفو عنهما وعن تصرفاتهما إن حصل فعلا منهما ما ذكرته، وعليك أن تبر بهما وتحسن إليهما كما أمرك الله تعالى بقوله: (وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ) وقال تعالى: (وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ).
اقترب من والديك وبر بهما واستمح منهما واطلب رضاهما ودعاءهما فإقالة العثرات تكمن ببر الوالدين أحياء وأمواتا، وصلة الرحم سبب في إطالة العمر وسعة الرزق، كما ورد في الحديث: (من أراد أن ينسأ له في أثره ويبسط له في رزقه فليصل رحمه).
التحكم بالسلوكيات أمر ممكن كما أخبرنا بذلك ربنا -سبحانه- بقوله: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۗ)، ولقول نبينا عليه الصلاة والسلام: (إنما الحلم بالتحلم ومن يتصبر يصبره الله)، ولما قال له رجل أوصني قال له: (لا تغضب)، فردد مرارا فقال: (لا تغضب).
من علاج شدة الغضب الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، حيث رأى نبينا -عليه الصلاة والسلام- شخصا قد اشتد غضبه وانتفخت أوداجه واحمر وجهه فقال: (إني لأعلم كلمات لو قالها هذا لذهب عنه ما يجد لو قال أعوذ بالله من الشيطان الرجيم لذهب عنه ما يجد).
من الأمور التي تهدىء الأعصاب كثرة تلاوة القرآن الكريم، وكثرة ذكر الله تعالى، وخاصة المحافظة على أذكار اليوم والليلة، يقول تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ).
ابذل كل الأسباب في طلب الرزق وجرب العمل الحر، ولا تنتظر الوظيفة فلربما لا يكون رزقك في الوظيفة، وكم من صاحب شهادة عالية لم يجد وظيفة، ولما طرق باب العمل الحر فتح الله عليه أبواب الرزق.
اعلم أن كل شيء يسير بقضاء الله وقدره، فالإيمان بالقضاء والقدر يريح النفس والبال.
من أسباب الرزق تقوى الله تعالى كما قال سبحانه: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ).
من الأسباب كثرة الاستغفار: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَا وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا).
من الأسباب المحافظة على أداء الصلاة في جماعة: قال العلامة ابن القيم: (الصلاة مجلبة للرزق حافظة للصحة دافعة للأذى مطردة للأدواء مقوية للقلب مبيضة للوجه مفرحة للنفس مذهبة للكسل).
من الأسباب صلة الأرحام: فهو من أهم أسباب زيادة الرزق والبركة في المال، لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ سَرَّه أن يبسط له في رزقه، وأن ينسأ له في أثره؛ فليصل رحمه).
الإكثار من الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-: فقد قال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ) ومن الهموم هم الرزق.
من الأسباب أن تكون شاكرا لله تعالى على سبيل الدوام: فالشكر الدائم يزيد الأرزاق ويفتح الأبواب المغلقة لقوله تعالى: (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ).
من الأسباب الهجرة من أجل طلب الرزق: فمن الناس من خرج من بلده بعد ضيق في العيش ففتح الله عليه أبواب الرزق يقول تعالى: (وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً ۚ) وإن كان من أهل التفسير من قال إن المقصود بالهجرة هنا الهجرة من بلد الكفر إلى بلد الإسلام لكن العبرة بعموم لفظ الآية.
أوصيك أن توثق صلتك بالله وتجتهد في تقوية إيمانك من خلال العمل الصالح فالحياة الطيبة لا توهب إلا بذلك.
فيما يتعلق بالجانب النفسي والطبي فقد أجابك المختص في هذا الشأن.
نسعد بتواصلك ونسأل الله تعالى لك التوفيق.