الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخ الفاضل/ عمر حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
جزاك الله خيرًا، وأشكرك على الثقة في إسلام ويب.
بالفعل الذي لديك هو نوع من قلق المخاوف ذي الطابع الوسواسي، موضوع الأعداد والنمطية فيها وربطها بالوساوس ظاهرة معروفة جدًّا، والوساوس الفكرية عمومًا التخلص منها ليس صعبًا، وتستجيب أيضًا للعلاجات الدوائية بصورة ممتازة جدًّا.
أولاً – أيها الفاضل الكريم – علينا أن نخاف من الموت الخوف المحمود، لا نخاف منه الخوف المرضي، الخوف المرضي نقصد به أن الإنسان يخاف من الموت ولا يكون له الترتيب الصحيح في تجنب المعاصي والحرام، والإنسان يكون غافلاً وليس حريصًا في عباداته، ويتكلم عن الموت والخوف من الموت، لابد لمثل هذا الإنسان أن يخاف حقيقة.
أمَّا الخوف المحمود فهو أن الإنسان يخاف من الموت ويُدرك أن الموت حق، وأن الخوف من الموت لا يزيد في عمر الإنسان، ولا يُنقص من عمر الإنسان، وأن الأجل آتٍ ولا شك في ذلك، ويحرص على عمل الصالحات، ويتجنب الحرام والسيئات، ويكون مستعدًا للقاء ربه، لأن العبد إذا استعدّ للقاء ربه استعدَّ الله للقائه، وفي نفس الوقت يسأل الإنسان الله تعالى حسن الخاتمة وأن يختم له بالباقيات الصالحات.
هذا هو الخوف المحمود، والخوف من الموت لا يعني أن نعطّل حياتنا، على العكس تمامًا، نعيش حياتنا بكل قوة، بأمل، ورجاء، ونسعى ونجتهد لآخر لحظة، (إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَفِي يَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلٌ، فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَلَّا تَقُومَ السَّاعَةُ حَتَّى يَغْرِسَهَا، فَلْيَفْعَلْ).
فإذًا الخوف المحمود من الموت أمرٌ مطلوب وليس مرفوضًا، يمكن أن تُجري هذا النوع من الحوار مع نفسك، لكن لا تجعل حوارك حوارًا وسواسيًّا، لا تسترسل، لا تحاول أن تخضع الأمور لأي نوع من المنطق، لأن إخضاع الوسواس للمنطق يجعل الوسواس أكثر إلحاحًا واستحواذًا وقوّة. فكّر في الأمور بالكيفية التي قلتُها لك.
والأمر الآخر: تجنّب الفراغ الزمني والذهني، أشغل نفسك بما هو مفيد، أحسن إدارة وقتك، ادرس، رفّه عن نفسك، تواصل مع أصدقائك، شارك أسرتك، كن بارًّا بوالديك، احرص على الصلاة في وقتها، مارس الرياضة ... أِشياء كثيرة في الحياة يمكن للإنسان أن يقوم بها، ويُسقط تمامًا الحيز الفكري الوسواسي، لأنه قد انشغل بما هو أحسن وبما هو أفضل وبما هو أطيب.
أريدك أيضًا أن تمارس بعض العلاجات السلوكية للوساوس، هنالك علاج نسمّيه بـ (إيقاع الأفكار)، أريدك أن تحارب الفكرة أو الخاطرة الوسواسية في بداياتها، ولا تجعلها فكرًا، وقلْ: (أقف أقف، أقف أقف)، تُخاطب الوسواس كأنه شخصًا يقف أمامك. هذا يُسمَّى بتمرين (إيقاف الأفكار) أو (إيقاف الفكرة).
وتمرين آخر نسمِّيه بـ (التمرين التنفيري)، أن تُنفّر الوسواس، وذلك بأن تربط بينه وبين شيء آخر، مثلاً: كحدوث كارثة – احتراق طائرة مثلاً – تُفكّر في هذا وفي الفكرة الوسواسية في نفس اللحظة. أو مثلاً: أن تقوم بشمِّ رائحة كريهة إن وجدتّها، تجلب الخاطرة الوسواسية في بداياتها تشمّ الرائحة الكريهة. أو مثلاً: تقوم بالضرب على يدك على جسم صلب كسطح الطاولة مثلاً، حتى تحس بألم شديد، وفي ذات الوقت تستجلب الخاطرة الوسواسية. وجد علماء السلوك أنه سوف يحدث تعارك ما بين الفكرة الوسواسية وما بين التفاعلات المنفّرة، كشمِّ رائحة كريهة، كالتفكير في كارثة، كإيقاع الألم على النفس. هذه المعركة تنتهي بانتصار الفكرة التنفيرية، لأن الأشياء المتضادة لا تلتقي.
حتى أتأكد من سلامتك تمامًا وأنت في هذا العمر أريدك أن تتناول دواء بسيطا جدًّا يُسمَّى (فافرين) واسمه العلمي (فلوفكسمين)، دواء سليم جدًّا، تبدأ في تناوله بجرعة خمسين مليجرامًا ليلاً لمدة أسبوعين، ثم تجعلها مائة مليجرام ليلاً لمدة ثلاثة أشهر، ثم اجعلها خمسين مليجرامًا ليلاً لمدة أسبوعين، ثم خمسين مليجرامًا يومًا بعد يومٍ لمدة أسبوعين، ثم تتوقف عن تناول الدواء.
وإن استطعت أن تذهب إلى طبيب نفسي فهذا أمرٌ جيد، وإن لم تستطع فيمكنك تناول الفافرين بالوصف الذي وصفناه، واتبع الإرشادات السلوكية هذه، وبإذن الله تعالى ستنتهي منك تلك الوساوس، ويشفيك الله منها بحوله وقوته.
وللفائدة راجع هذه الروابط: (
2181620 -
2250245 -
2353544 -
2419484).
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.