الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ فتح النور حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أرحب بك في الشبكة الإسلامية، نسأل الله لك الشفاء والعافية والتوفيق والسداد.
أولاً: أودُّ أن أتكلَّم عن محتوى رسالتك، وهل هناك حاجة للذهاب إلى طبيب نفسي؟ وأنا أقول لك: نعم الأعراض التي ذكرتها كلها أعراض ذات طابع نفسي، وتستحق العلاج، والعلاج أصبح الآن متوفرًا جدًّا، وبعد ذلك نتحدث عن مشروعية العلاج والتي سوف يفيدك عنها أيضًا أحد الأخوة المشايخ، كما أفادك سابقًا الأخ الشيخ عقيل المقطري، وأنا قمتُ بالإجابة على استشارتك التي رقمها (
2457611) بتاريخ 3/11/2020، أي قبل شهرين وأسبوع تقريبًا، وقد وجَّهتُ لك إرشادات كثيرة، ونصائح متعددة، فأرجو أن تكون قد أخذت بها.
والآن ومن خلال رسالتك هذه – أقصد رسالتك الحالية – أنت بالفعل لديك وسوسة جعلتك تُعاني من مفاهيم خاطئة، حتى على المستوى الشرعي، فيجب أن تعلم – يا أخي – أن الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحقّ الناس بها، هذا مبدأ يجب أن نحترمه ونقدّره ونأخذ به.
والأمر الثاني: الطبيب النفسي هو طبيب مثل بقية الأطباء، درس الطب ثم بعد ذلك تخصص في الصحة النفسية، والآن – أخي الكريم – الطب النفسي بفضل الله تعالى توسَّع جدًّا، وأصبحت الآليات العلاجية مُتاحة بصورة أفضل ممَّا عليه فيما مضى، كما أن معظم الأطباء النفسيين حتى وإن لم يكونوا من المسلمين يحترمون عقائد الناس جدًّا.
ويا أخي الكريم: يكفينا – حقيقة – أن نرتكز على حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (ما جعل الله من داءٍ إلَّا جعل له دواء، فتداووا عباد الله، علمه من علمه وجهله من جهله). والآن نحن نعرف – وبصورة قاطعة – أن الأمراض مثل الكآبة والارتياب والرهاب والوسواس لها أسس كيميائية بيولوجية داخل الدماغ، بمعنى أن هنالك تغيُّرات كيميائية تحدث، وهذا دليل على أن هذه الحالات حالات طبيّة ولا شك في ذلك، وما هو طبّي لا يُصحح إلَّا من خلال الآليات الطبيّة.
فيا أخي الكريم: لا تحرم نفسك من نعمة العلاج، أرجو أن تتقدّم وتذهب إلى الطبيب النفسي، وتوضّح له شكواك بكل دقة وتفاصيل، وهذا سوف يُتيح للطبيب الفرصة لأن يصل للتشخيص الصحيح، ومن ثمَّ يضع الآليات العلاجية التي سوف تُساعدك، وأنا أطمئنك أن الأطباء في معظمهم مؤتمنون على أسرار وعلى خصوصيات الناس، وهذا أمرٌ مهمٌّ جدًّا، ولا أريدك أن تتحرَّج أبدًا في الذهاب إلى الطبيب، فأرجو أن تعزم وتذهب وتتبع الإرشادات التي سوف يقولها لك الطبيب.
بالنسبة لعدم ارتياحك للصلاة وقراءة القرآن: هذا من الاكتئاب؛ لأنه محبط ويفقد الإنسان طعم ومتعة كل ما هو طيب وجميل، وهذا في حد ذاته يجب أن يكون سببًا جوهريًّا مُشجعًا لك لأن تذهب وتتلقى العلاج النفسي.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.
++++++++++++++++++++++
انتهت إجابة د. محمد عبد العليم استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان، وتليها إجابة الدكتور عقيل المقطري الاستشاري التربوي والشرعي.
++++++++++++++++++++++
فمرحبا بك أخي الكريم، وردا على استشارتك أقول:
فإن العمل بالأسباب أمر مشروع أمر به ربنا سبحانه في كتابه الكريم، وأمر به النبي صلى الله عليه وسلم والعمل بالسبب لا ينافي التوكل أبدا، بل هو من التوكل، يقول تعالى آمرا بالأخذ بالسبب في نيل الرزق: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ)، ويقول عليه الصلاة والسلام: (ما أنزل الله من داء إلا وأنزل له دواء علمه من علمه وجهله من جهله ألا فتداووا عباد الله)، والأدلة في هذا الباب كثيرة.
الذهاب إلى الطبيب من أجل العلاج لا ينافي التوكل على الله تعالى، ولا يعد ذلك من الاعتراض على قضاء الله وقدره.
التداوي والتشخيص لا يصلح أن يكون ذلك عبر النت، ويشخص الشخص نفسه بنفسه، بل المختص بذلك هو الطبيب المختص بحيث يذهب إليه المريض، ولا يكتفى بمجرد الشكوى، بل لا بد من عمل الفحوصات اللازمة التي تعين الطبيب على دقة التشخيص فما قمت به من تشخيص نفسك بنفسك خطأ ولا ينبغي أن تعول عليه.
لقد بالغت في قولك إنك في حزن دائم منذ طفولتك، فسن الطفولة ليس فيه ما ذكرت خصوصا ما قبل السادسة من العمر.
الذنوب والمعاصي من أعظم الأسباب التي تحرم العبد من السعادة وتجلب له الكآبة والحزن يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (وإن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه).
الذنوب والمعاصي من جملة الأسباب التي تجعل الشيطان يتسلط على الإنسان وأول تسلطه يكون بالوساوس التي يلقيها عليه فالمشاعر التي تراودك بأن الله غاضب عليك وأنك إن ذهبت إلى الطبيب فإن هذا سيغضبه كل هذا فيما يظهر لي أنه نوع من الوساوس يجب عليك أن تتخلص منها من خلال ما سأذكر لك من الموجهات.
لا تتقبل هذه الأفكار واقطعها فور ورودها، ولا تسمح لها في الدخول إلى عقلك واحذر أن تسترسل أو تتحاور معها وبادر بالاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم فور ورودها ثم انهض من المكان الذي أتتك وأنت فيه واشغل نفسك بأي عمل يلهيك عنها.
اجتهد في تقوية إيمانك من خلال كثرة العمل الصالح، فذلك سيولد في نفسك حاجزا يحول بينك وبين المعاصي بإذن الله تعالى، وسيجلب لك الحياة الطيبة كما قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).
أكثر من تلاوة القرآن الكريم واستماعه، فذلك سيجلب لقلبك الطمأنينة كما قال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ).
حافظ على أذكار اليوم والليلة، واجعل لسانك رطبا من ذكر الله، فذلك سيكون سببا في طرد الوساوس الشيطانية كما قال سيدنا ابن عباس رضي الله عنهما: (الشَّيْطَاْنُ جَاْثِمٌ عَلَىْ قَلْبِ اْبْنِ آدَمَ، فَإِذَاْ ذَكَرَ اللهَ خَنَسَ، وإِذَا غَفَلَ وَسْوَسَ).
كون العبد لا يجد لذة للعبادات له أسباب منها كثرة المعاصي، ومنها انشغال القلب بأمر الدنيا ومنها سيطرة الوساوس على العقل، فما أن يدخل العبد في الصلاة إلا ويسرح العقل بعيدا، فلا يدري ما قرأ ولا كم صلى، وهذا يسبب عدم الشعور بالراحة، ولا بلذة العبادة فإن أرادت أن تجد حلاوة الطاعة، فعليك بأمور منها التوبة من المعاصي.
من أخلاق المسلم أن يكون متفائلا محسنا الظن بالله تعالى، مغلبا لجانب الرجاء على جانب الخوف، وكل ذلك قد حث عليه نبينا عليه الصلاة والسلام.
لا تقنط فرحمة الله وسعت كل شيء، ولا يزال باب التوبة مفتوحا فبادر بالتوبة، ومن تاب تاب الله عليه مهما كانت ذنوبه.
أحسن الظن بالله تعالى، وكن متفائلا فالله عند ظن عبده به ففي الحديث القدسي: (إِنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَلا يَقُولُ: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، إِنْ ظَنَّ خَيْرًا فَلَهُ، وَإِنْ ظَنَّ شَرًّا فَلَهُ).
الصبر عاقبته خير فمهما أصيب العبد من البلاء، فلا بد أن يرفعه الله عن العبد، وعليك أن تكثر من نوافل الطاعات وتتضرع بالدعاء بين يدي الله تعالى وأنت ساجد وسله من خيري الدنيا والآخرة.
الزم الاستغفار، وأكثر من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فذلك من أسباب تفريج الهموم وتنفيس الكروب، ففي الحديث: (مَنْ لَزِمَ الِاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ)، وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ).
نسعد بتواصلك ونسأل الله تعالى أن يتوب علينا وعليك، وأن يرزقنا جميعا الاستقامة على دينه، وأن يصرف عنا وعنك الشيطان الرجيم ووساوسه، وأن يسعدنا في الدارين آمين.