شعرتُ بالغيرة فظلمتُ الرجل بغير قصد.
2021-02-24 02:23:40 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم.
البارحة كنت أتجول مع والدي في الشاطئ، فجأة رأيت رجلا ينظر في اتجاه أمي، فنظرت إليه أنا كذلك لأنني أحسست بالغيرة ثم تبين لي والله أعلم أنه كان ينظر للبحر، وبما أن ذلك الرجل كان يمشي من الجهة المقابلة لنا فقد مر بالقرب منا، ثم عندما تجاوزنا سمعت يتفوه بأقوال لم أستطع تحديدها.
هل يعد نظري له ظلما؟ علما أنني لم أنظر له بشكل عابس، ولكنني أمعنت النظر فيه؛ لأنني أحسست بالغيرة، وعلما كذلك أنني لم أسبه ولم أقل شيئا، ماذا لو دعا علي، هل يستجاب له؟ وما حكم الظلم عن غير قصد؟
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عمر حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك –ابننا الفاضل- في الشبكة الإسلامية، نشكر لك ثقتك في إسلام ويب، ونشكر لك إحساسك الذي دفعك للسؤال، ونسأل الله لك التوفيق والسداد.
- بداية نبارك لك ونهنئك على شعور الغيرة، فالغيرة خلق كريم، فيها صيانة للأعراض، والحريات، ومؤشر على قوة الإيمان ورسوخه في القلب، وأقوى الناس دينا أعظمهم غيرة، وهو من أخلاق الرجال الحقيقيون، وهو شعور فطري تذوقتها العرب منذ الجاهلية وافتخرت بتلك الفضيلة، فضيلة الغيرة على الأعراض، عرض الرجل نفسه، وعرض أخيه وعرض جاره، قال عنترة مفاخرا بنفسه:
وأغض طرفي إن بدت لي جارتي
حتى يواري جارتي مأواها
- فكما ترى فإن غيرتك على والدتك -الفاضلة- تدل على الرجولة والإيمان والحمية، وهي مشاعر راقية وعظيمة، تدل إنك أمين مؤتمن، فالرجل الذي يغير على محارمه، أمه، أخته، زوجته، ابنته، وأيضا غير محارمه من بنات أسرته، وبنات المسلمين، يعتبر صاحب خلق عظيم، يستحق التقدير، ورد في الحديث أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال يوما لأصحابه:" إن دخل أحدكم على أهله ووجد ما يريبه أشهد أربعا" فقام سعد بن عبادة -رضي الله عنه- متأثرا فقال: يا رسول الله: أدخل على أهلي فأجد ما يريبني، أنتظر حتى أشهد أربعا؟ لا والذي بعثك بالحق، إن رأيت ما يريبني في أهلي، لأطيحن بالرأس عن الجسد، ولأضربن بالسيف، وليفعل الله بي بعد ذلك ما يشاء، فقال –عليه الصلاة والسلام-:" أتعجبون من غيرة سعد؟ والله لأنا أغير منه، والله أغير مني".
- فما ضاعت الأمم إلا حينما تهاونت في أعراضها وشرفها، وأطلقت العنان لنسائها وبناتها، فانجرفت في مهالك الفسق والفجور، وكل ذلك لأن الغيرة ماتت في نفوس رجالها، ولا خير فيمن لا يغار.
- أما مسألة الظلم:
يجب عليك أن تعلم أن الشرع نهى عن سوء الظن بالمسلم، قال تعالى:"يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن"، وأمر أن تحسن الظن بالناس طالما لم يظهر منهم ما يدل على سوء النية، ولا تأخذ الأمور ولا تحكم على أحد من باب الظن، فالمسلم حسن الظن كما قال نبينا -صلى الله عليه وسلم- :" إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا، ولا تجسسوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، ولا تباغضوا، وكونوا عباد الله إخوانا". فهذه دعوة وأمر إلى إحسان الظن في نوايا الآخرين، لأن سرائر الناس لا يعلمها إلا الله تعالى وحده، وعدم حمل كلامهم وأقوالهم وأفعالهم على محمل السوء، والبعد والتخلص عن كل المشاعر السلبية السوداوية التي تنكت في القلب حتى تشوه معالم الإيمان الحقيقي للمؤمن، فالظن تهمة تقع في القلب بلا دليل.
- مسألة يدعو عليك:
وهذا أيضا سوء ظن، فكيف عرفت أنه سيدعو عليك؟ لا تفكر بهذه الطريقة السلبية، بل أحسن الظن بالله قبل الآخرين، واعلم أن الدعاء على شخص بلا سبب اعتداء لن يقبله الله تعالى، وأنت -كما قلت- لم تنظر إليه نظرة تتهمه، ولم تسبه، ولم تؤذه، فلماذا يدعو عليك؟ ولكن -فرضا- لو فعل ودعا عليك، فإن الله تعالى لن يستجيب له -إن شاء الله-، فما بدر منك كان رد فعل طبيعي من رجل يغار على عرضه وشرفه.
- أما شعورك بالذنب وكونك أنك ظلمته: فيجب عليك التوبة إلى الله مما وقعت فيه من سوء ظن محرم، واعلم أن التوبة تجب ما قبلها، ولا يشترط في التوبة طلب العفو من المغتيب؛ دفعا لما قد ينشأ من مشاحنة وبغضاء ومفسدة بين الطرفين، بل يكتفي بالدعاء له والاستغفار له،" والتائب من الذنب كمن لا ذنب له".
واعلم أن ما حصل درس لنا جميعا، حتى لا نسيء الظن ولا نستعجل في الحكم على الأشياء والأشخاص حتى لا نقع في الإثم والندامة.
نسأل الله لك التوفيق والسداد.