أتمنى أن أشفى من الوسواس لكي يسلم قلبي وتتحسن أخلاقي.
2021-02-08 04:52:52 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم.
عندي وسواس في العقيدة، وتبعه الرهاب منذ أكثر من عشر سنوات، المشكلة عندي في تعاملي مع الأهل والناس، تأتيني أفكار بالغيرة، والحسد، وكره، وكبر، تبكيني وتؤثر على معاملاتي وأخلاقي، ولا أعرف هل أنا هكذا فعلا أم هي أفكاري السبب؟
لا أشعر أنني أستطيع إسعاد أحدهم أو تقديم الخير له، أشعر أنني فقط عالة على الآخرين، وأخاف كثيراً من أخلاقي أخشى أن تدخلني النار، وكل خوفي أن لا يكون قلبي سليماً، وكيف يسلم والأفكار تطاردني في كل وقت، ومعاملتي سيئة مع الناس أحياناً، هل سأحاسب على هذا رغم بكائي الشديد؟ وكيف أصل إلى الله رغم عدم القدرة علي الصبر، أو الرضا، أو التوكل وكل ما يغذي روحي بسبب كثرة الأفكار؟
أتمنى أن أصل إلى الله، وأن يسلم قلبي وتتحسن أخلاقي، ولا أعرف ما السبيل؟!
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Alaa حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أهلاً وسهلاُ بك أختي الغالية، ونشكر ثقتك بنا.
إن المشكلة التي تعانين منها هي الوسواس القهري، وهو اضطراب نفسي يكون على شكل تكرار وإلحاح إما لبعض الأفكار والخواطر، أو لبعض الأفعال، أو لبعض الكلمات تلح على المريض بتكرارها عليه وهو يعرف تماماً أن مضمونها خطأ، وليس لها معنى من الأساس، ولكن مشكلته مع تكرارها فيحاول أن يقاومها، وكلما قاومها كلما ازدادت أكثر، وبالتالي تسبّب له الضيق والقلق أكثر، وهذا سينعكس سلباً بلا شك على مشاعره وسلوكياته الحياتية في مختلف مجالاتها.
هناك أشكال كثيرة لاضطراب الوسواس القهري، واحد منها هو وسواس العقيدة والإيمان، وعلاج الوسواس هو نفسه على اختلاف أنواعه، وذلك وفقاً لدرجة شدته.
فالوسواس البسيط إلى المتوسط يحتاج علاجه إلى جلسات نفسية تحت ما يسمى بالعلاج السلوكي المعرفي، (والسلوكي أكثر).
أما الوسواس المتوسط إلى الشديد فيحتاج الى تناول العقار الطبي، وإلى أن تتحسن حالته فيبدأ بالعلاج النفسي من خلال الجلسات السلوكية المعرفية مع الأخصائي النفسي، وهذا التكامل بين نوعي العلاج الطبي والنفسي سيعود على المريض بالفائدة في اختصار الوقت بالتشافي.
ما أحاول قوله لك: أنه من الممكن جداً علاج مشكلتك، وأن تتخلصي من معاناتك وذلك من خلال تدريبك على "القضاء على إلحاح الفكرة"، فمريض الوسواس تكمن مشكلته في تكرار وإلحاح أفكاره، وليس في مضمون الأفكار نفسها.
وهذه المهارات تنقسم إلى ثلاث، وهي:
- مهارة قطع التفكير.
- مهارة عدم الاستجابة.
- مهارة صرف الانتباه بفعل أو موضوع محبب للمريض أكثر من محور الأفكار نفسها.
هذه المهارات من المهم جداً تدريبك عليها لعلاجك، وهذا سيقوم به الأخصائي النفسي، ولكن ببداية الأمر الخطوة الصحيحة التي أنصحك بها هو ذهابك لطبيب نفسي متمكّن؛ ليرى حالتك ومدى شدة الاضطراب لديك، ثم يقوم بالتشخيص الدقيق، ويرى إن كانت لديك حاجة لتناول الدواء في البداية أم أنك تستطيعين البدء مباشرة بالجلسات النفسية.
من الأخطاء التي يقع بها أغلب مرضى الوسواس هي:
- أنهم يقوموا بمحاولة تصحيح أفكارهم.
فجوهر المشكلة لديك "كما أخبرتك" هي في اقتحام الأفكار وتكرارها وإلحاحها عليك وليس في طبيعة مضمونها، وهذا ما يجعل العلاج السلوكي لها هو في التدرب على منع تلك الأفكار من اقتحام الشخص والدخول إلى ذهنه.
- مناقشة أفكارهم مع مَنْ حولهم أو مع أهل الدين (فيما يتعلق بوسواس المعتقدات)، فالحوار والأفكار الجديدة تبعثر المريض أكثر، والأصح هو التدريب على وسائل قطع التفكير، فالحوار يغذي المرض، وهذا ما يجعل التدريب على تلك المهارات الثلاثة مهماً جداً، فمهارة صرف الانتباه وقطع التفكير قد تؤدي في بادئ الأمر إلى رفع القلق عند المريض (هذا شيء طبيعي)، وهنا يتطلب العمل على استمرار قطع التفكير، وهذا أيضاً سيؤدي الى رفع القلق، ولكن بعد فترة سينخفض ذلك القلق بسبب كسر الرابط الشرطي بين الشعور بالراحة 'المؤقتة' وبين الخضوع لتلك الأفكار الملحة.
فالعلاج المعرفي السلوكي مثله مثل تعقيم الجرح، قد يسبب بعض الألم والحرقة في بادئ الأمر ولكنه سرعان ما يؤدي إلى تشافي الجرح مع الوقت.
- بعض المرضى بوسواس العقيدة أو الإيمان يصيبهم الإحساس بالذنب بسبب طبيعة الأفكار التي تأتيهم، ويلوم نفسه على أنه كافر أو عاصي، أو مذنب، وهذا شيء غير صحيح، فكون المريض يتضايق من وضعه ويحاول مقاومة حالته وأن يعالج نفسه، فهذا كله أجر له، فهو بمثابة أي مرض آخر يصيب الإنسان يصبر عليه ويسعى لعلاجه، وتذكّري الحديث الشريف الذي يقول، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له).
وأيضا هذا الحديث الشريف: (ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه ).
- أن يصبر المريض على حالته وعلى المرض دون أية خطوات عملية حقيقية، فالعمر يمضي، ويمضي للأسف بشكل سلبي على مريض الوسواس، فالوسواس لديه يؤثر على جوانب حياته (الدراسية/ الاجتماعية/ المهنية/ الزوجية) والسنوات تهرب منه بمتعتها، لذا أنصحك عزيزتي بالمسارعة بالذهاب إلى طبيب نفسي، فكلما استعجلت في الإقدام بأول خطوة، كلما سرّعت على نفسك وصولك لمرحلة التشافي ووفرت على نفسك تضييع المزيد من سنوات حياتك وشبابكِ.
لذا أكرر هنا أننا نعتمد في البرنامج العلاجي على تدريب المريض كيف يقاوم التكرار وليس كيف يقاوم الفكرة نفسها ويُصلحها.
من الأمور التي تعينك في معالجة مشكلتك هي:
- تدريب نفسك على الاسترخاء الذهني والجسدي، وأيضا على أساليب التعامل مع ضغوط الحياة بشكل إيجابي، فالشعور بالقلق غالباً ما يرتبط بظهور الوسواس وتأزمه، سواء القلق الناتج عن ضغوطات الحياة أو الناتج عن وجود استعداد داخلي مثل أن تكون نمط شخصية المريض قلقة أو وسواسية (وهي الشخصية المفرطة في اهتمامها بالتفاصيل) لذا من المفيد جدا أن تزيدي من معرفتك وقراءتك عن أساليب الاسترخاء، فالهدوء والاسترخاء يخفف من القلق (الذي يعتبر العامل الخفي وراء الوسواس) ويزيدك قوة في مقاومتك للوسواس.
أخيرا: أتمنى أن تكوني قد استفدت من إجابتي، وأتمنى فعلاً أن تأخذي العزم والقرار وتباشري القيام بالخطوة الأولى، فتأخيرك لمعالجة المشكلة قد يؤدي بك إلى مشاعر الكآبة وبالتالي إصابتك بالاكتئاب، هذا عدا أنك تضيعين أجمل سنوات عمرك.
فأنا متأكدة أن لديك من الطموحات والأهداف الخاصة بك التي تتمنين أن تحققيها في حياتك وأن تعيشيها كما تحبين، وإن معاناتك تُعوقك وتحرمك من أن تستشعري السعادة من حولك وأن تعيشي حياتك كما تستحقين، لذا أتمنى منك عزيزتي أن لا تسمحي للموضوع أن يأخذ من حياتك أكثر مما أخذ، وأن تبدئي بالخطوات الجدية لعلاج مشكلتك وأهم خطوة الآن هي ذهابك لطبيب نفسي متمكّن وخبير.
لا تترددي في مراسلتنا مُجدداً في أي وقت تشائين.
برعاية الله.