وقعت في كبيرة ثم تبت منها توبة صادقة، فهل سيبقى يلازمني إثمها؟
2025-01-28 22:44:28 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ارتكبت مرة واحدة في حياتي بعمر الشباب ومنذ زمن بعيد واحدة من أكبر الكبائر وأقبحها وأشنعها، والتي توعد الله صاحبها بأنه ملعون، ولا ينظر إليه يوم القيامة.
لقد تبت منذ زمن بعيد توبة صادقة خالصة لله وحده، ولم أعد إلى تلك الكبيرة، ولا إلى أصحابها، وأبغضتها وأبغضت أهلها، وأتبعتها بالأعمال الصالحة منذ ذلك اليوم، والتزمت بالصلاة، والصدقة، والنوافل، والاستغفار في كل صلاة وكل وقت، وفي كل دعاء أدعو الله أن يغفرها لي.
هل بعد التوبة يبقى وعيد الله علي في الآخرة من لعن، وبأنه لا ينظر إلي، مع التوبة الصادقة وتركي لتلك الكبيرة؟ وهل يحاسبني الله عليها أم أنها مُحيت من كتابي؟ وهل أعتبر بعد توبتي كمن لم يفعلها في حياته؟
هناك من يقول بأن الله لن يغفر لك هذا الإثم، ولن تدخل الجنة حتى بعد توبتك وقيامك بالأعمال الصالحة، فهل كلامهم صحيح، أم أن الله سيغفر لي وينظر لي يوم القيامة؟ وهل التوبة من الكبائر ترفع وجوب اللعن من الله على مرتكبها، حتى بعد توبته؟
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الرحمن حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبًا بك -ولدنا الحبيب- في استشارات إسلام ويب.
أولاً: نهنئك -أيها الحبيب- بتوفيق الله تعالى لك بالتوبة والإقلاع عن ذنبك، وهذا فضل الله تعالى عظيم مَنَّ به عليك، وخيرٌ ساقه إليك، فاشكر نعمة الله تعالى، وافرح به، وقد قال الله سبحانه وتعالى: (قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا)، ونسأل الله تعالى أن يثبتك على هذه التوبة.
ما دمت قد تبت -أيها الحبيب- التوبة الشرعية المستوفية لأركانها، وأركانها ثلاثة، وهي:
أولاً: الندم على فعل الذنب.
ثانيًا: العزم على عدم الرجوع إليه في المستقبل.
ثالثًا: الإقلاع عن الذنب، هذه في الذنوب التي بين الإنسان وبين الله تعالى وليس فيها حقوق لآدمي، فإذا كان هناك حقٌّ للآدمي أُضيفَ ركنٌ رابع، وهو التخلص من حق هذا الآدمي ما أمكن إلى ذلك بإعادته إليه.
من تاب -أيها الحبيب- تاب الله عليه، فقد أخبر الله تعالى في كتابه الكريم أنه يقبل التوبة، فقال: (وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون)، "ويعلم ما تفعلون" من إحداث توبة واستغفار، وطاعات وأعمال صالحة، وقال سبحانه: (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعًا إنه هو الغفور الرحيم وأنيبوا إلى ربكم..)، فكلُّ الذنوب يغفرها الله تعالى مهما عظمت، بما في ذلك الكفر بالله تعالى، وقد دعا الله تعالى أعداءه الذين يسبُّونه ويشتمونه ويكفرون به ويُقاتلون رسله، دعاهم إلى التوبة، بأنهم إن تابوا قبل توبتهم وغفر لهم.
لا يغيب عنك أن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أكثرهم كانوا كُفَّارًا عُبَّادًا للأصنام، قتلة للنفوس البريئة، ومع ذلك لمَّا تابوا تاب الله عليهم، فالتوبة يمحو الله تعالى بها الذنب الذي قبلها، وقد قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (التائب من الذنب كمن لا ذنب له)، والله تعالى وعد في آخر سورة الفرقان أن مَن تاب يُبدِّلُ الله سيئاته حسنات.
ليس مجرد محو الذنب، ولكن تتبدّل السيئات حسنات، فأحسن الظنّ بربّك أنه قبل توبتك، فهو يقبل التوبة، ولا يردّ عبده بعد أن يُقبل عليه ويأتي إليه تائبًا، وقد قال الله في الحديث القدسي: (أنا عند ظنّ عبدي بي، فليظُنّ بي ما شاء)، فظُنّ بالله تعالى خيرًا على أنه يغفر ذنبك ويقبل توبتك.
نسأل الله تعالى أن يوفقك لكل خير.