لم أحقق أحلامي رغم أني مجتهد ودرجاتي ممتازة!

2025-02-02 03:44:32 | إسلام ويب

السؤال:
السلام عليكم

أنا شاب، أدرس في الجامعة، لكن ليس في الاختصاص الذي كنت أود أن أدرسه للأسف، وهذا يثير عصبيتي، وأحياناً يصيبني باليأس، فهناك أشخاص في عمري وصلوا بسهولة لتحقيق كافة أحلامهم وأنا لا، علماً بأني مجتهد، وعلاماتي ممتازة في الاختصاص، ولو أني لم أكن أرغب به، لكن الله قدر أنه لم يكتب لي شيئاً جميلاً.

لا أصلي -أعترف-، وأقع في المعاصي أيضاً، وأعرف أنه لن يغفر لي، ولكن لا أقدر على فعل شيء سوى أنني أذكر الله، دموعي تنهمر في الكثير من الأوقات، لأني أحس أني وصلت لمرحلة مسدودة، أود معرفة هل الله يكتب كل شيء، وأنه يعلم أني سأصل إلى مرحلة معينة من الحياة، يعني هل سأصل رغم كل شيء إلى ما أوده؟

لماذا هناك أناس يصلون بطرق غير صحيحة كالواسطة أو ما شابه وأنا أتعب وأجتهد لأصل؟ لماذا الله جعل الحياة لهم سهلة؟ أسئلة كثيرة تتدفق برأسي، وأنا متأسف، ولكن أود كتابة كل شيء.

أوقات كثيرة وكثيرة جداً أقول إن انتحرت سأرتاح، لكن أعلم أني لن أرتاح بل سأعذب أكثر؛ لأني خالفت أمر الله، ولكن نظرتي للموت وللحياة الأبدية أننا سنعذب مهما كان، لا أستطيع أن أفهم لماذا أتينا إلى الحياة لنعذب ونرجع عند الموت نعذب؟ لماذا نحن خلقنا مثلاً عن عبث؟! فلتبق الحياة للأغنياء فقط، ولتبق الحياة لذوي النفوذ.

شكراً، وأتمنى الرد بشكل كاف، جزاكم الله خيراً.

الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Youssef حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك في الموقع، ونشكر لك طرح هذه الأفكار، ونتمنَّى أن تستمع لما يقال لك من النصائح والإرشادات، ونسأل الله أن يهديك لأحسن الأخلاق والأعمال، وأن يُعينك على السجود للكبير المتعال، سبحانه وتعالى فهو ذو الجلال.

أرجو أن تعلم أن هذا الكون ملْكٌ لله، ولن يحدث في كون الله إلَّا ما أراده الله، وأرجو أن تُوقن أن ما يُقدّره الله هو الخير، قال ربنا العظيم: (وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خيرٌ لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون).

ابننا الكريم: واهم مَن ظنَّ أن هذه الدنيا يرضى بها أحد، أو يبلغ منتهاه فيها أحد، كل الذين ذهبوا إلى المقابر لم يحققوا مقاصدهم؛ لأن الدنيا من أوّلها إلى آخرها

جُبلت على كدر وأنت تريدها **** صفوًا من الأقذاء والأكدار
ومكلّف الأيام فوق طباعها **** متطلبٌ في الماء جذوة نارٍ.

بلاد الازدهار والدخل المرتفع في الدنيا هي بلاد كثرة الانتحار، ونحن نملك أعظم نعمة، وهي نعمة الإيمان، التي تُورث الإنسان الرضا بقضاء الله وقدره؛ فالله تبارك وتعالى يُقدّرُ ما يشاء ويفعل ما يريد، ومَن رضيَ فله الرضا، ومن سخط فعليه السُّخط، و(عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحدٍ إلا للمؤمن، إن أصابته سرَّاء شكر فكان خيرًا له، أو أصابته ضرَّاء صبر فكان خيرًا له).

إذا فعل الإنسان الأسباب فعليه أن يرضى بما يُقدّره الوهّاب؛ لأن الذي يُقدّره الله هو الخير، قال عمر بن عبد العزيز: (كنا نرى سعادتنا في مواطن الأقدار) يعني في الذي يُقدّره الله، وقال الفاروق عمر: (لو كُشف الحجاب ما تمنَّى الناس إلَّا ما قُدّر لهم)، فالإنسان قد يتمنَّى الشيء لكن ليس من مصلحته، ولعلم ربنا العليم فإنه يحول بينه وبين ذلك الشيء، فكم من إنسان تمنَّى شيئًا ليكون موته على هذا الشيء، وهلاكه وخسارة الدنيا والآخرة في هذا الشيء الذي تمنّاه.

لذلك تكلّم الإمام ابن الجوزي عن أدب السلف، فقال: (كانوا يسألون الله، فإن أعطاهم شكروه، وإن لم يُعطهم كانوا بالمنع راضين، يرجع أحدهم بالملامة على نفسه فيقول: مثْلُك لا يُجاب، أو يقول: لعلّ المصلحة في ألَّا أُجاب)، وهذا يحمل على مراجعة تقصيره، فراجع علاقتك بالصلاة، وتقصيرك في جنب الله، وتقصيرك في طاعة الله، وعلِّم نفسك الرضا بقضاء الله وقدره، ولا تظنّ أن الحياة سهلة، حتى لو فرضنا أن الحياة سهلة فقد تكون فيما يُرى للناس يسعد فيها لُكع بن لكع، كافرٌ بالله، ويتعب فيها مؤمن، يجوع فيها نبي، كليمُ الله موسى يقول: (رب إني لما أنزلت إليَّ من خيرٍ فقير)، النبي -صلى الله عليه وسلم- ربط الحجارة على بطنه من الجوع؛ لأن الله لا يرضى الدنيا ثوابًا لأوليائه، ولا رضاها عقابًا لأعدائه، وهي جنّة الكافر، لكنها سجن المؤمن.

لذلك أرجو أن تنظر لهذه الأبعاد ولهذه الأمور، والذي لا ينظر بنظرة الإيمان فإنه يتعب نفسه، ولذلك فالحمد لله الذي أعطانا هذا الدّين، الذي يُبيِّن للإنسان معالم الطريق، ونحن ننصحك بما يلي:
- اللجوء إلى الله تبارك وتعالى.
- طلب العلم الشرعي والفهم الصحيح للدين عبر التواصل مع العلماء.
- الرضا بما يقدره الله تبارك وتعالى، واليقين بأنه لن يُصيبنا إلَّا ما كتب الله لنا.
- الثقة بأن ما يختاره الله لنا أفضل ممَّا نختاره لأنفسنا.
- التوبة إلى الله وحسن الظن به بأنه سيغفر لك، فالله حثنا على التوبة ووعدنا بقبولها فقال سبحانه: (وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى) وهو سبحانه مع ذلك يحب التوابين، ويبدل سيئاتهم حسنات، فافرح بتوبة الله ومغفرته ولا تقل لن يغفر الله لي، فمى سمى نفسه تواباً إلا ليتوب علينا، ولا غفوراً إلا ليغفر لنا.

من المهم أيضًا أن تتأدّب مع الله في ألفاظك التي تستخدمها، ولا تحاول أن تبكي وتسجن نفسك وتعاتبها، لكن عجّل بالتوبة والرجوع إلى الله، واعلم أن في الصلاة طمأنينة، فحافظ على الصلاة، التي كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: (أرحنا بها يا بلال)، فإذا ضاقت عليك الدنيا فاسجد لربك واسأله ممَّا عنده، فإن خزائنه ملأى، وبيده كل شيء، لا يغِيضُها نَفَقَةٌ، سحَّاءُ اللَّيْلَ والنهارَ، سبحانه وتعالى، وحذار من التمادي في هذه الأفكار؛ فإنها تُوصل إلى نهايات مظلمة، ولا تجلب لك إلَّا التعاسة والشقاء.

ابدأ إذًا بتوبة إلى الله نصوح، بتصحيح العلاقة بينك وبين الله تبارك وتعالى، بالرضا بما قدّر الله لك، وتأمل في قوله تعالى: (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً وهو العزيز الغفور)، واعلم أن الأُمّة بحاجة لكل التخصصات، إذا كانت علاماتك ودرجاتك و-لله الحمد- ممتازة فاحمد الله على هذه العلامات، واعلم أن الناجح يستطيع أن ينجح في أي مجال، والأُمّة بحاجة لكل التخصصات، لكنّها بحاجة لمتميز، بحاجة لمُبدع، بحاجة لمن يأتي بالجديد.

وتعوّذ بالله من شيطانٍ همُّه أن يُحزن أهل الإيمان، ولا تستجب لأي أفكارٍ سالبة تُؤذي فيها نفسك، أو تُؤذي فيها غيرك، وسعدنا أنك تخاف ممَّا يترتّب على الانتحار، وأنت مُحقٌّ في هذا، فإن المنتحر يخسر الدنيا والآخرة.

نسأل الله أن يردّك إلى الحق والخير والصواب.

www.islamweb.net