الغيرة، وكيفية تهذيبها
2025-03-10 02:07:14 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
تعرفت على شاب في الـ 19 من العمر، في مسجد، وكانت نيتنا الزواج، وبعد ثلاثة أشهر خطبني من أبي من دون والديه؛ لأنهم يسكنون في بلد آخر، وأنا في بلدي، فتعذر مجيئهم، وبقيت على هذا الحال معه إلى عام ونصف، ثم قال: إنه سيأتي لنتزوج، فرحت كثيراً، وقبل يومين من مجيئه قال: إن هناك أمراً سأقوله لك قبل زواجنا، فأخبرني أنه كان متزوجاً ثم طلق زوجته، ولديه ابنة عمرها سنتان، صدمت جداً بهذا الخبر الذي أخفاه عني عاماً ونصف، ولم أستطع تقبله؛ لأنني أحببته جداً، وأغار حتى من حياته القديمة!
جاءت والدته فقط، وخطبتني من أهلي، وفي نفس الأسبوع أتممنا العقد الشرعي والمدني، وأصبحنا زوجين، ولكن لم أذهب معه بسبب الأوراق، لا أستطيع دخول هذه الدولة إلا بها، وبكل صراحة أنا متضايقة من هذه الحكاية كثيراً؛ لأنني شديدة الغيرة، ولم أستطع تقبل أنه كان يعيش مع امرأة أخرى، حتى عندما تأتي ابنته إلى المنزل أغار كثيراً، تكاد الغيرة أن تقتلني، رغم أنني حنونة جداً، وأحب ابنته كثيراً، ولكني أغار؛ لأنني لست أنا من أنجبتها؛ فهي واسطة بين والديها، وستذكره دائماً بوالدتها، فكيف أتخطى هذه الغيرة؟ وكيف أنسى بأنه أخفى عني هذا الموضوع مدة تعارفنا كله حتى أحببته، وأصبحت لا أستطيع التخلي عنه، ثم أخبرني؟
لدي سؤال آخر: كيف أتقرب من الله -عز وجل- مثل الأتقياء والصالحين؛ لأنني -الحمد لله- أصلي وأحاول ألا أعصي ربي، ولكن أريد أن أكون شديدة الإيمان، فكيف أصل إلى هذه المرحلة من التوبة النصوح، وخاصة حب الله؟
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ نور حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فأهلاً بك -أختنا الفاضلة- في موقعك إسلام ويب، وإنه ليسرنا تواصلك معنا في أي وقت، وإنا نسأل الله أن يوفقك لكل خير، وأن يصرف عنك كل شر، وبعد:
دعينا نسألك الآن سؤالاً واضحاً أختنا الكريمة: لماذا وافقت على الزوج ابتداءً؟ هل كان التدين هو المعيار الحقيقي للقبول أم لا؟
ودعينا نقول لك بصراحة: إن أي زواج لا يكون المعيار الأصلي فيه هو التدين، فإن سلبياته ستكون وخيمة عليك وعليه، فهذا أول ما ينبغي التفكير فيه، فإذا كان الشاب المتقدم متديناً ومصلياً، وأخلاقه جيدة؛ فهذا اختيار موفق، ونسأل الله لكما التوفيق.
ثانياً: الخبر الذي حجبه عنك فترة طويلة من الزمن، هو خطأ ولا شك في ذلك، لكن لعل خشيته من فقدانك هي التي منعته الإخبار، وعذره هنا متفهم.
ثالثاً: الغيرة معناها تغير القلب، وهي لون من ألوان الهيجان الغضبي؛ بسبب الإحساس الداخلي بمشاركة الغير فيما هو حق لك، وهو في أصله فطرة، لكنه متى ما زاد انقلب عذاباً، واستحالت الحياة معه عناء وشقاء.
وما أنت فيه هو لون من ألوان الإفراط في الغيرة، وسبب هذا ما يلي:
1- الإفراط في التفكير، وترك وساوس الشيطان تعمل في عقلك.
2- افتراض أن هذا أحد حقوقك، مع أن الرجل تزوج المرأة من قبل أن يعرفك، والأصل في الغيرة أن يكون مشاركة الغير لحق من حقوقك، وهذا ليس من حقوقك، وتذكير النفس بذلك أمر مهم.
3- بعد الزوج عنك والغياب الطويل يولد كثرة التفكير، مع ما تعانين منه من إفراط في الغيرة، وهذا أمر يجب أن يواجه بالفكر والعقل قبل العاطفة، فقد قال معاوية -رضي الله عنه-: " ثلاث من خصال السؤدد: الصفح، واندماج البطن، وترك الإفراط في الغيرة".
رابعاً: إن معالجة الغيرة تلك تكمن فيما يلي:
1- إحياء الدور التديني عندك وعند زوجك؛ حتى يكون عاصماً لك من التفكير الزائد.
2- إحسان الظن بالغير.
3- عدم تتبع الأمور الصغيرة، وعدم السؤال عما كان من أمر المطلقة مع زوجك.
4- مواجهة الغيرة المذمومة، وعدم التهاون فيها أو الاسترسال معها؛ فالأب مع ابنته لا يجوز ولا يحل لك الحديث عن الغيرة؛ فهذا أبوها، وغيرتك هذه خارجة عن الفطرة والمنطق، وهي من وسائل الشيطان لهدم بيتك؛ فانتبهي لذلك!
5- الابتعاد عن الفراغ، وشغل أوقاتك بالعمل النافع، أو القراءة العلمية، أو العمل الدعوي، المهم أن يكون لك عمل تشغلين به أوقاتك.
6- كثرة دعاء الله -عز وجل- أن يذهب عنك هذا الإفراط في الغيرة.
خامساً: من الجميل أن يبحث الإنسان عن الأعمال التي تقربه من الله، ونحن نكتب لك بعضاً منها:
1- الصلاة على موعدها؛ في الحديث القدسي: (يقولُ اللَّهَ تبارك وتعالى: ما تقرَّبَ إليَّ عبدي بشيءٍ أفضل من أداء ما افترضتُ عليْهِ، وما يزالُ يتقرَّبُ عبدي إليَّ بالنَّوافلِ حتَّى أحبَّهُ، فإذا أحببتُهُ كنتُ سمعَهُ الَّذي يسمعُ بِهِ وبصرَهُ الَّذي يبصرُ بِهِ، ويدَهُ الَّتي يبطشُ بِها ولئن سألني لأعطينَّهُ ولئنِ دعاني لأجيبنه ولئن استعاذَني لأعيذنَّهُ).
2- الحرص على النوافل في الصلاة وغيرها.
3- كثرة ذكر الله على كل حال، وأفضل الذكر قراءة القرآن؛ لذا ينبغي أن يكون لك وردٌ دائمٌ من قراءة القرآن، كما نوصيك بأذكار الصباح والمساء والنوم.
4- تعلم بعض العلوم الشرعية؛ فإن أشد الناس خشية لله هم أهل العلم، ويمكنك الاستماع على موقعنا لدروس علمية لمشايخ كبار، يمكنك ذلك وأنت في بيتك، وهذا من توفيق الله تعالى.
5- الصحبة الصالحة التي تحثك على طاعة الله ومرضاته.
6- الخلوة كل ليلة قبل النوم ولو بركعتين.
7- الابتعاد عن المعاصي، والاجتهاد في فعل ما يرضي الله، وإن تعثرت خطاك فالمبادرة إلى التوبة فوراً، والعزم على عدم العودة.
هذا هو الطريق -أختنا- ونسأل الله أن يحفظك من كل مكروه، والله الموفق.