لدي رغبة شديدة في العودة لذنوبي..فكيف أتوب؟

2025-03-12 03:00:33 | إسلام ويب

السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

لقد أذنبت كثيرًا، إذ كنت أقرأ أشياء مخلة، وكلما تبت عدت إليها، وهذه المرة لم أصم رمضان بالشكل الصحيح، بل مضى وكأنه أيام عادية، وتطور ذنبي إلى أمور أشد سوءًا، كالسماع لما لا يجوز، فكنت في غفلة، وكأن جسمي ليس بيدي، أعلم أنني مخطئة، ولكن كلما حاولت اتخاذ خطوة جديدة لا أستطيع، فأسمع صوت التأنيب ولا أتحرك، أو أشعر برجفان في قلبي أو ضميري، وكأنني في حالة شلل، وشهواتي تسيرني كيفما تشاء.

أخبرتني أمي أكثر من مرة أن ما أنا فيه هو غضب من الله، لكنني لم أتحرك من مكاني، بل ازددت تهاونًا، حدث شجار بيني وبين أمي، فخاصمتني وغضبت مني، وليس لهذا السبب فقط، بل بسبب تعلقي بالهاتف والحاسوب، فهي لا تعلم أن ما كنت أفعله كان على الحاسوب والهاتف، بل تظن أنني أعمل، لكن اتضح لها أنني أستخدمها في أمور تافهة لا علم لها بها، شعرت بالخجل وصحوت من غفلتي، وقررت التوبة لكن ما زلت أشعر بالتردد.

لدي رغبة شديدة في العودة إلى ذنوبي، ولا يوجد نفور منها، كأنني لم أندم، وكأن ندمي مزيف أو به نفاق، ما زالت نفسي متعلقة بهذه المواقع، حتى المحتوى العفيف منها، فهل من الطبيعي أن أشعر بالتردد في تركها، لأنني الآن فقط أنكرت ذنبي، فلست آلة يمكنني محو تصرفاتي، بل علي التخلص منها تدريجيًا، أو التعود على بعدها تدريجيًا، وهذا هو شيطاني وليست رغبتي الحقيقية في التغيير؟ وأشعر بأني بعد أسبوعين سوف تفتر همتي، ولا أدري ماذا أفعل!

أخيرًا: هل روتين الإنسان الخاطئ خلال اليوم يشعر الإنسان بالتوتر، فينجذب لما كان يفعل حتى يبعد هذا التوتر، مثل النوم صباحًا؟

الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Mario حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -أختنا الكريمة- في استشارات إسلام ويب.

أولًا: نهنئك بفضل الله تعالى عليك ورحمته بك حين غرس في قلبك حُبّ التوبة، وجعلك تُفِيقين من الغفلة التي كنت تعيشينها، وهذا فضلٌ عظيمٌ من الله تعالى، وعلامة -إن شاء الله- على أن الله تعالى يُريدُ بك الخير، ولكننا ندعوك إلى المبادرة والمسارعة إلى تحقيق هذه التوبة وإنجازها، وألَّا تنخدعي بخدع الشيطان وحيله وألاعيبه بالتسويف والتأخير؛ فإن التوبة فريضة، ويجب عليك أن تُبادري إليها، امتثالًا قول الله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا} [التحريم: 8]، وبقوله: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور: 31].

فالسعادة والفلاح والحياة الطيبة إنما تتحقق في ظلّ التوبة، والتوبة أمرُها سهلٌ يسيرٌ -بإذن الله-، وإذا علم الله منك صدق التوجُّه إليه فإنه سيُعينك عليها على أكمل الوجوه وأتمّها.

والتوبة تعني: الندم على فعل الذنب، والندم إنما يصنعه في القلب الشعور والعلم بأن الإنسان سيحاسب على عمله، وسيُجازى على سيئاته، وأن الله تعالى بالمرصاد، وأننا سائرون إليه سبحانه وتعالى، وسنقف بين يديه للحساب، فإذا قوي الإيمان في قلب الإنسان فحينها يشعر بالندامة، ويتألّم القلب بسبب فعل الذنب.

ولكن الرغبة في إتيان الذنب وشهوة النفس له والميل إليه؛ هذا لا يعني أن التوبة غير صحيحة، بل ستُؤجرين أجرًا مضاعفًا -إن شاء الله- بمجاهدتك لنفسك، ومنعها ممَّا تدعوكِ إليها ومن شهواتها المحرّمة، فاحذري أن يدخل الشيطان عليك من هذا الباب ويُوهمك بأن التوبة في حقك ليست متحققة أو مستحيلة؛ بحجّة أنك لم تندمي، ومجرد شعورك هذا الذي كتبته في سطور هذه الاستشارة يوحي بأنك ناقمة على الحال السابق، وغير راضية به، وهذا من التوبة، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقك لإكمالها.

ومن أركان التوبة: العزم في القلب على عدم الرجوع إلى الذنب في المستقبل، بأن تعزمي في قلبك ألَّا تعودي إلى الذنب، واستعيني بالله سبحانه وتعالى على تحقيق هذا العزم.

والركن الثالث في التوبة هو: الإقلاع عن الذنوب في الوقت الحاضر، عن الذنب الذي تتوبين منه، هجره وتركه في الوقت الحاضر.

وإذا تاب الإنسان هذه التوبة فإن الله تعالى يمحو بها ذنبه السابق، بل ويُبدّل سيئاته حسنات، كما وعد الله تعالى في كتابه الكريم بقوله: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الفرقان: 70].

فندعوك مُجدّدًا إلى المبادرة والمسارعة إلى هذه التوبة، وأن تأخذي بالأسباب التي تُثبتك على هذه التوبة، وأهمُّها وأوَّلُها: اللجوء إلى الله بصدق في الدعاء أن يثبتك على الخير، ومن أهمِّها أيضًا: الاستعانة بالرُّفقة الصالحة، فحاولي أن تتعرّفي على الفتيات الطيبات والنساء الصالحات، وتُكثري من مجالستهنَّ والتواصل معهنَّ، ومن الأسباب أيضًا: ألَّا تستعملي هذه الأجهزة بمفردك، وحاولي ألَّا تستعمليها إلَّا بقدر الحاجة بحضور آخرين.

حافظي على فرائض الله تعالى، وأكثري من ذكر الله، وستجدين أن أحوالك كلها تتغيّر وتتبدّل.

وأمَّا ما سألت عنه بشأن الروتين الخطأ، فنعم، النفس طبيعتها كذلك، إن لم يشغلها الإنسان بالحق والخير توجَّهت هي للاشتغال بالباطل، فحاولي أن تملئي وقتك وترتّبي الأوقات بما ينفعك ويفيدك في دينك ودنياك.

نسأل الله تعالى أن يوفقك لكل خير.

www.islamweb.net