أشعر أني سأنفجر بسبب ظلم أمي وقسوتها!
2025-03-17 03:51:07 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم.
أمي قاسية عليّ جدًا، تبدو وكأنها تستمتع برؤيتي حزينة. لديها حساسية شديدة تجاه سعادتي، لدرجة أنه عندما تراني سعيدة، تبدأ في البحث عن أي شيء ليكون سببًا لمشكلة في البيت، فينقلب البيت كله عليّ، وأتعرض للضرب منها ومن أبي، حتى أختي الأصغر مني تشتمُني، وأمي لا تمنعها!
شخصيتها عصبية جدًا، وصعبة الإرضاء، حتى إخوتها يقولون ذلك عنها، حاولت أكثر من مرة أن أكون قريبة منها وأكسب ودّها، لكنها ترفض، وتعتبر ذلك إهانة، وتقول لي: هل تعتقدين أني صديقتك!
ليس ذلك فحسب، بل إنها تشعر بالضيق عندما ترى والدي يحنو عليّ، وتقول لي كلاماً قاسياً، تُعاندني دون سبب واضح، وعندما أسألها عن السبب، لا يكون لديها ردّ منطقي. حاولت كثيرًا أن أصالحها، لكنها دائمًا مصرة على معاندتي.
كانت أغلب أيامي في المدرسة تنتهي ببكائي، بسبب أشياء تافهة، مثل إصرارها على أن أرتدي بدلة المدرسة رغم عدمي ارتدائي لها منذ فترة، ومنعي من ارتداء الجاكيت في الجو البارد، بينما إخوتي يرتدونه، فقط لإغاظتي!
الجميع يقولون عني إنني عاقّة، لكنني لا أعرف أين المشكلة، هل الخطأ مني أم منها؟ أنا فتاة متفوقة دراسيًا، ودخلت كلية الطب فقط لإرضائها، لكنها لا تُقدّر ذلك، بل تُهينني، وقد تضربني أمام الأقارب، ثم تتظاهر بأنها المظلومة، وإنني أنا المخطئة!
تعاملها مع إخوتي الأصغر مني ليس بهذه القسوة، لا أقول إنها حنونة عليهم جدًا، لكنها على الأقل تضحك وتمزح معهم، أما معي، فلم تفعل ذلك أبدًا.
تعبت نفسيًا من هذا الوضع، وعندما تبدأ في افتعال المشاكل معي، أشعر برغبة في الانفجار من شدة ظلمها وقسوتها! أريد حلًا منطقيًا، وهل يمكن أن تكون تعاني من مشكلة نفسية؟
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أروى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أهلاً بك -أختنا الفاضلة- في موقعك إسلام ويب، ونحن سعداء بتفوقك في كلية الطب، ونرجو الله غداً أن تكوني طبيبة ماهرة ينتفع بك المسلمون، وتربحين الأجر من الله على ذلك.
أختنا: قد سألت سؤالاً جيداً حين قلت: أريد أن أعلم أين المشكلة، مني أم منها؟ ثم ذكرت: أريد حلاً منطقياً؟
هذا يقودنا -أيتها الفاضلة- إلى تقعيد قواعد لا نختلف عليها، ثم الانطلاق منها انطلاقاً منطقياً.
القاعدة الأولى: محبة الأم لابنتها فطرة فطرها الله عليها، لا تملك هي -أي الأم- منها شيئاً، هذه الأمومة لا تنتزع من قلب الأمهات أبداً، تلك فطرة قاضية.
القاعدة الثانية: إنه ما من أحد أمنّ على أحد كالأم على ابنتها؛ فهي من بذلت وضحت وحملت وعانت في ذلك أشد المعاناة؛ لذا لم يوصها الله عليك في كتابه، بل أوصاك أنت بها، قال الله: (وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ)، وقوله سبحانه: (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ) أي: مشقة على مشقة، فلا تزال تلاقي المشاق، بداية من الوحم، والمرض، والضعف، والثقل، وتغير الحال، ثم وجع الولادة، ذلك الوجع الشديد الذي هو شبيه الموت، ولا يعرف شدته إلا من قاساه من الأمهات، ثم قال الله: (فِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ) وهو ملازم لحضانة أمه وكفالتها ورضاعها، ولا يكاد أن يستغني عنه في سائر أحواله، هذه المعاناة وحدها كفيلة أن تكون البنت أسيرة أمها حتى الممات، وغداً ستدركين ذلك حين تكونين أماً -أختنا الكريمة-.
ثالثاً: نحن نصدقك في شعورك، ونقر لك ولغيرك من بنات جيلك بأن الآباء ليسوا أهل عصمة، هناك أخطاء تربوية قد تحدث من الآباء، بعضها له أسباب منطقية جهلها الابن أو علمها، وبعضها لا أسباب منطقية لها، ولكنها ضغوط اجتماعية تدفع أحد الوالدين إلى غضب غير مبرر أمام أولاده، وأحياناً أمور نفسية، لكن هذه الأخطاء لا تحجب الثوابت الفطرية الحاكمة بأن حب الأم لابنتها حب فطري لا يمكن تبديله، لكنه يزيد وينقص بالإهمال أو الرعاية.
رابعاً: إذا ما اتفقنا على ما مضى -أختنا الكريمة- فإن الشعور بأن الوالدة تعشق رؤيتك حزينة هو حكم مبالغ فيه، ضخم الشيطان بعض الأخطاء وفسر بعض الأحداث بناء على ذلك، وكرر في ذاكرتك هذا الحكم حتى تقرر عندك ببعض الشواهد من هنا وهناك، وهذا صنيع الشيطان دائماً.
خامساً: أمر آخر لا بد كذلك أن يكون واضحا، أن بر البنت بأمها ليس معاوضة، بمعنى أن الله لم يأمر بطاعة الوالدين متى ما أحسنا فقط! بل طاعتهما وبرهما واجب وإن أساءا، وواجب رعايتهما والتودد لهما وإن وقع منهما الخطأ، وطاعتهما في غير معصية فرض حتمي، ولن تسألي يوم القيامة عن أخطاء لم تفعليها، وجرائم لم ترتكبيها، إنما ستحاسبين فقط على ما كان واجباً عليك، وقصرت فيه.
سادساً: إننا نرى -أختنا- بعد هذه المقدمات أن المشكلة الرئيسة في نظرتك للوالدة، وما استقر في خلدك من كونها تحب إغضابك أو لا تحب رؤيتك سعيدة، هذه المحكمة متى ما تخلصت منها ستزول نصف المشكلة تقريباً.
والنصف الآخر سيصلح -إن شاء الله- بحسن عشرتك لها، مع الصبر على ذلك، وتفسير الأحداث وفق قانون الأمومة، لا وفق المحكمات السابقة، وستكتشفين أخطاء متفهمة وأخرى غير متفهمة لديك، لكن ستدركين بعد وقت ما أنها كانت -كما ذكرنا لك- ضغوطاً عليها، فالخطأ منها وارد، لكن يستحيل أن يكون فيه تعمد الإساءة إليك قط، فلا أحد قط يحبك كحبها لك، ثقي في ذلك، وسلي كل من فقدت والدتها ستخبرك بما فقدت برحيلها.
سابعاً: إننا نود منك أن تشتري جنة عرضها السماوات والأرض ببرك لها وإن أخطات، اجتهدي في برها والتودد إليها؛ فهي أحد أبوابك إلى الجنة، وبهذا تربحين أنت رضا مولاك عليك، وأنت فيما يبدو عليك فتاة متدينة تخافين الله وتريدين جنته، فالله الله في برها، فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: نمت، فرأيتني في الجنة، فسمعت صوت قارئ يقرأ، فقلت: من هذا؟ قالوا: هذا حارثة بن النعمان، فقال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "كذاك البر، كذاك البر"، وكان أبر الناس بأمه.
قيل للتابعي الجليل الإمام الحسن البصري: ما البر؟ قال: الحب والبذل، قيل: وما العقوق؟ قال: أن تهجرهما وتحرمهما، ثم قال الحسن: النظر إلى وجه الأم عبادة، فكيف برها!
ثامناً: العقل تابع للعاطفة سلباً وإيجاباً، فكلما أكثرت من تذكر السلبيات انعكس ذلك عليك ضيقاً وهماً وغماً وكرهاً، والعكس بالعكس؛ لذا ندعوك إلى تذكر كل إيجابية مرت عليك، وتجاهل السلبيات إما بالتبرير المنطقي أو التجاهل، واجتهدي في برها، بل ندعوك -أختنا- أن تذهبي لوالدتك بودٍّ صافٍ وعقلٍ مُتفتح، وأن تُحدِّثيها بحب، وستجدين الخير من وراء ذلك إذا ما صبرت على هذا الطريق، وتذكري أنها فاكهة منصرفة، فاستغلي وجودها بين يديك، واغتنمي مرضاة الله ببرها.
نسأل الله أن يحفظك وأن يرعاك والله الموفق.