أشعر أن أهلي يستغلوني مادياً..فكيف أتعامل معهم؟

2025-04-21 00:08:10 | إسلام ويب

السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا عزباء -والحمد لله- موظفة، وأنفق على والديّ دون تقصير، كنت أمتلك سيارة، وقلت لوالديّ: سأترك لكم هذه السيارة لتنتفعوا منها، وسأشتري أخرى جديدة تعينني على بُعد المسافة بين المنزل والعمل، لكن والدي أرادني أن أتحمل نفقات السيارة التي أعطيتهم إياها، من بنزين وصيانة وترخيص، الأمر الذي يُرهقني ماديًا، فلا طاقة لي بتحمُّل عبء سيارتين، وحين رفضت ذلك، أصرّ على بيعها حتى لا يضطر للإنفاق عليها من ماله.

وافقت على بيعها، وقلت له: نعم، نبيعها، لكن سيارتي الجديدة لن أجعلها مشاعًا لبيت العائلة، ولا لاستعمالك أو استعمال إخوتي، والسبب أن هذه السيارة وسيلتي للاستعانة بها على عملي بعد الله.

لدي ثلاثة إخوة متزوجون، يعيشون في منازل فوق منزلنا، ومنهم من يستطيع شراء سيارة، لكنهم جميعاً يعتمدون عليّ وحدي في الإنفاق على بيت العائلة، وعلى العلاج، دون أن يُساهموا بأي مصروف شهري قطّ.

أقول لنفسي دائمًا: هذا اصطفاء من الله لي، لكني بدأت أشعر بأنني أُستغَلّ، حتى من والديّ، وهذا شعور سيئ جدًا.

أنا الآن في الأربعين من عمري، وأعمل منذ ثمانية عشر عامًا، وما زلت على هذا الحال، لم أقصّر مع والديّ قط؛ فقد أخذتهما إلى العمرة على نفقتي ستّ مرات، وأقوم بالعقيقة عنهما، وجلب الهدايا، وذبح الأضاحي، لا أذكر هذا منًّا أو أذًى، فأنا شخص مجهول لكم، وكل ما أحتاجه هو التوجيه للصواب.

سؤالي الآن: هل أنا عاقّة لعدم سماحي لوالدي باستخدام سيارتي الجديدة؟ علمًا أنه ارتكب حادثين بسيارتي السابقة، ولم يتكفّل بإصلاحها، وكان يُهملها ولا يعتني بها، وهذا كان يُؤلمني كثيرًا، وهو صار اليوم بعد بيعه لقطعة من الأرض يملك المال، ومع ذلك لا يزال الإنفاق يقع عليّ كما كان، دون تقصير مني، وفي كل مرة يقول إنه سيشتري سيارة لحاجة البيت.

أنا أشعر بتأنيب الضمير، لأني أرفض أن يستخدم سيارتي في قضاء الحوائج أو الزيارات، كما كان معتادًا في العيدين، والله يشهد بأني إذا علمت أنه اشتهى شيئًا، بادرت لشرائه دون بُخل، لكنني أرفض تمامًا أن يستعمل سيارتي، وهنا منشأ تأنيب الضمير، إذ أشعر أن هذا يُنقص من أجر البرّ.

عند ذهابنا إلى الحج هذا العام، كان والدي يملك المال، فدفع عن نفسه وعن والدتي، وقلت له إنني أتكفّل بتكاليفي، ولكن، حين احتجت لشراء خط هاتف، ذهب مع جارٍ له لشرائه، ولم يدفع ثمنه عني، بل أخبرني الجار بذلك، فأعطيته المبلغ، وشعرت حينها وكأنني تلقيت طعنة في صدري، وبكيت.

منذ ذلك الحين، أشعر بفتور في محبتي لوالدي، وأجاهد نفسي في تحرّي رضاه، ولم تكن هذه أول مرة يتنصل فيها عن دفع المال عني، فهل أنا عاقّة؟

الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ورد حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أختنا الكريمة: نقدر لك مشاركتك لمشاعرك وتجاربك الصعبة، من المهم أن تتذكري أن البر بالوالدين هو من أعظم الطاعات في الإسلام، ولكنه لا يعني أن تتجاهلي حقوقك واحتياجاتك الشخصية.

فيما يخص سؤالك حول ما إذا كنت عاقة بعدم السماح لوالدك باستخدام سيارتك الجديدة، من الضروري فهم النقاط التالية:

1. لا بد من التوازن بين البر بالوالدين وحفظ حقوقك، تُشجّع العناية بالوالدين والإحسان إليهما، ولكن لا يعني ذلك التضحية بكل شيء على حساب راحتك الشخصية، وصحتك النفسية والمادية، أنت تعملين بجد وتتحملين مسؤوليات كبيرة، وليس من المعقول أن تتحملي أعباء إضافية تجعلك تشعرين بالإرهاق والاستغلال.

2. لديك الحق في استخدام سيارتك الخاصة للوصول إلى عملك بسهولة ودون ضغط إضافي، وهذا مبناه على سؤال: هل يجوز للوالد أن يأخذ مال ابنه إذا كان غير محتاج؟ جمهور الفقهاء على أنه لا يجوز للوالد المكتفي أن يأخذ من مال ابنه، هذا إذا كان ذكرًا، فما بالك إذا كانت أنثى، فهي أكثر حاجة من الابن، وأكثر حرجًا في جانب الأب، يمكنك مراجعة هذه الفتوى في موقع إسلام ويب برقم: (411157).

3. من العدل أن تتحمل العائلة بشكل جماعي المسؤوليات المالية ولا تُلقى على فرد واحد فقط، إذا كان إخوتك متزوجين ويستطيعون المساهمة، فمن العدل أن يشاركوا في الإنفاق على بيت العائلة.

4. من خلال كلامك، يظهر أنك لم تقصري أبداً في حق والديك، بل وكنت دائماً تسعين لإسعادهما وتلبية احتياجاتهما، وهذا يظهر مدى برك وإحسانك.

في ضوء ذلك، لا نرى أنك عاقة بعدم السماح لوالدك باستخدام سيارتك الجديدة، خاصة إذا كان ذلك سيؤثر سلباً على راحتك ومواردك، ويؤدي إلى الضرر بك بحصول الحوادث، لكن يمكن أن تحاولي توضيح موقفك بهدوء واحترام، مبينةً أنك ترغبين في الحفاظ على سيارتك لأغراض العمل، وأنه يمكن البحث عن حلول أخرى لمساعدة والدك، مثل شراء سيارة جديدة من المال المتوفر لديه، أو مشاركة إخوتك في هذه المسؤولية.

تذكري قول الله تعالى: "وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا۟ إِلَّآ إِيَّاهُ وَبِٱلْوَٰلِدَيْنِ إِحْسَٰنًۭا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ ٱلْكِبَرَ أَحَدُهُمَآ أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّۢ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًۭا كَرِيمًۭا" (الإسراء: 23).

ينبغي أن ننوه إلى الإشكالية الأساسية عندك، وهي الخلل في إدارة علاقاتك مع والديك، وهذه بعض النصائح في هذا الجانب:

1. من المهم أن يكون هناك حوار مفتوح وصريح بينك وبين والديك، يمكنك التعبير عن مشاعرك واحتياجاتك بوضوح دون أن تكوني عدائية أو محبطة.

2. حددي ما تستطيعين تقديمه وما لا تستطيعين، وكوني صادقة مع نفسك ومع والديك بشأن ذلك، على سبيل المثال، يمكنك قول: "أحب أن أساعدكم، لكن لا أستطيع تحمل تكاليف سيارتين".

3. ابحثي عن حلول وسط تلبي احتياجات الجميع، ربما يمكن اقتراح تقاسم المسؤوليات بين الإخوة، أو وضع خطة مشتركة لتلبية احتياجات الأسرة.

4. حافظي على استقلالك المالي بقدر الإمكان، كوني على وعي بمصروفاتك، وضعي ميزانية تضمن لك تغطية احتياجاتك الأساسية قبل التفكير في الالتزامات الأخرى.

5. شجعي إخوتك على تحمل مسؤولياتهم، والمساهمة في رعاية الوالدين، يمكن أن يكون ذلك من خلال تقاسم التكاليف، أو تقديم الدعم المادي والمعنوي.

6. تذكري أن احترامك لذاتك وحدودك يعزز قدرتك على تقديم الدعم والمحبة للآخرين بشكل صحي، إذا كنت تشعرين بالاستغلال، فهذا مؤشر على ضرورة إعادة تقييم الوضع، واتخاذ خطوات مناسبة.

7. قد تتطلب الحياة أحيانًا المرونة والتكيف مع الظروف المتغيرة، كوني مستعدة لتعديل حدودك بناءً على المواقف، ولكن دائمًا ضمن إطار يحفظ راحتك وكرامتك.

8. تذكري أن الرفق واللين في التعامل مع الوالدين هو من صفات البر، حتى عند وضع الحدود، كوني لطيفة وحنونة.

9. تذكري أن الوالدين قد يتصرفان تصرفات لا ينتبهون لها، ولا يقصدونها، رغم أنها قد تكون مؤذية للأبناء؛ لذلك لا تقفي عندها طويلاً، مثل "موقف شراء خط الهاتف".

10. الشيطان قعد بأطرق ابن آدم كلها، حتى يصده ويخذله عن فعل الطاعة، بأكثر من أسلوب، ومنها أسلوب التحزين كما قال سبحانه وتعالى عنه: (ليحزن الذين آمنوا) لذلك لا تطيلي التفكير في هذا الموضوع، وذكري نفسك دائماً برضا الله عنك بسبب برك، وإنفاقك على والديك.

من خلال تطبيق هذه النصائح، يمكنك إيجاد توازن صحي بين تلبية احتياجاتك الشخصية، وبر والديك بشكل يرضي الله ويحافظ على علاقات أسرية صحية.

من المهم أن تهتمي بنفسك، وتبحثي عن الدعم النفسي إذا شعرت بالضغط أو الإرهاق، يمكنك الاستفادة من الاستشارات النفسية لتفريغ مشاعرك، وإيجاد طرق فعالة لإدارة الضغط النفسي.

نسأل الله أن يوفقك، ويسدد خطاك، وأن يرزقك بر والديك، وبركة في حياتك.

www.islamweb.net