ما سبب الصور التي أراها بدون تخيل، وهل هي بسبب المس؟
2024-11-12 00:39:34 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم.
مشكلتي تكمن في أنني منذ عام وأنا أعاني من كثرة الاحتلام، فقد أصبحت أستحم كل يوم، وأغسل ثيابي وفراشي كل يوم.
ثم تطور الأمر من الاحتلام إلى أن أصبحت أرى صورًا أمام عيني بدون إرادة مني، وأن أحدًا يمارس الفاحشة معي، أو يضع جسده على جسدي، وخاصةً على المناطق الحساسة، وكلهم جيران أو معارف، ولا أعرف لماذا تأتيني تلك التهيؤات أو التخيلات، مع أنني لا أتخيلها، بل تأتي فجأةً أمام عيني.
أصبحت أستحم في اليوم أكثر من عشر مرات، وكلما قرأت القرآن تأتي تلك الصور أمام عيني أكثر.
كما أنني تعبت مرةً من الاستحمام، وحاولت مقاومة الشعور بالاستحمام، فجاءني صوت في عقلي يقول: بأنه إذا لم أستحم سيموت قطي، وفعلاً مات، أرجوكم أفيدوني؛ فأنا أريد أن أصلي، ولكني لا أستطيع.
علمًا بأني لا أشاهد الإباحيات، وأبتعد عن كل شيء حرام، ولكن مشكلتي في تلك الصور.
كما أن والدتي قامت بتصفيحي عندما كنت صغيرةً، وأخاف أن يكون قد تحول إلى مس عاشق، لقد تعبت، وأتمنى الموت من تلك الصور التي تأتيني بدون إرادة مني، سواءً عند الدراسة، أو الصلاة، أو حتى عند الخروج من المنزل.
أرجو أن تفيدوني في أقرب وقت؛ لأني حقًا تعبت.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ نور حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نرحب بك -أختنا الفاضلة- عبر استشارات إسلام ويب، ونشكر لك تواصلك معنا بهذا السؤال، داعيًا الله تعالى أن يخفف عنك ما تعانين منه.
إن ما تعانين منه -أختنا الفاضلة- هو وسواس قهري، وهو أحد الاضطرابات النفسية التي يمكن أن تصيب الإنسان؛ حيث يمكن أن تأتيه أفكار أو خيالات، أو صور، كما هي الحالة عندك، والتي غالبًا قد يكون لها علاقة بالدين من ناحية الصلاة والوضوء، وغيرها، وأحيانًا -وهذا الذي يبدو أنه عندك- لها طابع جنسي كما وصفت في سؤالك.
وهذا نسميه بالوسواس القهري؛ أي أنها أفكار، وخيالات، وصور قهرية تأتي رغمًا عنك، أنت لا تريدينها، بل تحاولين دفعها، إلا أنها تأتيك، وكما ذكرت: فجأةً هكذا! ويمكن لهذه الأفكار القهرية أن تطلب منك أن تقومي بشيء كالاستحمام، مهددةً لك بأنك إن لم تفعلي وتستجيبي فسيحصل كذا، وكذا، كما هو الحال عندما سمعت صوتًا يقول لك أنك إن لم تستحمي فسيموت القط!
كل هذه الأشياء التي وصفتها بشكل جيد في سؤالك هي من أعراض هذا الوسواس القهري، ودعيني أذكر لك أن هذه الأفكار الوسواسية القهرية ليست دليلاً على ضعف إيمانك، أو على سوء خلقك، بل بالعكس هي مؤشر على أنك فتاة صالحة، تحبين الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، وتحبين المداومة على الصلاة والعبادة، إلا أن الوسواس القهري كالذي عندك يأتي على الإنسان بأعز ما هو عنده، فإذا كان خلوقًا متدينًا، فقد تأتيه الأفكار القهرية في صلب ما هو محبب إلى نفسه من الصلاح، وحسن الخلق، والعبادة.
أختي الفاضلة: كي لا تطول معاناتك، أنصحك بألا تترددي أو تتأخري في أخذ موعد مع العيادة النفسية؛ ليقوم الطبيب أو الطبيبة بفحص الحالة العقلية أو النفسية، ومن ثم وضع التشخيص المناسب، والذي لا أشك أنه الوسواس القهري، ولكن سيشرحون لك الخطة العلاجية، والتي يجب أن تتضمن العلاج الدوائي؛ حيث أصبح ممكنًا تخفيف كل هذه الأعراض عن طريق العلاج.
ومذكرًا نفسي وإياك بتوجيه النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "تداووا عباد الله". وإن هذا كما هو ينطبق على الأمراض البدنية، فإنه أيضاً ينطبق على الأمراض النفسية، كالوسواس القهري.
أسأل الله تعالى أن يشرح صدرك، وييسر أمرك، وأن يكتب لك تمام الصحة والسلامة، لتتخلصي من هذه الخيالات القهرية.
______________________________________
انتهت إجابة الدكتور/ مأمون مبيض -استشاري الطب النفسي-،
وتليها إجابة الشيخ الدكتور/ أحمد المحمدي -المستشار التربوي-.
______________________________________
أهلاً بك في موقعك إسلام ويب، وإنا نسأل الله أن يبارك فيك، وأن يحفظك، وأن يقدر لك الخير حيث كان، وأن يرضيك به، وبعد:
ما تحدثت عنه أمر متفهم، ولست وحدك المصابة بهذا النوع من الوسواس، ولن تكون الأخيرة؛ لأنها قصة صراع بين الشيطان والإنسان، وهي معركة بين الحق والباطل، والله أمرنا باتخاذ الشيطان عدوًا، وبين لنا أن عداوته باقية ومتنوعة؛ قال تعالى: (إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوًا)، وعليه فأول ما عليك الوعي به أنك لست غريبةً، أو عاصيةً، أو غير ذلك من المثالب التي يحاول الشيطان إيهامك بها.
ثانيًا: من وسائل الشيطان في تحزين ابن آدم، وخاصةً في مثل عمرك، هو إثارة شهوتك عن طريق تخيلات يزرعها فيك، ويريك إياها في المنام، وهذا ما حدث معك، لكن الأمر تطور؛ لوجود الوسواس القهري، وعليه فلا بد من التفرقة بين مشاهداتك في المنام، والتي لست مسؤولةً عنها، ولا محاسبةً عليها، وبين الوسواس القهري، فلكل علاجه.
ثالثًا: هناك أحكام تخص الإفرازات المهبلية، ولا بد من فهمها؛ حتى لا توجبي على نفسك الاغتسال كل يوم، فما يخرج هو أحد الأقسام الثلاثة:
1- المذي: وهو سائل ينزل من المرأة أثناء التفكير المسيطر عليها، لونه أبيض لزج، وحكمه أنه نجس، ويجب إزالته، ويجب الوضوء منه، ولا غسل فيه، ولا يجب تبديل الملابس منه، ولكن غسل الجزء الذي هو فيه فقط.
2- الودي: وهو ماء أبيض رقيق ينزل من المرأة عقب البول، أو حين تحمل شيئًا ثقيلاً، وهو نجس، ويجب إزالته من الجزء الذي هو فيه من الثوب أو الجسم، كما يجب الوضوء منه.
3- المني: وهو ماء أصفر رقيق يخرج من المرأة عند الشهوة الكبرى، وتنقطع الشهوة بعد خروجه، وهو يوجب الغسل.
أما الإفرازات العادية التي تخرج من غير شهوة، ومن غير مرض، فلا شيء فيها، وهي طاهرة على الراجح من أقوال أهل العلم، وكذلك ما تشعر به المرأة من رطوبة الفرج لا توجب الوضوء، كما أنها ليست نجسة.
وكل الإفرازات التي تخرج بسبب المرض، مثل: الالتهابات، ونحوها، فهذه تعطى حكم سلس البول، أي يجب الوضوء منها فقط.
وخذي هذه القاعدة، فهي مريحة لك كثيرًا: (اليقين لا يخرج منه إلا بيقين)، ولا اعتبار بالشك، وعليه فلا يجب عليك الغسل إلا إذا تيقنت يقينًا جازمًا أن ما خرج منك هو المني الموجب للغسل، أما مع الشك فلا يجب عليك غسل.
فإذا رأيت في منامك شيئًا، ولم تجدي أثرًا له، فليس عليك غسل؛ فالعبرة بما ترينه وما تتأكدين منه لا غير.
رابعًا: اعلمي كذلك أن الوسواس أمره تافه، وقلّ أن يعيش الإنسان حياته ولا يبتلى به، ولكن مع انتشاره، وكثرته، فهو ضعيف وتافه، وعلاجه ميسور متى ما فهمت طبيعته، وطريقة معالجته.
أما طبيعته: فاعلمي أنه لا ينتشر أو ينشط إلا في بيئة التفكير السلبي، ويعتمد على أمرين:
- إظهار ضعفك وخوفك.
- إضعاف ثقتك بنفسك.
فإذا أردت القضاء عليه، فعليك أولاً تحويل كل أمر سلبي إلى إيجابي، وأن تربطي بين الوسواس والسخافة.
رددي في نفسك بأن "هذا وسواس سخيف"، وهذا نوع من التغيير المعرفي المهم جدًّا؛ فحين يستخف الإنسان شيئًا فسوف يحتقره، وحين يحتقره فسوف يحدث ما يعرف بفك الارتباط الشرطي، أي أن الوسواس لن يُصبح جزءًا من حالة الإنسان.
- احذري من الاسترسال مع الوساوس، أو مناقشتها؛ لأن هذه مادة حياتها، بل عليك التجاهل، مع الانشغال بشيء نافع.
- احذري من الفراغ؛ فإنه حديقة الوسواس المريحة والنشطة.
- حددي لك أهدافًا مرحليةً، ومتوسطةً، وبعيدة المدى، واجتهدي في شغل أوقاتك بكل ما يحقق لك تلك الأهداف.
- تجنبي الجلوس وحدك، وشاركي والدتك اهتماماتك.
خامسًا: لا تقلقي من (التصفيح )، ولا تشغلي نفسك به، وعليك بما يلي:
1- الإيمان الجازم، والاعتقاد الثابت بأنه لا يقع في ملك الله إلا ما يريده الله عز وجل، وكل شيء بتقدير، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، قال تعالى:(إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ)، والمؤمن يعتقد ذلك، ويؤمن به في إطار قول الله تعالى: (قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)؛ لذا أول ما نود ترسيخه عندك أن السحر، والحسد، والعين كل ذلك حق، ولها تأثير عام، لكنه لا يقع إلا -بإذن الله تعالى-، وقد دل على ذلك القرآن والسنة، فمن القرآن ما قاله الله على لسان يعقوب -عليه السلام-: (وَقَالَ يَا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ)، والحكمة في ذلك كما قال أهل العلم: خوفًا عليهم من العين.
وكذلك قول الله: (وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ).
وأما السنة: فما روي عن ابن عباس -رضي الله عنهما-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "العين حق، ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين، وإذا استغسلتم فاغسلوا". رواه مسلم.
2- علاج هذه الأمور -إن وجدت- لا يكون إلا بالرقية الشرعية، وهي ثابتة بالكتاب والسنة، فقد ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- الاسترقاء بـ "قل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس، وقال: لم يتعوذ الناس بمثلهن،" رواه مسلم، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذ اشتكى قرأ على نفسه المعوذتين ونفث" متفق عليه، والنفث: النفخ.
وقد تعوذ النبي -صلى الله عليه وسلم- بالمعوذتين لما سحره اليهود، وصح عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه قال لمن رقى بالفاتحة: "وما يدريك أنها رقية" رواه البخاري.
وعليه: فالرقية الشرعية من الكتاب والسنة هي النافعة -بإذن الله-، فحافظي على قراءة ما يلي:
1. الفاتحة.
2- الكرسي.
3-آخر آيتين من سورة البقرة.
4- الإخلاص.
5- المعوذتين.
- حافظي على قراءة سورة البقرة كل ليلة في البيت، فإن لم تستطيعي فعلى الأقل سماعها كل ليلة، المهم أن يكون ذلك كل ليلة، ولا بد من الصبر والاستمرار.
- المحافظة على الأذكار والأوراد الثابتة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ويمكنكم الاستعانة بكتاب (حصن المسلم من أذكار الكتاب والسنة).
- الرقية على الماء وصبه عليكم وهي نافعة -بإذن الله تعالى-؛ فقد ذكر ابن القيم أثرًا في ذلك عن أبي حاتم عن ليث بن أبي سليم، قال: بلغني أن هؤلاء الآيات شفاء من السحر -بإذن الله-، تقرأ في إناء فيه ماء، ثم يصب على رأس المسحور، والآيات هي قوله تعالى:
- (فلما ألقوا قال موسى ما جئتم به السحر إن الله سيبطله إن الله لا يصلح عمل المفسدين) [يونس81 ].
- وقوله: (فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون) [الأعراف 118إلى120].
- وقوله (إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى) [طه69].
استمري على ما ذكرنا، وستجدين مع الصبر تغيرًا في حياتك -بإذن الله تعالى-.
نسأل الله أن يوفقكم، وأن يسعدكم، وأن يصرف عنك ما ألم بك، إنه جواد كريم، والله الموفق.