أعلم أنها وساوس كاذبة لكنها تسيطر علي!
2024-11-17 23:30:47 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أعاني من الوساوس، لدرجة أن عقلي لا يكاد يخلو من التفكير فيها، ولا أستطيع منعها، وعلمت مؤخرًا بأنها وساوس قهرية، ولكن لا أعرف كيف أتخلص منها بطريقة صحيحة، ولم أستعمل أي أدوية، ولم أفعل أي شيء سوى تجاهل تلك الوساوس في بعض الأحيان، ولكنها لا تتركني.
لقد عزلت نفسي عن الناس، ولم أعد أريد التحدث مع أحد، ولا أن يكلمني أحد، ولا أريد رؤية الأرقام؛ لأنه توهمني بأنها أرقام إن لم أقرأها فسأموت -والعياذ بالله-، وأيضًا يجب أن يكون كل شيء نظيفًا، حتى لو كان غير متسخ، وأشك بكل شيء، ولكنني في بعض الأحيان لا أعيره أي اهتمام، ولكنه يعود بقوة، ومع علمي بأنها وساوس كاذبة، إلا أنها لا تتركني حتى في صلاتي، غير أنها في الصلاة السرية تسيطر علي، فأدخل في حالة حزن، فهل يمكنني الشفاء منها؟
كما أنني قد أصبت في رأسي بحادث مروري، فهل له علاقة بتلك الوساوس؟
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عربي حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أرحب بك في إسلام ويب.
التفاصيل الدقيقة التي أوردتها حول وساوسك واضحة جدًّا، وبالفعل كل الأمثلة التي أعطيتها ممَّا تعاني منه، تدل على وجود وسواس قهري متعدد التركيبات والتكوينات، فهناك أفكار، وهناك أفعال، ومخاوف، وطقوس، وهنالك نمطية، وهذا -يا أخي- لا يعني أن الوسواس شديد أو مُطبق، لا.. وإنما تعدد محتوى الوسواس يدل فقط أن الوسواس ربما يكون قد استغرق وقتًا مع الإنسان.
والعلاج -يا أخي- متوفر الآن، وأنا طبعًا أفضل أن تذهب وأن تقابل طبيبًا؛ لأن هذه الوساوس في معظمها وجُلِّها هي وساوس طبية -أخي الكريم- حتى وإن بدت شيطانية فإنها تنتهي بأن تكون وساوس طبية؛ لأن التغييرات الدماغية التي تحدث على مستوى بعض المواد الكيميائية التي تسمى بالموصلات العصبية اتضح أنها تتغيَّر، ولذا وُجد أن الأدوية مفيدة جدًّا، وبجانب الأدوية طبعًا هنالك بعض التطبيقات السلوكية العامة، ومن أهمها التجاهل، والذي تكلمتَ أنت عنه.
فإذًا أنا أحبذ أن تذهب إلى طبيب، وألا تترك هذا الوساوس أبدًا، وألا تتعايش معها، وألا تقبل بها، ويجب ألَّا تكون جزءًا من حياتك.
سأعطيك فكرةً عامةً عن العلاجات السلوكية التي يجب أن تُطبَّق، وطبعًا الطبيب حين تقابله سوف يُعطيك المزيد من التفاصيل.
أولًا: اكتب كل هذه الوساوس في ورقة، ابدأ بأضعفها وانتهِ بأشدها، ثم بعد ذلك تجلس جلسةً علاجيةً داخل الغرفة، وتكون الظروف حولك هادئة جدًّا، وأن تبدأ بالفكرة أو الفعل الوسواسي الأول، ثم تطبق عليه ثلاثة تمارين:
- التمرين الأول: نسميه التجاهل والتحقير، وهذا يتطلب أن تُخاطب الفكرة، أو الفعل، أو النمط الوسواسي، قائلًا: (أنت وسواس حقير، أنا أتجاهلك، أنا لن أجعلك جزءًا من حياتي أبدًا). إذًا تحقير وتجاهل.
- والتمرين الثاني: أن تأتي بفكرة طيبة وجميلة، ومخالفة للوساوس، وأن تجلب أي فكرة طيبة، وأن تجعلها مكان الفكرة الوسواسية، وهذا نسميه بصرف الانتباه.
- التمرين الثالث: وهو التنفير كما يسمى، ويكون فيه ربط بين الفعل غير المقبول للإنسان، والفكرة أو الفعل الوسواسي، كأن تستحضر الفكرة الوسواسية، وتتصور طائرةً قد احترقت أمامك، واربط ما بين هذين الاثنين، أو مثلًا: قم بتطبيق تمرين آخر؛ وهو أن تضرب بيدك على سطح الطاولة بكل قوة وشدة، حتى تحس بالألم، واربط ما بين هذا الألم والفكرة الوسواسية، طبق هذه التمارين 15 إلى 20 مرة متتالية، ثم بعد ذلك انتقل للفكرة الثانية، وطبق عليها نفس التمارين، وهكذا إلى أن تصل إلى الفكرة الأخيرة.
وبصفة عامة: الوساوس أيضًا تستغل الناس حين يكون لديهم فراغ -فراغ زمني، أو فراغ ذهني- لذا أنا أوصيك بأن تُحْسِن إدارة وقتك، وألَّا تترك مجالًا للفراغ، وأن تكون شخصًا متواصلًا مع الآخرين، وخاصة الأرحام، ومن حولك من الأهل والأقرباء، ونشطًا، وفعَّالًا، ومفيدًا لنفسك ولغيرك، أيضًا ممارسة الرياضة، والتمارين الاسترخائية تساعد كثيرًا في علاج الوساوس.
الأدوية -يا أخي- متوفرة، وهي مفيدة جدًّا، ويجب أن تبدأ بها، وهنالك عقار يسمى (بروزاك) هو من أفضل الأدوية، وهنالك عقار ثان يسمى (زولفت)، وهذا أيضًا دواء رائع، وهنالك دواء يسمى (فافرين) نستعمله كثيرًا في علاج الوساوس القهرية، وطبعًا هذه الأدوية لها جرعات معينة يعرفها الأطباء، والوساوس تتطلب تدخلات دوائية خاصة جدًّا، فالإنسان إذا لم يستجب لدواء واحد سيقوم الطبيب بإضافة دواء آخر، أو أي دواءٍ دائم.
فأنصحك -أخي الكريم- أن تأخذ بما ذكرته لك من نصائح، وأن تذهب أيضًا إلى الطبيب.
أمَّا بالنسبة للحادث على الرأس: فربما يكون له علاقة، أو ربما يكون ليس له أي علاقة بظهور هذه الوساوس، وطبعًا أثر الحوادث يختلف من إنسانٍ إلى آخر، حسب قوة الحادث وشدته، والأجزاء التي تأثرت في الدماغ، ولكن لا أريدك أن تهتمَّ بهذا الموضوع، والمهم هو أن تُطبق الإجراءات العلاجية التي ذكرناها لك.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.