نعيش في الغرب وابنتي تريد الاستقلال في المسكن، فكيف أقنعها؟

2025-06-03 23:11:56 | إسلام ويب

السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ابنتي أتمّت الثامنة عشرة من عمرها، وبدأت تطلب مني السماح لها العيش بمفردها، معللة ذلك بأنها أصبحت راشدة وتريد الاستقلال، أوضحتُ لها أن سكن الفتاة وحدها دون حاجة ملحّة ليس من هدي الإسلام، وأن الشرع يحرص على حفظها وصونها، لا تقييدها.

المؤسف أنها تجد فتاوى على الإنترنت تجيز ذلك، لكنها لا تفرق بين الحالات، ولا تراعي اختلاف البيئات أو الظروف.

أطلب منكم النصح والتوجيه بما يُعينني على إقناعها، وتبيان الحكم الشرعي الصحيح برحمة وعقلانية.

الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ روضة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلًا وسهلًا بكِ في استشارات إسلام ويب، ونسأل الله أن يشرح صدرك، ويثبتك على طاعته، ويجعل هذا الابتلاء بابًا للرحمة والفتح، وأن يُصلح لك ذريتك، ويجعلهم هداة مهتدين.

أختنا الكريمة: نُكبر فيك هذا الحرص الفطري الصادق، وسط مجتمع يُروّج لتمزيق روابط الأسرة باسم "الاستقلال"، ويزرع في الفتيات أن الحرية تعني الانفصال، والنجاح يعني التخلي عن الأمان الأسري، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

أختنا الفاضلة: إن ثباتك على هذا الوعي نعمة عظيمة، ووعيك بالخطر هو نصف طريق الوقاية؛ ولأن السؤال لم يعد عن "جواز الفعل من عدمه"، بل عن كيفية التعامل التربوي العميق معه، فإليك مجموعة من الخطوات العملية:

1. ابدئي بإظهار الحب أولًا، لا الرفض: لا تجعلي أول ردّ فعلك: "لا يجوز"، أو "لا يصح"، بل ابدئي الوصول إلى ذلك بكلمات تؤكّد حبك وثقتك بها: "أنتِ أغلى ما أملك، ومكانك في قلبي لا يزاحمه شيء، ولو طلبتِ السماء لبحثتُ عن طريقٍ إليها… ما أرفضه ليس طلبك فقط، بل أرفض أن تعيشي شيئًا قد يؤذيك، أو يعزلك عن من يحبّك."

فلا بد من إزالة الحاجز النفسي بين قلبيكما، وإحياء دفء العلاقة.

2. اسأليها عن الأسباب التي تجعلها تصر على ذلك: أغلب الفتيات لا يطلبن الانفصال الحقيقي، بل يُعبّرن عن شعور بالضيق، أو الضجر، أو الرغبة في الاعتراف ببلوغهن، اسأليها بهدوء:

"ما الذي يُزعجك في بقائنا معًا؟ ما الذي تتمنّينه من هذا الاستقلال؟ هل تحسين أنني أضغط عليك؟ هل هناك ما تحتاجين أن أتغير فيه؟"

بهذا الحوار، قد تصلان إلى نقاط تُحلّ دون أن تسكن وحدها.

3. اعملي على بناء "الصحبة الصالحة لها داخل البيت وخارجه، وبطريق غير مباشر": لا تكوني فقط "الأم التي تمنع"، بل "الرفيقة التي تصغي وتُشارك"، قومي بمشاركتها بعض الأنشطة:

* قراءة كتاب مشترك.
* مشاهدة برامج هادفة، ومناقشتها معها.
* إعداد مشروع بسيط معًا.

اجعلي البيت ساحة حوار لا ساحة أوامر، وكوني أول من يشاركها أحلامها وهمومها، قبل أن تبوح بها لصديقات، أو منصات لا ترحم، مع البحث في صديقاتها عن الصالحات، والاجتهاد في تعميق الروابط بينهن.

4. افتحي لها مساحة من الخصوصية المحترمة: كثير من الفتيات تطلب الاستقلال؛ لأنها لا تجد زاوية تُشعرها بالحرية، أو الخصوصية داخل بيتها، اجعلي لها إن أمكن:

* غرفتها الخاصة.
* أوقات هادئة غير مضغوطة.
* قرارات تُتّخذ برأيها، وإن لم يُعمل بها دائمًا، ولكن يُحترم رأيها فيها.

5. أحيطيها بصحبة صالحة من نفس عمرها: في بلاد الغرب، تتقوى الأفكار الفردية حين تُرددها الفتيات لبعضهن، ويُضعفها وجود قدوة صالحة تشاركها بيئتها، فإذا لم تجدي من بين صديقاتها من تعينك على تقويمها، فابحثي لها عن صديقات صالحات في محيطها ومن نفس عمرها، وليكن التعارف بطريق غير إلزامي:

* من دار تحفيظ، أو مركز إسلامي.
* من بيئة عاقلة متزنة.
* من أسر تعرفين دينها واستقامتها.

الصديقة الصالحة تُذكّر، وتثبّت، وتشرح الفكرة نفسها بطريقة أقرب لقلبها.

6. وازني بين الحزم والاحتواء: إذا شعرت أنها تصرّ، فاجعلي موقفك واضحًا لكن دون جفاء:

أنا أرفض ذلك، لا لأني أستصغر عقلك، بل لأني أعرف الحياة أكثر، وأخاف عليك من خطوات قد تندمين عليها، وسأبقى معك، وسأصبر حتى تري بنفسك لماذا كنت أرفض.

هذه الصيغة تُبقي الباب مفتوحًا ولا تُشعرها بالإهانة، أو الإقصاء.

7. أكثري من الدعاء لها، واستعيني بالله: فالله يهدي القلوب ويصرّفها، وإذا علم صدق نيتك وخوفك على ابنتك، جعل لك من أمرِك فرجًا ومخرجًا، رددي في سجودك: "اللهم اصلح لي ابنتي، واصرف عنها الفتن، واملأ قلبها بحبك، واجعلها لي نِعمةً في الدين والدنيا، واهدها صراطك المستقيم، ولا تفتنّا فيها، ولا تفتنها في دينها يا أرحم الراحمين".

وأخيرًا: تذكّري دائمًا أن الصراع مع الأبناء ليس صراع قرار، بل صراع عقل وقلب، وحين تطمئن الفتاة أنك لا تُعارضينها لهوى أو تحكّم، بل حبًّا وخوفًا وحرصًا، فإنها -مهما طال بها الطريق- ستعود إلى قلبك، وبيتك، ودفء صدرك.

نسأل الله أن يحفظ لكم ابنتكم، ويجعلها في طاعته، ويقرّ بها أعينكم، ويملأ بيتكم سكينة وهداية ورحمة.

والله الموفق.

www.islamweb.net