هل قصرت في بر أمي حينما كانت تعاني من الزهايمر؟
2025-06-02 03:57:51 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أمي –رحمها الله– كانت تبلغ من العمر 75 عامًا، وبدأت تعاني من أعراض الزهايمر منذ عام 2013، حيث ظهرت عليها علامات النسيان وتكرار الكلام، وبدأت رحلة العلاج في عام 2017 واستمرت حتى وفاتها المفاجئة منذ 3 أشهر.
يعلم الله أني لم أدخر جُهدًا في رعايتها، ولو خُيّرت أن أعطيها من صحتي لتُشفى لما ترددت لحظة واحدة.
كانت تأخذ أدوية متعددة، منها (زاليرتو 10، رانيكسا 375، نيكسيوم 20، جانتون 10، سيكودال 1 مل، إكسيلون 3، ميمكسا 10)، بالإضافة إلى التغذية الصحية، وشرب المياه بانتظام، وإجراء التحاليل الدورية.
في آخر عامين من حياتها، أصبحت كأنها تمثال، لا تتكلم إلَّا إذا حضرت نوبات الذُهان ليلًا قبل النوم، ثم تزول بعد أخذ الدواء، ولم تكن تتحرك إلَّا على كرسي متحرك، ولا تحرّك أي عضو سوى عينيها أو قدميها عندما تريد قضاء الحاجة.
كانت تحاليلها قبل الوفاة بشهر ممتازة: وظائف الكلى والكبد، صورة الدم الكاملة، معدل الترسيب، السكر التراكمي "صائم وفاطر" (CRP)، و(D-Dimer)، وكانت الدهون الكلية مرتفعة قليلًا (249)، والـ (LDL) كان (167)، بينما الدهون الثلاثية كانت طبيعية، وHDL Risk Factor في النطاق المتوسط.
لم تكن تعاني من ضغط الدم إلا سابقًا، كما كانت تعاني من تضخم في القلب، وقد توقف علاجها بعد انخفاض وزنها، وانتظام ضغطها بسبب استقرار حالتها.
استمرت على جميع الأدوية ما عدا أدوية الزهايمر، والتي كانت تُعطى للوقاية من الجلطات وقصور الشريان التاجي.
في صباح يوم وفاتها قدّمتُ لها كعادتي نصف كوب ماء فاتر قبل الإفطار، وغبتُ عنها قليلًا، ثم عدت فوجدتها تهز رأسها، وعيناها مفتوحتان، دون أي ملامح ألم على وجهها، لكن كانت تصدر أصوات طقطقة من فمها، وظهرت رغوة في حلقها.
رفعتُ قدمها لأعلى فوجدت جسدها مرتخيًا تمامًا، وحاولت إيقاظها، لكنها كانت تحدق ببصرها إلى السماء، فأضجعتها مجددًا، ثم أصدرت تنهيدة قوية، وأغمضت عينيها، وظلت تلهث حتى لاحظتُ توقف قلبها.
استدعيتُ المسعف، فقام بمحاولة الإنعاش عبر الضغط على صدرها 4 ضغطات، لكن دون جدوى، فهل أنا مقصّر بحقها؟ وهل ارتكبتُ أي خطأ في حقها دون أن أدري؟
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نرحب بك أخي في إسلام ويب، ونسأل الله تعالى لوالدتك الرحمة والمغفرة.
أيها الفاضل: أنت لم ترتكب أي خطأ، ولم تقترف أي شيء مخالف، بل على العكس تمامًا، أنا أرى أنك كنت في غاية البر والعناية بوالدتك -رحمها الله-.
واعلم -أخي الكريم- أن والدتك -رحمها الله- قد عايشت مرض الزهايمر لمدة ليست بالقصيرة، قرابة عشرة أعوام، ومن المعروف أن ما يُسمى بالنافذة لمرضى الزهايمر تكون في العادة من ثلاث إلى تسع سنوات، أي أن معظم المرضى يتوفاهم الله خلال هذه المدة، وإن كان بعضهم قد يعيش لفترة أطول.
أخي الكريم: ما لا يعرفه الكثير من الناس أن مرض الزهايمر ذاته قد يكون سببًا مباشرًا للموت، ولا شك في ذلك.
أنا أذكر -أخي الكريم- أنه في عام 1983، بعد أن أكملتُ التدريب في بريطانيا، كنتُ أعمل مع طبيب إنجليزي ممتاز في مدينة تُسمى (ايبسويتش- Ipswich)، وكان هذا الاستشاري يعمل في وحدة متخصصة في رعاية كبار السن ومرضى الزهايمر، وفي أحد الأيام توفيت مريضة فجأة، وكانت تعاني من الزهايمر منذ سبع سنوات، وأصابتني الحيرة، فقد توفيت بشكل مفاجئ، وكان عليّ أن أكتب شهادة الوفاة، وأُدرِج سبب الوفاة المباشر، وفي مثل هذه الحالات، عادةً ما نكتب أسبابًا مثل توقف القلب، أو هبوط الدورة الدموية، وهكذا، فسألت هذا البروفيسور عن السبب الحقيقي، فقال لي: "الزهايمر نفسه هو سبب الوفاة".
فسبحان الله، مرض الزهايمر لا يؤثر فقط على الذاكرة أو الشخصية أو الحالة النفسية أو الوجدان، بل يحدث تغييرات جسدية شاملة، حتى في الوظائف الحيوية، ووالدتك –عليها رحمة الله– وصلت إلى مرحلة متقدمة جدًّا من المرض، دخلت في المرحلة الثالثة، وهي المرحلة النهائية، وكل ما ذكرته في رسالتك يدل على أن مرضها كان في مراحله الأخيرة.
لذلك: أرجوك ألَّا تشعر بأي نوع من الذنب أو بالتقصير، فأنت لم تُقصّر أبدًا، والوفاة كانت من طبيعة الزهايمر نفسه، أنت لم ترتكب أي خطأ أبدًا، بل على العكس أنا سعدت جدًّا بتفاصيلك الدقيقة حول الأدوية التي كانت تتناولها، والفحوصات، وكل ما ذكرته في رسالتك؛ ممَّا يدلُّ على حرصك واهتمامك الكبيرين.
نسأل الله لها الرحمة والمغفرة، وما عند الله خير وأبقى، ولا تثريب عليك أبدًا، قد قمتَ بواجبك على أفضل وجه، ويمكن أن تواصل البر بها، من خلال الدعاء والاستغفار لها، والتصدق عنها.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا.