أشعر أنني غير مرحب بي، فهل هي وسوسة؟
2025-06-04 04:29:30 | إسلام ويب
السؤال:
عند زيارة بعض الناس، أشعر بعدم الراحة، وألاحظ في عيونهم عدم المودة والحب، مع أن الشعور سابقًا كان مختلفًا، لكنّي الآن ألاحظ أنني غير مُرحّب بي، وعندما أرحل من عندهم، أكون غير سعيد وأشعر بالندم على ذهابي، وأظلّ غاضبًا لبعض الوقت.
فهل امتناعي عن زيارتهم يُعدّ قطيعة لصلة الرحم، أم أن هذا من وساوس الشيطان؟ وهل من نصيحة؟ لأنني أُكنّ لهؤلاء الناس محبة كبيرة، لكني لا أشعر بالراحة أثناء زيارتهم.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نشكر لك ثقتك في مشاركة مشاعرك وتفاصيل ما تمرّ به.
ما قمتَ به يعكس رغبتك في الإصلاح، والسعي لفهم نفسك وعلاقاتك مع الآخرين، وهذا يدلّ على قلبٍ حيٍّ وواعٍٍ يبحث عن الحق والخير، نسأل الله أن يوفقك لما فيه الخير والصلاح، وأن يرزقك السكينة والرضا.
أولًا: نود أن نقول: إن مشاعرك طبيعية ومفهومة، فمن الطبيعي أن نشعر أحيانًا بعدم الراحة في بعض العلاقات، أو خلال بعض الزيارات، خاصة إذا تغيّرت الأجواء، أو لاحظنا تغيّرًا في تعامل الآخرين معنا، هذه المشاعر ليست بالضرورة دليلًا على وجود خطأ منك أو منهم، بل هي جزء من وعينا العاطفي والإنساني بالعلاقات، وبما يطرأ عليها من تغيرات، ومع ذلك، دعنا نتأمل معًا في جوانب هذا الموضوع، ونحاول فهمه من زاوية نفسية وإيمانية، مسترشدين بتعاليم ديننا الحنيف، التي تدعونا إلى الحكمة والاعتدال.
ثانيًا: قد تكون مشاعرك ناتجة عن أحد الأسباب التالية، أو مزيج منها:
1. تغيّرات في العلاقة أو في تعاملهم معك؛ فقد تتغير العلاقات بمرور الزمن، إما بسبب ظروف يعيشها الطرف الآخر، أو نتيجة سوء فهم، أو حتى دون سبب ظاهر.
2. قد تكون مشاعرك متأثرة بتجارب سابقة، أو بمخاوفك من فقدان المودة؛ مما يجعلك تشعر بعدم الارتياح، حتى وإن لم يكن هناك سبب واضح.
3. الشيطان حريص على إفساد علاقاتنا، خاصة مع من نحبهم ونعتز بهم، وقد يضخّم في أنفسنا مشاعر الشك أو الغضب، ليزرع الفتنة والتباعد.
4. أحيانًا، عندما نُحب أشخاصًا بصدق، نتوقّع منهم الكثير، وعندما لا نجد هذه التوقعات مُحققة، قد نشعر بخيبة أمل أو نوع من الجفاء.
لذا، من المهم أن تحاول التمييز بين هذه الأسباب، وأن تكون صادقًا مع نفسك في تحليل مشاعرك: هل هي نابعة من مواقف واضحة، أم أنها مجرّد إحساس داخلي قد يكون مبالغًا فيه أو ناتجًا عن تغيرات طبيعية؟
ثالثًا: صلة الرحم من أعظم القيم التي حثّ عليها الإسلام، قال الله تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1]، وقال رسول الله ﷺ: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه" [رواه البخاري].
ومع ذلك، فإن صلة الرحم لا تعني أن تُجبر نفسك على زيارات تُشعرك بالأذى النفسي، فالصلة قد تكون بالسلام، أو الاتصال الهاتفي، أو بالدعاء، أو بإرسال هدية أو رسالة طيبة، المهم ألا تُقطع العلاقة تمامًا، قال الإمام النووي رحمه الله: "صلة الرحم هي الإحسان إلى الأقارب على حسب الواصل والموصول؛ فتارة تكون بالمال، وتارة بالخدمة، وتارة بالزيارة، والسلام، وغير ذلك"، فليست الزيارة شرطًا حتميًا إذا كانت تسبّب لك ضيقًا.
رابعًا: نصائح عملية للتعامل مع الموقف:
1. إن شعرت بتغيّر في علاقتك معهم، فقد يكون من المفيد أن تتحدث معهم بلُطف، اسأل عن أحوالهم، وأظهر اهتمامك، وقدّم كلامًا طيبًا يدل على محبتك، دون لوم أو عتاب.
2. قلّل من توقّعاتك تجاه الآخرين؛ فذلك يُعينك على الشعور بالرضا والراحة، فالمحبة قد تبقى، وإن تغيرت طريقة التعبير عنها.
3. ليس من اللازم أن تزورهم كثيرًا إن كنت تشعر بعدم الارتياح، يمكنك تقليل عدد الزيارات، مع إبقاء التواصل قائمًا بأي وسيلة مناسبة.
4. الدعاء من أسمى صور المحبة، ادعُ لهم بالخير والصلاح؛ فهذا يقوّي رابط المحبة ويُصفّي القلوب.
5. جدّد نيتك في زياراتك، بأن تكون خالصة لله تعالى، لا رجاءً في ردود فعل معينة من الآخرين، وستشعر حينها براحة وسكينة.
6. صلاة الاستخارة يمكن أداؤها حتى في مثل هذه المواقف؛ فهي ليست محصورة في القرارات الكبرى، استخِر الله في كيفية التعامل معهم.
ومما يُنسب للإمام الشافعي:
إذا لم يكن صفو الوداد طبيعةً ... فلا خيرَ في ودٍ يجيء تكلّفًا
ولا خيرَ في خلٍّ يخون خليله ... ويلقاه من بعد المودة بالجفا
وقال أبو الفتح البستي:
وإن أساءَ مسيءٌ فليكنْ لك في ... عروضِ زلّتهِ صفحٌ وغفرانُ
وكن على الدهرِ معوانًا لذي أملٍ ... يرجو نداك، فإنّ الحرَّ معوانُ
واشددْ يديكَ بحبلِ الدينِ معتصمًا ... فإنّهُ الركنُ إن خانتكَ أركانُ
خامسًا: عندما تشعر بعدم الراحة أو الغضب، الجأ إلى القرآن الكريم، واقرأ آيات السكينة، مثل: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28]، وأكثر من الاستغفار، والصلاة على النبي ﷺ، فلهما أثر عظيم في تهدئة النفس وإزالة الهمّ.
ختامًا -أخانا العزيز-: ما تشعر به جزء من رحلتك الإنسانية، وقد يكون اختبارًا لك في الصبر، والرفق، وحُسن الظن، لا تتسرّع في الحكم، وامنح نفسك وقتًا لفهم مشاعرك وتفسيرها، حافظ على صلة الرحم بقدر استطاعتك، دون أن تُحمّل نفسك ما لا تُطيق.
نسأل الله أن يرزقك السكينة والرضا، وأن يُصلح ما بينك وبين من تحب، ولا تنس أن تستعين بالله في كل خطوة، فهو خير ناصر ومعين.