جدتي التي ربتني تعاملني بقسوة فكيف أتعامل معها؟
2025-06-12 09:43:38 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا فتاة أبلغ من العمر 23 عامًا، وأرغب في استشارتكم في أمر يؤرقني منذ سنوات، منذ أن كان عمري سبع سنوات، سلمني والدي -رحمه الله- إلى جدتي لأعيش معها، وذلك لأنها لم يكن لديها من يرعاها، وبعد فترة قصيرة توفي والدي، وبقيت في كنفها حتى اليوم.
جدتي، رغم أنها قامت بتربيتي، إلَّا أن معاملتها كانت في غاية القسوة، وهي أم لخمسة أبناء، وكل أبنائها وبناتها بعد أن كبروا ابتعدوا عنها بسبب شدّة تعاملها، لم يستطع أحد منهم تحمّل العيش معها، وأنا رغم صغر سني حينها، تحملت كل تلك السنين القاسية وحدي، دون دعم أو رحمة.
جدتي لم تكن يومًا حنونة عليّ، بل كانت تعاملني بجفاء، وتسلبني راحتي وسعادتي، وتمنع عني أبسط معاني الطمأنينة، حتى اليوم إذا حدث لي أمر جيد، أشعر أنها تغار مني، وكأنها لا تطيق رؤيتي بخير، رغم أن تعاملها مع الآخرين يختلف تمامًا.
وسؤالي هو: هل يجب عليّ شرعًا أن أبرّها؟ هل أعتبر عاقّة إن لم أُطعها أو لم أقم بخدمتها؟ علمًا بأنها ليست أمي، ولا جدتي من جهة الأم، بل هي والدة والدي فقط، وقد ربتني من باب الضرورة، لا من باب الحنان أو الرحمة.
وأضيف يا شيخ أنني في كثير من الأحيان، عندما تشتمني وتظلمني، أدعو الله أن يرد عليها دعاءها ومسبّتها في جسدها وصحتها، وأن يأخذ بحقي منها، بل وصل بي الحال أن أدعو الله أن يأخذ منيتها، لأني أعيش معها في تعب نفسي شديد لا يُطاق.
فهل هذا الدعاء جائز؟ وهل يؤاخذني الله عليه؟ وهل لي في الشرع مخرج من هذا الظلم الذي طال أمده؟
أرجو من فضيلتكم التوجيه والإفادة، جزاكم الله خيرًا وكتب أجركم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ مريم حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبًا بك -ابنتنا الفاضلة- العاقلة الصابرة المحتسبة، ونسأل الله أن يعينك على الخير، وأن يعينك على الصبر على هذه الجدة، وهي والدة، لأنها من الأصول، فهي والدة الوالد، ونسأل الله أن يعوضك خيرًا، وأن يرزقك الصبر.
والذي يتضح من سؤالك أن هذه الجدة في غاية الصعوبة؛ لذلك هجرها الأبناء، وهجرها من حولها، وأنت ابتليتِ بهذا الأمر، فاصبري واحتسبي، واعلمي أن المراحل الصعبة قد انتهت، فأنتِ في عمرٍ -ولله الحمد- يؤهلك للاحتمال، والصبر، والقيام بما عليكِ، نسأل الله أن يكتب لك الأجر والثواب.
ولا شك أنها ستُحاسب على قسوتها، وعلى تقصيرها في حقك، ونقول لك: لا تُقصّري، لأن المجازي هو الله تبارك وتعالى، ولا نملك إلَّا أن نقول لكِ: يا من صبرتِ هذه السنوات، بقي القليل، فاجتهدي في الصبر، وأكثري من الدعاء للوالد والوالدة، ولأمواتنا وأموات المسلمين، وأيضًا الدعاء للأحياء منهم، فالإنسان يُكثر من الدعاء.
نحن نُقدّر صعوبة الوضع الذي أنتِ فيه، ولكن الإنسان الذي يعرف أن هذا الشخص -هذه الجدة، هذه الوالدة، هذا الوالد- من الصعوبة بمكان وصعب المعشر؛ فإنه سيؤجر على ما يقوم به، فالبِر طاعة لله تبارك وتعالى، وعبادة لله تبارك وتعالى، وليست للوالد أو الوالدة أو الجد أو الجدة، بل هي عبادة لله تبارك وتعالى، الذي يجازي المحسن مِنَّا على إحسانه، ويُعاقب المقصِّر على تقصيره، فاحذري من التقصير، وقومي بما عليك، واحتسبي الأجر والثواب عند الله.
ولا نؤيد فكرة الدعاء عليها، بل قومي بما عليك، وإذا سمعتِ كلامًا منها فتسلحي بالصبر، وإذا كان هناك من يؤثر عليها من الجدات الأخريات أو من العاقلات، فلا مانع من عرض مشكلتك عليهنَّ.
والظلم الذي طال أمده له نهاية، فنسأل الله أن يعينك على التسلح بالصبر، والدعاء للوالد -رحمة الله عليه- ولكل من مضى إلى الله تبارك وتعالى، ولا شك أن والدك وضعك من أجل أن تقومي بهذه المهمة، ولا شك أنه كان يعلم أن والدته صعبة، ولكن أنت لها وزيادة، والظلم الذي تعرضتِ له أتمنى أن يكون من أعظم الدروس لكِ حتى لا تظلمي الآخرين، وحتى تشعري بأهمية الإنصاف والعدل والرحمة والشفقة، فإن الإنسان إذا خاض تجربة مؤلمة، ينبغي أن يُجنّب هذه التجربة أبناءه والبنات من بعده والناس من حوله.
رغم صعوبة الوضع إلَّا أننا ننصح مَن صبرت وقامت بما عليها سنوات، أن تُكمل مشوار الصبر، وأن تتجنبي إظهار المعاني السالبة، وأن تجتهدي في الدعاء لها لعلَّ الله أن يهديها، ونسأل الله أن يعينك على هذه المهمة الصعبة.
وكما ذكرنا، لا نرغب منكِ أن تدعي عليها، وأرجو من الله ألَّا يؤاخذكِ على ما فعلتِ؛ فإن الله العظيم يقول: {لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا}؛ أي: سميعًا لما يُقال، عليمًا بالظلم وبحال المظلوم، غير أن ختام الآية يتضمّن توجيهًا نحو العفو؛ لأن الله هو العفو الكريم، ولهذا فإن العفو، والصبر، والاحتمال خير وأفضل من إظهار السخط والتذمر والتضجر، كما قال سبحانه: {إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا}، مع أن الإنسان له أن يشكو ويجهر بظلمه الذي تعرض له، ولكن هذا أمام الجهات الناصحة فقط، لذلك نشكر لك البوح بما في نفسك لموقعك، لأنك تنتظرين النصح والتوجيه، أمَّا أن تتكلمي مع كل أحد فهذا ليس مطلوبًا ولا مرغوبًا فيه من الناحية الشرعية.
فقوله تعالى: {لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ} يدل على الجواز، لكن هناك ما هو أفضل منه، وهو العفو والصبر، وتلك مراتب نريد لأمثالك من صاحبات الهمم العالية أن يفزن بها عند الله تبارك وتعالى، والعفو عن الناس، وعن الظلمة الذين ظلمونا وانتقصوا حقَّنا؛ يجلب لنا عفو الله تبارك وتعالى، كما أن ظلمنا الذي تعرضنا له ينتقم لنا، ويعوضنا، ويكتب لنا الأجر الكريم العدل الرحيم سبحانه وتعالى.
نسأل الله تبارك وتعالى أن يُعينك على إكمال هذه المهمة التي نعتقد أنها لن تطول، وحاولي دائمًا أن تفتحي لنفسك أبواب الخير من سماع الدروس ومجالسة الصالحات، ولا تطيعي الجدة فيما فيه معصية، أمَّا إن أمرت بأمر فيه طاعة، فعند ذلك تُطاع، وإن أمرت بأمر فيه مخالفة فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وإن كلفتك بعملٍ فافعلي منه ما تطيقينه، {لا يكلف الله نفسًا إلَّا وُسعها}، واعتذري بأسلوب جميل عمَّا لا تستطيعين القيام به، ونسأل الله أن يعينك على الخير.
ونحن دائمًا نقول: هناك بشارة للبررة الذين قاموا بما عليهم في قوله تعالى: {رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ} من البر والخير والرغبة والنية الحسنة، {إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً}.
فنسأل الله أن يجعلك من الفائزين بالمغفرة، ومن الذين يفوزون بعفو الله لأنهم عفوا عمن ظلمهم، وهذا مطلب شرعي، أن نصبر على ظلم الوالد أو الوالدة أو الجدة، فهؤلاء إذا لم نصبر عليهم فعلى مَن يكون الصبر؟
نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد والنجاح.