حائرة بين تخصص الشريعة والهندسة الزراعية، فما توجيهكم؟

2025-06-21 23:23:26 | إسلام ويب

السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا فتاة مقبلة على المرحلة الجامعية، وأشعر بالحيرة في اختيار التخصص: بين الهندسة الزراعية، أو تصميم الحدائق من جهة، وكلية الشريعة -تخصص أصول الدين- من جهة أخرى.

وأرى أن بنات المسلمين في حاجة ماسّة إلى الرجوع إلى الدين، وأشعر أن دراسة الشريعة سوف تعينني على الإسهام في هذا الجانب.

لكن في المقابل، أتساءل: هل دراستي لتخصص له علاقة بالتصميم الزراعي، والعمل في هذا المجال مع الالتزام بالضوابط الشرعية فيه حرج شرعي على المرأة؟ علمًا بأنني حريصة على الاستقرار في البيت، والاستمرار في طلب العلم الشرعي إلى جانب دراستي.

أرجو منكم توجيهي لما ترونه أنسب لي من الناحية الشرعية والعلمية.

جزاكم الله خيرًا.

الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ هبة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أختي الكريمة، أولًا: أود أن أحييكِ على حرصكِ على اتخاذ قراراتكِ بعناية، وعلى رغبتكِ في أن تكون حياتكِ مبنية على أسس شرعية، وسعيكِ لخدمة دينكِ ومجتمعكِ، هذه المشاعر الطيبة تدل على قلبٍ حي ونفسٍ واعية، وهذا بحد ذاته نعمة عظيمة من الله سبحانه وتعالى.

من الطبيعي جدًا أن تشعري بالتردد والحيرة عند اختيار التخصص الجامعي، خاصة عندما يكون الاختيار بين مجالين مختلفين في طبيعتهما، ولكنهما متساويان في القيمة إذا وُجِّهَا الوجهة الصحيحة، ومثل هذه القرارات تحتاج إلى تأمل وصبر، وإلى الجمع بين التفكير المتزن والتوكل على الله.

الحيرة التي تشعرين بها هي حالة نفسية طبيعية يمر بها كل إنسان عندما يواجه قرارات مصيرية في حياته، ويقول الله تعالى في سورة الشورى: {وأمرهم شورى بينهم}، مما يدل على أهمية التشاور والتفكير عند اتخاذ القرار، كما أن النبي -صلى الله عليه وسلم-، كان يستخير الله في أموره كلها، ويعلم الصحابة ذلك، مما يدل على أن اتخاذ القرار يحتاج إلى تأنٍ واستعانة بالله عز وجل، فالحيرة ليست ضعفًا، بل هي دليل على وعيكِ بمسؤولية القرار الذي ستتخذينه.

لا بد أن نذكركِ أن النية الصالحة هي الأساس في أي عمل، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى"، سواء اخترتِ دراسة الشريعة، أو التصميم الزراعي، فإن نيتكِ الصالحة في أن يكون قراركِ خالصًا لوجه الله، وخدمةً لدينكِ ومجتمعكِ، ستجعل أي خيار تختارينه مباركًا ومثمرًا -بإذن الله-.

الخيار الأول: إذا اخترتِ دراسة تخصص أصول الدين في كلية الشريعة، فهذا بلا شك طريق عظيم ومبارك، والأمة بحاجة إلى فتيات واعيات ومتعلمات في أمور الدين، خاصة في هذا العصر الذي كثر فيه التشكيك والابتعاد عن تعاليم الإسلام، وتعلم الشريعة لا يقتصر على الفهم الشخصي فقط، بل هو وسيلة لإصلاح النفس والمجتمع، قال تعالى: {فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون} [التوبة: 122].

لكن من المهم أن تدركي أن دراسة الشريعة ليست مجرد حفظ معلومات، بل هي مسؤولية عظيمة تتطلب إخلاصًا وعملًا مستمرًا، كما أن النجاح في هذا المجال يعتمد على تقوى الله، والسعي لنقل العلم بطريقة حكيمة ومؤثرة، كما قال تعالى: {ادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن} [النحل: 125].

الخيار الثاني: دراسة التصميم الزراعي والهندسة الزراعية، هذا التخصص أيضًا له قيمته الكبيرة، وهو يعكس إعمار الأرض، وهو أمر أمرنا الله به في قوله تعالى: {هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها} [هود: 61].

التصميم الزراعي والهندسة الزراعية يمكن أن يكونا مجالين إبداعيين ومفيدين، خاصة إذا وُجِّها لخدمة المجتمع، كإقامة الحدائق العامة، أو المشاريع الزراعية المستدامة التي تراعي الضوابط الشرعية.

لا يوجد في الشريعة ما يمنع المرأة من العمل في مثل هذه المجالات، ما دامت ملتزمة بضوابط الحجاب والاختلاط وما شابه ذلك، بل إن الإسلام يشجع الإبداع والإنتاج في كل مجال نافع، ومن الجميل أنكِ أشرتِ إلى حرصكِ على الالتزام بالبيت، واستمرار طلبكِ للعلم الشرعي بجانب العمل، وهذا توازن رائع يدل على وعيكِ بدوركِ كمسلمة.

وسأكتب لك خطوات عملية تساعدك على اتخاذ القرار:
1- استخيري الله سبحانه وتعالى، فهو الأعلم بما هو خير لكِ، كما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعلم الصحابة دعاء الاستخارة. قولي: "اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب...".إلخ.

2- استشيري من تثقين بعلمه وحكمته، سواء كان أحد الوالدين، أو أحد الأساتذة، أو مستشارًا أكاديميًا.

3- التخطيط طويل المدى: فكري في الأمور التالية:
- ما هو التخصص الذي يتوافق مع شغفكِ وقدراتكِ؟
- كيف يمكن لهذا التخصص أن يخدم دينكِ ومجتمعكِ؟
- ما هي الفرص المتاحة لكل تخصص في المستقبل؟

4- التوازن بين العلم الشرعي والعلمي، تذكري أن العلم الشرعي ليس مقتصرًا على الدراسة الأكاديمية، ويمكنكِ دائمًا الاستمرار في طلب العلم الشرعي، من خلال الدروس والمساجد والقراءة، حتى لو اخترتِ تخصصًا علميًا.

لا تظني أن أحد الخيارين أفضل أو أقل فضلًا من الآخر بشكل مطلق، المهم هو كيف تستثمرين التخصص الذي تختارينه لخدمة دينكِ ومجتمعكِ، وقال الإمام الشافعي -رحمه الله-: "العلم علمان: علم الدين وهو الفقه، وعلم الدنيا وهو الطبّ، وما سواه فهو تضييع".

تذكري أيضًا أن كل إنسان له دور خاص به في هذه الحياة، قد تكوني خير داعية إلى الله من خلال عملكِ في مجال التصميم الزراعي، أو قد تكوني عالمة شريعة تترك أثرًا عظيمًا في حياة الناس، المهم أن تجعلي نيتكِ خالصة لله في كل ما تفعلينه.

أخيرًا: أود أن أطمئنكِ بأن قراراتكِ إذا بنيت على النية الصالحة والاستخارة والتخطيط، فإن الله لن يضيعكِ أبدًا، قال تعالى: {ومن يتق الله يجعل له مخرجًا ويرزقه من حيث لا يحتسب} [الطلاق: 2-3].

أسأل الله أن يفتح لكِ أبواب الخير، وأن يرزقكِ الحكمة والسداد في اتخاذ القرار، وأن يجعلكِ مباركة أينما كنتِ، ولا تنسي أن تستعيني بالدعاء في كل لحظة، فهو سلاح المؤمن الذي لا يخيب.

وفقكِ الله لما فيه خيركِ في الدنيا والآخرة.

www.islamweb.net