تنمر البعض يسبب لي الضيق وشعور الضعف، فهل أرد بالمثل؟
2025-06-26 05:24:53 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أواجه أحيانًا مواقف من التنمر من قبل بعض الفتيات والأولاد؛ مما يسبب لي ضيقًا نفسيًا وشعورًا بالضعف أو القهر، في بعض الأوقات تراودني أفكار الرد بالعنف، لكني لا أعلم إن كان هذا التصرف صحيحًا أم لا.
كما أنني أُجاهد نفسي في الابتعاد عن المحرمات، وأحرص على أداء الطاعات، وأحاول مقاومة الوساوس والأفكار السلبية التي تراودني، لكنني أجد صعوبة أحيانًا في السيطرة على مشاعري وردود فعلي.
سؤالي: هل اللجوء إلى العنف كرد فعل على التنمر يُعد صوابًا؟ وما هو التوجه الصحيح الذي يمكنني اتباعه في هذه المواقف دون أن أظلم نفسي أو غيري؟
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ حمزة حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أخي الفاضل: أشكر لك شجاعتك في مشاركة هذه المشاعر والأفكار التي تمرّ بها، وأريد أن أؤكد لك أن شعورك بالضيق حيال التنمّر الذي تتعرض له هو أمر طبيعي؛ فهو من الأفعال المؤذية التي تؤثر على الإنسان نفسيًا وعاطفيًا، وقد تفتح بابًا للغضب أو الحزن أو حتى الأفكار السلبية مثل اللجوء إلى العنف، لكنّي أطمئنك أن مجرد سعيك للحفاظ على الطاعات ومجاهدة نفسك في البعد عن المحرمات، وسعيك لإغلاق الأبواب على الشيطان، يدل على الخير الكبير في قلبك، وعلى رغبتك الصادقة في اتباع طريق الحق والصواب.
أولًا: التنمّر ليس مجرد تصرّف سيئ، بل هو سلوك مؤذٍ قد يترك آثارًا نفسية وعاطفية عميقة، أن تتعرض للإهانة أو الإساءة، سواء بالكلام أو الأفعال، قد يخلق داخلك شعورًا بالغضب أو الإحباط، وهو شعور إنساني طبيعي، والغضب بحد ذاته ليس مذمومًا، لكنه يصبح خطرًا إذا دفعنا إلى اتخاذ قرارات خاطئة، أو أفعال نندم عليها لاحقًا.
في علم النفس، يُعتبر التنمّر أحد أشكال الإساءة التي قد تؤثر على الثقة بالنفس، أو تزرع مشاعر سلبية داخل الإنسان، وقد يؤدي إلى توليد أفكار دفاعية مثل: الرغبة في رد الإساءة، أو حتى اللجوء إلى العنف، لكن المهم أن نتذكر أن العنف ليس الحل الأمثل، بل قد يزيد من المشكلة، ويُدخلنا في دائرة من الصراعات التي تُثقل قلوبنا، وتُبعدنا عن السلام الداخلي.
ثانيًا: كيف يمكن أن نتعامل مع التنمّر؟
من المهم أن نبحث عن أساليب فعّالة للتعامل مع التنمّر، سواء من الناحية النفسية أو الاجتماعية، وإليك بعض النصائح العملية التي قد تساعدك:
• التغافل عن أفعال المُتنمّرين هو أحيانًا أفضل ردّ، يقول الإمام الشافعي رحمه الله:
"إذا نطق السفيه فلا تجبه ... فخيرٌ من إجابته السكوتُ"
التغافل لا يعني الضعف، بل هو قوة تُظهرك أكبر من تلك الإساءات.
• بدلاً من التفكير بالعنف كوسيلة للتعامل مع الغضب، حاول أن تلجأ إلى أنشطة تُساعدك على التفريغ، مثل الرياضة أو الكتابة أو التحدث مع شخص تثق به.
• إذا كان التنمّر يحدث بشكل مستمر ومؤذٍ جدًا، فلا بأس من اللجوء إلى من تثق بهم، سواء كانوا من أفراد العائلة، أو المعلمين أو المسؤولين؛ ليتدخلوا بشكل مناسب.
• المتنمّر غالبًا ما يستهدف الشخص الذي يعتقد أنه ضعيف، قم بتعزيز ثقتك بنفسك من خلال التركيز على نقاط قوتك، وممارسة الهوايات التي تحبها، والتعلم المستمر.
ثالثًا: الرغبة في اللجوء إلى العنف:
أخي: الإسلام دين الرحمة والعفو، وقد علّمنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن القوة الحقيقية ليست في استخدام العنف، بل في ضبط النفس، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:"ليس الشديد بالصُّرَعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب" (متفق عليه).
العنف قد يبدو أحيانًا كأنه وسيلة لاستعادة كرامة مهدورة، أو رد اعتبار، ولكنه في الحقيقة يؤدي إلى نتائج سلبية، سواء على المستوى النفسي، أو الاجتماعي، أو حتى الشرعي، الله سبحانه وتعالى يأمرنا بضبط النفس والصبر في مواجهة الأذى، حيث قال تعالى: "وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ" (فصلت: 34)، الرّد بالحسنى قد يبدو صعبًا، لكنه يُظهر نُبل أخلاقك، ويُربّي فيك صفات العفو والرحمة.
رابعًا: الوساوس ومجاهدة النفس: ما ذكرته من مجاهدة نفسك وإغلاق الأبواب على الشيطان هو جهاد عظيم في سبيل الله، فالوساوس جزء من ابتلاء المؤمن، خاصة عندما يسعى إلى الطاعات والبعد عن المحرمات، تذكر أن الله سبحانه وتعالى لا يكلف نفسًا إلا وسعها، وأن مجرد مقاومتك لهذه الوساوس يُكتب لك أجر عظيم، قال تعالى: "وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ" (العنكبوت: 69).
خامسًا: نصائح عامة:
• قال الإمام علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: "لا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حرًا"، لا تجعل أفعال المتنمّرين تُقيّدك أو تُحبطك، بل كن حرًا في نفسك، قوّ علاقتك بالله، وكن واثقًا أن الله يدافع عن عباده المؤمنين.
• في الأدب العربي، قال المتنبي:
"وإذا أتتك مذمتي من ناقص … فهي الشهادة لي بأني كاملُ"
أحيانًا إساءة الآخرين تدل على ضعفهم، وليس على عيب فيك.
سادسًا: تقوية العلاقة بالله:
أخي العزيز: كلما اقتربت من الله عز وجل، شعرت بالقوة والسكينة، اجعل علاقتك بالله هي مصدر ثقتك وسلامك الداخلي، أكثر من الدعاء، خاصة في أوقات الإجابة، واطلب من الله أن يزيل عنك الهموم، ويصرف عنك الأذى، قال تعالى: "وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ" (غافر: 60)، واجتهد في الطاعات التي تُقرّبك من الله، مثل الصلاة، وقراءة القرآن، والذكر، والصدقة.
ختامًا، أخي الكريم: أنت إنسان ذو قيمة كبيرة، ولا يحق لأحد أن يُشعرك بالنقص أو الضعف، لا تدع التنمّر يُؤثر على شخصيتك أو طريقك، وبدلاً من التفكير في العنف كحل، تذكّر أن القوة الحقيقية تكمن في الصبر والعفو، وأن الله معك ما دمت مع الحق.
أسأل الله أن يفرّج همك، ويهديك إلى ما فيه الخير، ويحميك من أذى المتنمّرين، ويجعل لك مخرجًا من كل ضيق، وفقك الله لما يحب ويرضى، وأزال عنك كل هم وغم.