أحاول جاهداً تجاهل وساوس الطهارة لكن دون جدوى!
2025-06-26 05:23:39 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
نشكر لكم جهودكم المباركة، ونسأل الله أن يكتب أجركم ويبارك فيكم.
أُعاني من وسواس قهري متعلق بالطهارة، وتحديدًا في موضوع الجنابة، حيث إنني عند كل دخول لدورة المياه، أراقب البول -أعزكم الله- بدقة شديدة، لأتأكد من عدم خروج شيء معه، وإذا حصل جماع أو إنزال، يصبح الأمر أكثر صعوبة من ناحية صحة الغسل.
أُركز كثيرًا على غسل الفرج بشكل مفرط، وأحيانًا أُكرر الوضوء والنية قبل الغسل، وأثناء الغسل أُحاول إيصال الماء لجميع أجزاء الجسم بدقة شديدة، وربما أُعيد الغسل ثلاثًا، أو أربع مرات، بسبب الشك في فساد الوضوء، أو عدم صحة الترتيب، وبعد انتهاء الغسل، أستمر في الشك في إيصال الماء، أو غسل جزء معين، هذه الحالة مرهقة جدًا، وتؤثر سلبًا على حياتي الاجتماعية والعملية، علمًا بأنني أُحاول جاهدًا تجاهل هذه الوساوس وأكافحها، لكن دون جدوى.
سؤالي:
1. ما الحكم الشرعي لهذا النوع من الوسواس؟ وهل أكون مؤاخذًا على هذه التصرفات؟
2. هل يوجد علاج أو طريقة فعّالة للتخلص من هذه الحالة دون آثار جانبية، سواء نفسي أو دوائي؟
3. وبما أنني أُكثر من استعمال الماء بسبب هذه الوساوس، فهل يُعدّ ذلك إسرافًا يأثم عليه الإنسان شرعًا؟
جزاكم الله خيرًا وكتب أجركم.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ وليد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبًا بك في إسلام ويب، ونسأل الله أن يفرّج همّك، ويطهّر قلبك، ويعافيك من هذا الوسواس الذي استبدّ بك، حتى صار يؤثر في عبادتك وعلاقاتك ونفسك، ولتعلم -بارك الله فيك- أن ما تعانيه معروفٌ عند العلماء والفقهاء والأطباء، وأن لك في الشرع رحمة، وفي العلم علاج، وفي التجربة أمل، فأصغِ بقلبك لما نذكره، وسندرج لك الجواب في خطوات واضحة:
أولًا: ما تعانيه يُسمّى "الوسواس القهري" وليس شكًّا طبيعيًا، فالشك الطبيعي عارضٌ يُدفع بسهولة، أما الوسواس القهري فهو:
- شعور متكرّر يفرض نفسه عليك، رغمًا عنك.
- قناعة متأرجحة: (ربما لم أغتسل، ربما خرج شيء).
- قلق شديد يدفعك لتكرار الغسل أو الوضوء، أو النظر في البول.
- صراع داخلي بين: أعلم أن هذا وسواس، لكنني لا أرتاح حتى أُعيد.
وهذا لا يُحاسبك الله عليه إن جاهدته، قال رسول الله ﷺ: "إن الله تجاوز لأمتي ما حدّثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم".
ثانيًا: لا تلتفت إلى الوسواس أبدًا، ما دمتَ تعرف أن هذا الشعور وسواسي، فالشرع يأمرك بإهماله وعدم البناء عليه، حتى لو غلبك القلق، والقاعدة الفقهية تقول: "اليقين لا يزول بالشك"، فطالما أنك تيقّنت أنك اغتسلت، فلا يضرك الشك بعده، حتى لو شعرت بعدم الراحة.
ثالثًا: في باب الغسل من الجنابة، تذكّر هذه الأحكام:
- غسل الجنابة لا يشترط فيه إعادة الوضوء بعده، إذا نويت رفع الحدث الأكبر.
- يكفي أن تعمّم الماء على بدنك مرة واحدة دون وسوسة، ولا يجب إدخال الماء في باطن الجسم.
- غسل الفرج قبل الغسل يكفي مرّة واحدة، ولا يُعاد.
- إذا خرج بول بعد الغسل، فليس عليك إعادة الغسل، بل فقط الوضوء.
- لا يُشترط تيقّن خروج شيء مع البول، فالأصل عدم الخروج.
فكل ما تفعله من الإعادة ثلاثاً، أو أربع مرات، أو تفتيش البول، أو إعادة النية؛ كلّه مما حظره الشرع، لا لأنه ذنب، بل لأنه اتباع للوسواس.
رابعًا: نصيحة شرعية عملية، التزم بهذه القاعدة الذهبية: "افعل ما تفعله مرةً واحدة، ثم تجاهل كل ما بعده" توضأت؟ لا تعد الوضوء مهما وسوست. اغتسلت؟ لا تعد الغسل مهما فكّرت. خرجت من دورة المياه؟ لا ترجع، حتى لو أحسست أن قلبك يشتعل من القلق، اصبر واحتسب، فهذا هو الجهاد الذي تؤجر عليه.
خامساً: احذر من هذه الأمور التي تزيد الوسواس:
- الجلوس الطويل في دورة المياه.
- التدقيق في البول والنظر إليه بعد كل مرة.
- تكرار نية الغسل.
- تكرار صب الماء.
- البحث المتواصل عن فتاوى تتعلق بالغسل.
كل هذا يزيد الوسواس، والعلاج هو التوقف القاطع عنه، ومقاومة الفكر لا مسايرته.
سادساً: وصايا خفيفة على القلب عظيمة في الأثر:
- ردد دائمًا في نفسك: "أنا أعاني من وسواس، والله لا يكلّفني فوق طاقتي".
- استعذ بالله بقلبك، وقل: "آمنت بالله" كلما هاج الوسواس.
- قلّل الحديث عن الوسواس، فهو يتغذى على التركيز.
- صلِّ قيام الليل وأكثر من الدعاء: "اللهم اهدِ قلبي، واشرح صدري، وأذهب عني وساوس الشيطان"، "اللهم طهّر قلبي من الشك، وارزقني اليقين".
وأخيرًا: تذكّر أن الله لا يريد أن يُعسّر عليك، ولا أن يُرهقك في عبادته، فاطمئن، وابدأ من الآن طريق التحرر من الوسواس، ولا تخف من الخطأ، بل خف من الاستسلام له.
ونسأل الله أن يشفِيك، ويعافيك، ويشرح صدرك، ويجعلك من أهل الطمأنينة والسكينة والإيمان الكامل.