أتجنّب زيارة الناس بسبب افتقاري لمهارات التواصل!
2025-07-01 02:19:23 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عمري 34 عامًا، وأنا عاطل عن العمل، أودّ معرفة المهارات التي ينبغي على الرجل تعلّمها؛ فقد اكتشفت مؤخرًا بعد تقييمي لذاتي، أنني أفتقر إلى الكثير من المهارات.
فعلى سبيل المثال: لا أُجيد أعمال البناء، ولا قيادة السيارات، أو الدراجات النارية (المواتر)، ولا حتى حفر القبور، فضلًا عن افتقاري لمهارات التواصل الاجتماعي الفعّال، وهذه مجرد أمثلة على العديد من المهارات التي يُتقنها كثير من الناس في مجتمعي، بينما لا أُجيدها، فما هي المهارات الضرورية التي ينبغي لكل رجل أن يمتلكها؟
في كثير من الأحيان، عندما أركب مع شخص في سيارة، سواء كان المشوار قصيرًا أو طويلًا، أو حتى عندما أزور أحدًا، أو يزورنا أحد، لا أجد ما يمكنني التعبير به، فنقع فيما يُعرف بـالصمت المُحرج، لذلك أضطر لاختلاق موضوع من أي شيء يدور في بالي.
صحيح أنني أعرف الشخص وهو يعرفني، لكن معرفتنا غالبًا ما تقتصر على السلام، أو معرفة الأسماء فقط، وفي مجتمعنا، إذا لم تتحدّث أو تُبدي نوعًا من الأُنس مع الناس، يُنظر إليك على أنك غريب الأطوار، أو حتى مريض نفسي، ولهذا أتحدث بأي شيء، ولو لم يكن مهمًا.
لكن لأنني أكون متوتّرًا ومرتبكًا، أتلعثم كثيرًا، وأضحك بصوت عالٍ، بل أحيانًا أضحك لأسباب تافهة، ثم أتمنى لو أنني لم أتحدث أصلًا.
دائمًا ما أفتح مواضيع تافهة، أو أقع في الغيبة والخوض في أحاديث الناس، ولهذا قررت أن لا أتحدث، حتى لو امتدّ المشوار لساعات، إلا إذا دعت الحاجة.
ما قصدته من هذا القرار، هو أن أتعمد التغابي والتجاهل والتغافل عن الناس وما يدور حولي؛ حفاظًا على نفسي من الزلل، لكن الناس كثيرًا ما يُسيئون الفهم، ويعتبرونك أهبل أو معتوهاً، أو أنك لا تعرف شيئًا، فلا تُحترم في المجتمع.
لذلك: أجد نفسي مضطرًا للكلام، رغم أن ذلك يُخالف هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- في قوله: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت".
في السابق كان لدى بعض الناس انطباع عني، وليس مجرّد توهُّم، بل سمعته من أكثر من شخص، وهو بأني لا أتكلم، ولا أُحسن الحديث، ولا أفقه شيئًا في الحياة، مع أنني أؤمن إيمانًا قويًا بشخصيتي، وبثقافتي، واطلاعي، ولدي العديد من الصفات الجيدة.
لكن لا أعرف كيف أتعامل مع هذه المواقف المحرجة، فقد أصبحت أتجنّب زيارة الناس؛ بسبب افتقاري لمهارات التواصل؟
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Omrr حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
بارك الله فيك على شجاعتك في التعبير عن مشاعرك، وما يدور في داخلك؛ فإن مجرد مشاركتك لهذه الأفكار يعكس وعيك بذاتك، ورغبتك في التغيير والتطوير، وهذا في حد ذاته خطوة عظيمة نحو النمو الشخصي والروحي، أسأل الله أن يفتح عليك من فضله، ويوفّقك لما يحب ويرضى.
أولًا: من الواضح أنك تعيش صراعًا داخليًا بين رغبتك في أن تكون شخصًا أفضل، وبين خوفك من الأحكام الاجتماعية التي قد تُلقى عليك، وهذا الإحساس طبيعي جدًا، خاصة في مجتمع قد تكون فيه المهارات الاجتماعية والعملية ذات أهمية كبيرة.
لكن دعني أوضح لك أمرًا مهمًا:
قيمة الإنسان لا تُقاس فقط بمهاراته، أو بقدرته على التحدّث، بل بتقواه وأخلاقه، قال الله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13]، لذا: لا تدع هذه الضغوط الاجتماعية تُشعرك بالنقص أو الدونية.
كما أن مشاعر القلق التي تراودك أثناء التواصل مع الآخرين طبيعية، وقد تكون نابعة من رغبتك في أن تُظهر أفضل ما لديك، وتذكّر أن التواصل الاجتماعي مهارة يمكن تعلمها وتحسينها مع الوقت.
ثانيًا: ذكرت أنك تشعر بأنك تفتقر إلى بعض المهارات التي يراها المجتمع مهمة، مثل: البناء، وقيادة السيارات، وحفر القبور، والتواصل الاجتماعي، وهذه ملاحظة جيدة منك، لكن دعني أؤكد أن تعلم المهارات ليس سباقًا، بل هو رحلة مستمرة، فكل إنسان لديه نقاط قوة ونقاط ضعف، ولا أحد يُتقن كل شيء، وحتى الصحابة -رضي الله عنهم- كانوا مختلفين في مهاراتهم، فمنهم من كان بارعًا في القتال، ومنهم من كان فقيهًا، أو تاجرًا، أو شاعرًا.
ونبينا -صلى الله عليه وسلم- قال: "احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز" [رواه مسلم]، فابدأ بما تستطيع تعلمه أو تحسينه، وليكن ذلك خطوة بخطوة، ومن الأمور التي يمكنك التركيز عليها:
1- المهارات العملية: يمكنك تعلّم المهارات التي تراها مفيدة، مثل: القيادة، أو الأعمال اليدوية، ابحث عن دورات تدريبية محلية، أو عبر الإنترنت، وابدأ بالتجربة، ولا تخجل من طلب المساعدة أو التعلّم من الآخرين.
2- مهارة التواصل الاجتماعي يمكن صقلها بالتدريب والممارسة؛ اقرأ عن فنون الحوار والإصغاء، وتمرّن على الحديث مع المقرّبين منك، وتذكّر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يستمع أكثر مما يتكلم، وكان كلامه موجزًا وذا معنى، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت" [رواه البخاري ومسلم].
ثالثًا: الصمت أثناء الحديث مع الآخرين قد يكون مزعجًا، لكن تذكر أنه ليس دائمًا أمرًا سلبيًا، وأحيانًا يكون الصمت أفضل من الكلام غير المفيد، قال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: "إذا تم العقل نقص الكلام، وإذا نقص العقل تم الكلام"، ومع ذلك إذا كنت ترغب في تحسين مهاراتك في الحديث، فإليك بعض النصائح:
- عليك بالتحضير المسبق، فكر في مواضيع خفيفة يمكنك التحدث عنها مسبقًا، مثل: أخبار عامة، قصص إيجابية، أو حتى أسئلة بسيطة عن أحوال الشخص الآخر.
- بدلاً من أن تشعر بالضغط للتحدث، اسأل الشخص الآخر عن حياته أو اهتماماته؛ فهذا يُظهر اهتمامك ويخفف عنك ثقل الحديث.
- عندما تستمع جيدًا، ستجد أن الحديث يتدفق بشكل طبيعي، وتخلق بخلق النبي -صلى الله عليه وسلم- حيث كان مستمعًا عظيمًا، وكان يُشعر من يتحدث معه بأنه محور اهتمامه.
- التدرب على التحدي والتمرن مع أصدقاء مقربين، أو أفراد العائلة، يمكن أن يساعدك في بناء الثقة.
رابعًا: ذكرت أنك تحاول التغافل والتجاهل، وهذا أمر محمود في حدود معينة، قال الإمام الشافعي: "الكَيِّسُ العاقل هو الفَطِنُ المتغافِل"، ولكن إذا كان التغافل يُفهم منك بطريقة خاطئة، فحاول أن توازن بين الصمت والحديث، ولا بأس أن تتحدث في حدود ما تشعر به من راحة، ولا تلزم نفسك بما يشق عليك.
خامسًا: ذكرت أنك مؤمن بشخصيتك وثقافتك، وهذا أمر رائع، والثقة بالنفس تأتي من فهم قيمتك كإنسان، النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقول: "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير" [رواه مسلم)].
لذا اعمل على تقوية نفسك في الجوانب التي تراها مهمة لك، ولا تتأثر كثيرًا بما يقوله الناس.
سادسًا: اجعل نيتك لله تعالى في كل ما تفعله، تعلم المهارات، تحسين التواصل، أو حتى الصمت، اجعلها وسيلة لنيل رضا الله، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى" [رواه البخاري ومسلم].
سابعًا: نصيحة عملية:
- خصص وقتًا يوميًا لتطوير نفسك، سواء في المهارات العملية، أو التواصلية، أو الإيمانية.
- لا تخجل من طلب المشورة، أو المساعدة من الآخرين.
- ابتعد عن مقارنة نفسك بالآخرين، وركز على تقدمك الشخصي.
- تذكر أن التغيير يستغرق وقتًا، فلا تستعجل النتائج.
ثامنًا: أكثر من الدعاء أن يفتح الله عليك وييسر أمورك، قال تعالى: "ادعوني أستجب لكم" [غافر: 60]، ومن الأدعية الجميلة: "اللهم اهدني وسددني، واجعلني خيرًا مما يظنون، واغفر لي ما لا يعلمون"، روى الإمام مسلم في صحيحة وأبو داود والنسائي في السنن عن علي -رضي الله عنه- قال: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "قُلْ اللَّهُمَّ اهْدِنِي وَسَدِّدْنِي، وَاذْكُرْ بِالْهُدَى هِدَايَتَكَ الطَّرِيقَ، وَالسَّدَادِ سَدَادَ السَّهْمِ"، وأيضًا قول: "اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً".
أخيرًا: لا تجعل هذه التحديات تعوقك عن السعي نحو الأفضل، فأنت في رحلة مستمرة من التعلم والنمو، وكل خطوة تخطوها هي إنجاز بحد ذاته، فثق أن الله معك، وأنك قادر بعونه على تحسين نفسك والتغلب على هذه الصعوبات، واستمر في السعي، وتذكر أن الله لا يضيع أجر من أحسن عملًا.
أسأل الله أن يفتح عليك من فضله، وأن يرزقك التوفيق والسداد في كل أمورك.