كيف أوفق بين حقوق أمي وحقوق أسرتي عليّ؟
2025-07-21 00:24:24 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم.
أنا رجلٌ متزوجٌ ولي ثلاثة أبناء، وأعيش في الغربة، ولكن زوجتي وأبنائي لا يرافقونني بشكل دائم، إذ يزورونني كلما تيسرت الظروف، مرة كل عام أو عامين أو أكثر، وذلك بسبب تكاليف المعيشة المرتفعة في بلد إقامتي.
مؤخرًا، توفي والدي – رحمه الله – وبعد وفاته أصبحت والدتي وحيدة، وهي تبلغ من العمر سبعين عامًا، وتحتاج إلى رعاية، وهي تقيم في مدينة بعيدة عن المدينة التي تعيش فيها زوجتي وعائلتها، لي أخ أيضًا مغترب في بلد آخر.
اتفقنا أنا وأخي على أن تقضي والدتنا جزءًا من العام معه، وجزءًا معي في الغربة، كي لا نتركها وحيدة، وبالفعل، أقامت لدي ثمانية أشهر، ثم انتقلت لتقيم لدى أخي لمدة أربعة أشهر.
ولكن خلال فترة إقامة والدتي معي، اعترضت زوجتي على طول المدة، وأثارت موضوع المصروفات، نظرًا لعلمها بدخلي المحدود، وأشارت إلى أنها محرومة من وجودي معها ومع أبنائي بسبب الغربة التي فرضتها الظروف المادية، والتي تزداد صعوبة عندما تكون والدتي مقيمة معي.
وطلبت أن تأتي هي والأولاد للعيش معي، معتبرة أنها أحق بالإقامة معي من والدتي، ودارت بيننا نقاشات كثيرة، ومشاكل بهذا الخصوص.
الآن، انتهت فترة إقامة والدتي لدى أخي، ومن المفترض أن تعود لتقيم معي، ولكن هذا قد يتسبب في مشكلات جديدة مع زوجتي.
ومن جهة أخرى: فإن أخي يواجه ظروفًا مشابهة، حيث تعاني زوجته من صعوبة تقبل وجود والدتنا لديهم، رغم أن الفرق بيني وبينه أن زوجته وأولاده يعيشون معه في الغربة.
أنا في حيرة من أمري، أريد حلاً يرضي الله، ويسعد جميع الأطراف، وفي الوقت نفسه يساعدني على بر والدتي.
علمًا بأن والدتي ترفض فكرة وجود خادمة تساعدها في المنزل إذا بقيت بمفردها، وهي لم تطلب مني صراحةً أن تعود لتقيم معي، ولكن إحساسي بالمسؤولية والحب تجاهها يجعلني عاجزًا عن تركها وحيدة، خاصة بعد أن رأيت مدى احتياجها للرعاية، إذ أنها أصبحت مثل الطفل، ولا يوجد لنا أقارب يمكن الاعتماد عليهم في رعايتها.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Ramy حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبًا بك -أيها الأخ الكريم- في الموقع، ونشكر لك اهتمامك وحرصك على السؤال، ونسأل الله أن يوفقك، وأن يصلح الأحوال.
ونحب أن نؤكد لك، ولزوجتك، ولكل من يسمع، أن أولى الناس بالرجل هي أمه، وأن مقام الأم عظيم جدًّا، وحقها مقدَّم حتى على الأب، ولذلك نوصيك بعدم التقصير في حق الوالدة ما استطعت إلى ذلك سبيلًا.
وليكن معلومًا أن بر الرجل لأمه ينعكس خيرًا على أبنائه، وتنتفع منه زوجته وأسرته، وهذه معادلة عظيمة لا بد أن ننتبه لها، وليس في هذا دعوة لتقصير الرجل في حق زوجته أو أولاده، بل الشرع الذي يأمر ببر الوالدين هو نفسه الذي يأمر بحسن العشرة والإحسان إلى الأهل، والإحسان للوالدة وللأهل بقدر الاستطاعة، قال تعالى: {لينفق ذو سعة من سعته، ومن قُدِر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله، لا يكلف الله نفسًا إلا ما آتاها}.
نرجو من الزوجة والأبناء أن يتفهموا هذا المعنى الكبير، فحين تضيق الحياة، علينا جميعًا أن نتحمل، ونسأل الله أن يوسّع لنا في أرزاقنا.
وعلينا جميعًا أن نعلم أن الرزق الذي يأتينا أكثره بسبب بر الوالدة، فقد قال النبي ﷺ: "من أحب أن يُبسط له في رزقه، ويُنسأ له في أثره، فليصل رحمه"، ولتعلم الزوجة أن الخير الذي تنعمون به، هو بفضل الله، ثم ببرك لوالدتك.
وفي الوقت نفسه، لا بد أن تشكر زوجتك على صبرها، وتتفهّم ما تقوله لك، وتنتبه لكلماتها، وتجتهد في إكرامها وأبنائك ما استطعت، فإن لم تقدر ماديًا، فلا تبخل بالكلمة الطيبة، قال تعالى: {وإما تُعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها، فقل لهم قولًا ميسورًا}، هذا في حق الوالدين، وفي حق الزوجة، إذا لم يجد الإنسان شيئًا، فليقل: (أبشروا، إذا وسّع الله علي سأوسِّع عليكم، وأنا أقدّر صبركم)، فمثل هذا الكلام له أثر كبير جدًّا، فالكلمة الحسنة لها أثر بالغ، والزوجة تحتاج إلى دعمٍ وتقديرٍ، كما تحتاج أن ترى حرصك على الجمع بين البر والإحسان للجميع.
ومع هذا كله، لا خيار أمامك إلَّا القيام بواجبك تجاه والدتك، بل ينبغي أن تسعى لنيل شرف ذلك وتتسابق فيه مع شقيقك، فهو باب من أبواب الجنة، ومن أعظم الأعمال التي يُرضى الله بها.
وحاول أن تتحاور مع زوجتك بهدوء، وأن تختار الوقت المناسب والمكان المناسب، وبيّن لها أهمية هذه الواجبات، لكن لا يجوز أن تُقال للوالدة عبارة توحي بالرفض أو القطيعة أو الإهمال، كأن يقال لها: "انتهت المدة" أو "انتهت الإقامة".
ومن جانب آخر، اجتهد في البحث عن مصدر رزق يمكنك من جمع الأسرة في مكان واحد، سواء بعودتك إلى بلدك، أو بقدوم أهلك إليك، فالتفاهم على هذه الأمور يفتح أبواب الحب والرضا، وإذا وُجد التفاهم سهلت المعادلات، وطعام الاثنين يكفي الأربعة، والبركة تنزل في هذه البيوت التي فيها والدة وفيها جدة وفيها أُمٌّ، فهم بركة البيت، وبركة الحياة.
نسأل الله أن يرزقك بر الوالدين، وأن يعين زوجتك على تفهّم هذا المعنى، وأن تبادر بدورك إلى تشجيعها على بر أهلها، فإننا حين نبر آباءنا نُعلّم ونربّي أبناءنا على هذا البر، ونسأل الله أن يُصلح الأحوال.
اجتهدوا في الوفاء للوالدة، ولا تتركوها وحدها، واجتهدوا في التوفيق فيما بينكم، واجتهدوا في القيام بما تستطيعونه من الواجب تجاهها، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يكتب لكم ثواب البر، هو وليُّ ذلك والقادرُ عليه.
والله الموفق.