هل تؤثر الفوارق الفكرية في العلاقة بين الزوجين؟
2025-08-04 03:44:23 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مشكلتي أنني خلال فترة الخطبة -أنا عاقد عليها-، واجهت عدة مشاكل مع والدها، وقبل تلك المشاكل كنت أراها شخصًا رائعًا، صاحبة دين، وخلق، وتصلح للزواج، وكنت أشعر بأن أي نواقص في علاقتنا فإنه يمكنني إصلاحها، ولكن بعد تلك المشاكل مع والدها أصبحت أرى تلك النواقص في علاقتنا كمحور الأمور، وأفكر كثيرًا هل تلك النواقص ستؤثر على علاقتنا كثيرًا بعد الزواج؟
أخاف أن أتزوجها ونصبح شخصين في بيت واحد كجسد فقط، أما عقولنا فكل شخص يعيش في عالم مختلف عن الآخر، لا أنكر أنني أصبحت أتهرب من الحديث معها في غالب الأحيان، وكلما أردت أن أعطيها فرصةً للموضوع، قوبلت بشخص لا يرى سوى المشاعر، ولا يريد التكلم إلا بالمشاعر، والحب، والحياة الوردية.
أما في أي موضوع آخر، أشعر بأنها تواجه صعوبةً دائمًا في إبداء رأيها، أو حتى فهم ما أريد إيصاله لها، وقد أعطيتها بعض الكتب لتقرأها، والفيديوهات لتشاهدها؛ كي نتناقش فيها فيما بعد، ولكني أشعر بأنها تتجاهلها، ولا تريد استثمار وقتها في هذا الأمور، وإن فعلت، وقرأت، أو شاهدت، فإنني عندما أريد نقاشها فيها، أشعر بأنها لم تفهم عن ماذا يتحدث الكتاب، أو الفيديو، وتختصر الكلام عنها إلى جمل من 3 أو 4 كلمات، وهذا يشعرني بالإحباط الشديد؛ لأنني أريد شخصًا يتحدث معي، ويتناقش، لا أن ترتكز علاقتنا على كلمات الحب والغرام؛ لأنها مشاعر لحظية، وبصراحة لم أكن أرى هذا الجانب السلبي إلا من بعد مشاكلنا مع والدها.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أنس حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبًا بك -أخانا الفاضل- في استشارات إسلام ويب، ونسأل الله أن يوفقنا وإياك لصالح القول والعمل.
أخانا الكريم، بدايةً: هناك جملة من القضايا ينبغي أن تكون على وعيٍ تام بها أثناء تعاملك مع زوجتك، فهذه الفتاة التي عقدت قرانك عليها أصبحت زوجتك شرعًا، ولم يبقَ سوى الدخول، وإقامة مراسم الزواج، ومن ثم فإن طبيعة العلاقة والتعامل هنا، تختلف عن مرحلة الخطبة التي هي مجرد وعد بالزواج.
لقد أحسنت حين اخترت صاحبة الدين والخلق –كما وصفت–، وهذه وصية نبوية عظيمة، إذ قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (تُنْكَحُ المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تَرِبَتْ يداك)، ومرحلة الخطبة وما يليها، بطبيعتها مليئة بالمشاعر والعاطفة، وهذا لا يُعد نقصًا، خصوصًا عندما تأتي من زوجتك التي تتلهف للقاء زوجها، وبناء بيتها، وأسرتها، بل هو أمر فطري يُسهم في بناء العلاقة الزوجية، ويقوي الارتباط، فإذا لم تبح الزوجة بحبها وشوقها لزوجها، فلمن؟!! ولكن بلا شك ينبغي أن يصاحب هذا توازن في فهم بقية أبعاد الزواج، ومسؤولياته المختلفة؛ لخلق نوع من التوازن والاعتدال.
لقد أشرت في سؤالك إلى أنك كنت ترى أن أوجه القصور قابلة للإصلاح، وأن الأساس موجود، وهو الدين والخلق، وهذا في حد ذاته وعي ناضج، ولكن يجب أن تنتبه إلى أن الكمال في البشر عزيز، وأن أي علاقة زوجية ستبقى ناقصةً من جانب ما؛ لأننا بشر نكمل بعضنا بعضًا، وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ المَرْأَةَ خُلِقَتْ مِن ضِلَعٍ لَنْ تَسْتَقِيمَ لكَ علَى طَرِيقَةٍ، فَإِنِ اسْتَمْتَعْتَ بهَا اسْتَمْتَعْتَ بهَا وَبِهَا عِوَجٌ، وإنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهَا، كَسَرْتَهَا وَكَسْرُهَا طَلَاقُهَا) رواه مسلم. فالسعي للكمال في العلاقة الزوجية يفسد الاستقرار فيها، وحدوث التفاهم، والتكامل حول الكليات والجزئيات هو من يحقق الاستقرار.
ولأجل هذا نُشير إلى نوعين من التوافق البشري:
توافق تكاملي: وهو أن يكمل كل طرف الآخر، بما منحه الله من خصائص وقدرات، وهو التوافق الأقرب للواقع، وقد كان رسول الله-صلى الله عليه وسلم- يعيش مع زوجاته وفيهن الغيرة والتفاوت، ومع ذلك كان يحتويهن بحكمته، ويصنع التوازن النبوي الفريد.
توافق تنافري: وهو نوع من الاختلاف الجذري في الرؤى، والطموحات، والفكر، والأساليب، يصعب معه التعايش، وتحقيق الاستقرار.
ومن خلال حديثك، يبدو أن ما تمر به هو من النوع الأول –التوافق التكاملي–، ولكنك بدأت ترى الاختلاف بحدة بعد المشكلة مع والد زوجتك، وربما أدى هذا إلى أن حملت مشاعر الغضب والرفض في قلبك دون وعي، فتحولت مشاعرك إلى عدسة تكبّر النقص، وتقلل من المشتركات، وهذا ما نلمسه من تكرارك لعبارة "أشعر"، فكل انطباعاتك نحو زوجتك مجرد مشاعر داخلية، لم تُبنَ بعد على واقع مكتمل من التجربة والممارسة.
أخانا الكريم: لكي تتمكن من اتخاذ قرار ناضج ومتوازن، ننصحك بما يلي:
أولًا: فكّر بعقلك لا بمشاعرك فقط، اطرح على نفسك أسئلةً صادقةً:
-هل هذه المشاعر واقعية، أم وليدة ظرف انفعالي؟
- هل يمكن تطوير العلاقة؟
- هل المشكلة مع والدها غيّرت رؤيتي لها، أم كشفت حقيقة كانت غائبة؟
- تحرّك من مساحة العاطفة إلى مساحة الإدراك، فهنا تتضح الرؤية.
ثانيًا: لا تطلب الكمال، ولكن اطلب التوازن، من النادر أن تجد شريكًا يوافقك فكريًا، وعاطفيًا، وروحيًا، بنسبة تامة، لكنك تستطيع أن تجد من يُكملك، فإذا كانت الفتاة صاحبة دين، وخلق، وحياء، ولديها مساحة للنضج والتطور، فامنحها الفرصة، وخصوصًا أنها لم تدخل بيئة الزواج التي تُسهم في بناء شخصيتها العاطفية، والفكرية تدريجيًا.
ثالثًا: جلسة حوار صادقة، بدل الاكتفاء بإرسال الكتب والمقاطع، حاول أن تفتح بابًا للحوار الهادئ، بدون ضغط، ولا تُحمّلها فوق طاقتها في هذه المرحلة؛ فالحياء طبيعي في الفتاة قبل الزواج، وقد يعوقها عن الانطلاق الفكري، أو التعبير الكامل عن الذات.
وأخيرًا -أخانا الكريم-: افصل بين الشخص المُخطئ، ومن يتحمل نتيجة هذا الخطأ، فهذا هو العدل؛ فإذا كان بينك وبين والدها مشكلةً، فننصحك بإصلاحها، وإصلاح علاقتك بهذا الرجل الذي ارتضاك زوجًا لابنته، وصهرًا لعائلته، فله حق المعروف والإحسان، وإذا تزوجت فسيكون هذا الرجل جدًا لأبنائك، فلا تبدأ حياتك الزوجية بقطيعة وخصام.
تأنَّ، ولا تستعجل الحكم، ومادامت هذه الفتاة -كما وصفت- ذات دين، وخلق، وحياء؛ فخيرٌ لك أن تتأنى، وتُعطي العلاقة حقّها في البناء؛ قال الله تعالى:"وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ" أي بالعدل، والرفق، والصبر، والتفهّم.
ونسأل الله أن يشرح صدرك، وييسر أمرك.