أشعر أنني غريب بين أصدقائي خصوصًا عند التزامي بالمبادئ الدينية!
2025-08-26 01:12:37 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم
أنا طالب في السنة الثالثة بالجامعة، ومشكلتي بدأت منذ الصف الأول الثانوي، تحديدًا بعد انتهاء جائحة كورونا وانتهاء فترة الحظر التي كنا خلالها نجلس في المنزل.
المشكلة هي أنني لا أستطيع مصاحبة أي أحد، وليس لدي أصدقاء، رغم أنني أُقبل على التعرف إلى الآخرين، ولكن بمجرد أن أتعرف إلى شخص، أبدأ في الانتظار وأتساءل: "كم من الوقت سيستغرق حتى يغيّر رأيه بي ويبتعد عني كما فعل الآخرون؟"
الجميع يصفني بأنني محترم ومؤدب للغاية، لكنني لا أحب هذا الوصف؛ لأنه غالبًا ما يتبعه الابتعاد عني، أو معاملتي وكأنني مجرد شخص يُركن على الرف.
يستمر أصدقائي في المزاح والحديث مع بعضهم، وأشعر بينهم أنني غريب، خصوصًا عندما ألتزم ببعض المبادئ الدينية، مثل: عدم مساعدتهم في الغش في الامتحانات، أو الامتناع عن التلفظ بألفاظ غير لائقة.
المشكلة أنني لا أجد أصدقاء صالحين، وحتى إن وجدتهم، يكون لديهم مئات الأصدقاء غيري، فأكون بالنسبة لهم مجرد إضافة سطحية لا تضر، وأحيانًا لا تنفع.
أما المشكلة الأخرى، والتي قد تكون مرتبطة بشكل أو بآخر بالمشكلة الأولى، فهي أن والدتي رأت في منامها رؤية تعني أنني سأكون من ناشري العدل في المستقبل، وأنني "نور من تحت عرش الرحمن".
هذه الرؤية جعلتني -للأسف- ألتزم المثالية في كل شيء وفي كل علاقاتي، ولا أقبل الأخطاء أو العيوب، كما أنني أشعر دائمًا بتوتر إزاء أحكام الناس عليّ (وهذه خصلة شخصية لا علاقة لها بالرؤية).
حتى هذه الرؤية دفعتني لاختيار قسم دراسي قريب منها، فاخترت دراسة العلوم السياسية، وأنا الآن خائف من المستقبل، وكأن هذه الرؤية مجرد أضغاث أحلام، خصوصًا أن هذا القسم لا يوفر فرص عمل كثيرة، وأخشى أن أكون قد ضيّعت مستقبلي.
ما الحل أو الوصف لمشكلتي؟ أنا أعلم أنها مشكلة غريبة ومعقدة، لكنني فعلاً أصبحت لا أفهم شيئًا مما حولي، أعيش الآن فقط من أجل الاستمرار، وليس لدي أهداف حالية أو مستقبلية.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد العزيز حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
شكرًا لتواصلك مع موقع إسلام ويب لطلب الاستشارة، ونود أن نطمئنك أن ما تشعر به مفهوم، وله أسبابه، وأن مشكلتك ليست غريبة أو معقدة كما تظن، بل يمكن التعامل معها بخطوات عملية متوازنة.
إن تمسّكك بالمبادئ الدينية، مثل رفض الغش، وحفظ اللسان عن الألفاظ السيئة، هو ثبات على الحق، وهو أمر محمود عند الله، فلا تجعله سببًا للإحباط، والإسلام دين الوسطية، فلا إفراط في المثالية، ولا تفريط في القيم، قال تعالى: (وكذلك جعلناكم أمة وسطًا) ومن الطبيعي أن تشعر بشيء من الغربة إذا تمسكت بمبادئك وسط بيئة مختلفة، لكن هذا لا يعني أنك غريب أو مرفوض، بل هو أمر طبيعي لمن يسعى للثبات على الحق.
أما فكرة "متى سيتركني الناس؟" فهي تعكس قلقًا اجتماعيًا وتوقعًا للرفض قبل حدوثه، وهذا التفكير يعرقل بناء علاقات طبيعية، ويمكنك تغيير السؤال إلى: "كيف أستمتع بالعلاقة وأبنيها على ما هو متاح الآن؟" المثالية الزائدة تجعلك دائم التوتر وغير راضٍ عن نفسك، أو الآخرين، فالإنسان بطبيعته ليس كاملًا ولديه عيوب، فتقبّل هذا الواقع ولا تجعله عائقًا أمام علاقاتك.
أما الرؤى الصالحة المرتبطة برؤية والدتك، فهي قد تكون بشارة أو رسالة خير، لكنها لا تُبنى عليها قرارات مصيرية، فالأصل أن تبذل الأسباب وتتوكّل على الله، وما الرؤيا إلا حافز للاستقامة لا أكثر، وعلى الجانب العملي والمستقبلي، فإن اختيارك لتخصص العلوم السياسية ليس خطأ، حتى لو كانت فرصه قليلة في بعض المجالات، فالتميز فيه يفتح أبوابًا مثل البحث الأكاديمي، والعمل في المنظمات الدولية، العلاقات العامة، الإعلام أو الدبلوماسية.
لذلك لا تقلق من المستقبل قبل أوانه، بل ضع لنفسك أهدافًا قريبة مثل: التفوق الدراسي، تعلم لغة إضافية، واكتساب خبرات عبر الدورات أو الأنشطة الطلابية، هذه الخطوات الصغيرة تبني ثقة وتفتح آفاقًا جديدة.
إليك بعض الخطوات العملية التي قد تساعدك على التكيف والتأقلم بسهولة أكبر مع ظروفك الحالية:
1. ابحث عن بيئات اجتماعية تناسب مبادئك، مثل المراكز التطوعية أو الأنشطة الدينية والاجتماعية.
2. درّب نفسك على تقبّل العلاقات غير المثالية، وحاول تقبّل الناس كما هم، فالاختلاف سنة الله في الكون.
3. مارس أنشطة تهدئة القلق مثل الرياضة، والتنفس العميق، والكتابة اليومية لتفريغ المشاعر.
4. لا تجعل المثالية قيدًا يشل حركتك، فالله يحب الاجتهاد لا الكمال.
5. تذكر أن الأهداف الكبيرة تتشكل تدريجيًا، ولا يُشترط أن تكون واضحة وأنت في الجامعة.
6. تقرب إلى الله بالطاعات، وخصص جزءًا من وقتك وجهدك في عمل تطوعي يسعد الآخرين، دون انتظار مقابل؛ فهذا يمنحك شعورًا بالطمأنينة ومتعة العطاء.
ختامًا: أنت لا تعاني من مشكلة غريبة، بل مزيج من قلق اجتماعي ومثالية زائدة، وضغط بسبب التفكير في المستقبل، وكلها أمور قابلة للتحسن، وتحتاج إلى صبر، وتدرج مع الثقة بالله وحسن الظن به.
نسأل الله أن يشرح صدرك، ويمنحك السكينة، ويرزقك صحبة صالحة تعينك على الخير، وأن يفتح لك أبواب الرزق والعمل النافع، ويجعلك من أهل العدل والرحمة، ويثبتك على الاستقامة برحمته وفضله.