احترام رأي الوالدين وإرضاؤهما هو مفتاح النجاح في الدنيا والآخرة.

2025-09-17 23:37:32 | إسلام ويب

السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

نحن على أبواب العام الدراسي، وأرغب في الانخراط في عمل اجتماعي معيّن ومحدّد؛ لإحساسي العميق بحاجتي النفسية والوجدانية إليه، غير أن والديّ يعارضان ذلك، إذ يرَيان أنه من الأفضل عدم الانشغال بأي عمل اجتماعي خلال السنة والنصف القادمة، إذ لم يتبقَّ لي سوى هذه الفترة للتخرج في كلية الطب.

وقد تأخرت في التخرج لأسباب قاهرة وخارجة عن إرادتي، وهي أمور يعلم الناس بتأخري بسببها، وإن كانوا لا يعلمون تفاصيلها.

اعتراض والديّ ليس أمرًا إجباريًا، بل هو رأي قويّ منهما، وهما لا يُجبرانني على شيء، لكن دافعهما في المعارضة هو الخوف عليّ من نظرة الناس وتركيزهم، بسبب انخراطي في هذا العمل الاجتماعي.

وقد أوضحتُ لوالدتي أنني سألتزم بالأذكار والصدقة، لكن والديّ أكّدا أنه لا بد من الأخذ بكامل الأسباب، ومن ذلك -في نظرهما- الابتعاد عن الظهور؛ لأن أنظار الناس، كما تقول أمي لا ترحم، وترى أن ذلك -وربما أيضًا والدي- قد يكون من الأسباب التي أثّرت عليَّ سابقًا، وأسهمت في تأخري عن التخرج في كلية الطب.

أرجوكم أرشدوني إلى الحل، فأنا أرى أنني في حاجة شديدة لهذا العمل الاجتماعي، ولا أريد أن لا أوفَّق بسببه، سواء لأنني قمتُ به رغم رأي والديَّ، مع أنه مجرد رأي وليس أمرًا، أو أن لا أوفَّق لأنني تسببت لهما بشيء من القلق والاضطراب، ولو كان جزئيًا.

الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ سائل حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أسأل الله أن ييسر أمرك، ويشرح صدرك لما فيه الخير لك في دينك ودنياك، أقدر مشاعرك وحاجتك النفسية للانخراط في العمل الاجتماعي، كما أقدر حرص والديك وخوفهما عليك من نظرة المجتمع، وتأثيرها عليك، إن هذا الموقف يتطلب حكمة وتوازنًا بين حاجتك النفسية، واحترام رأي والديك، مع الأخذ بالأسباب التي تحقق لك التوفيق والراحة النفسية.

دعنا نبدأ من بر الوالدين وأهميته، قال الله تعالى: {وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [سورة الإسراء: 23]، بر الوالدين من أعظم القربات إلى الله، وهو واجب حتى في الأمور التي قد تختلف فيها وجهات النظر، ما دام الأمر لا يتعارض مع طاعة الله، وبالمقابل فإن الإسلام يدعو إلى الأخذ بالأسباب مع التوكل على الله، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز" [رواه مسلم].

هذا يعني أن عليك أن توازن بين حاجتك النفسية، وبين الأخذ بالأسباب التي تحقق لك النجاح في دراستك، وتجنبك أي ضرر محتمل، فإذا كان العمل الاجتماعي الذي ترغب في الانخراط فيه نية صالحة، وهدفه خدمة الناس، أو تحقيق منفعة عامة، فهو من الأعمال التي يحبها الله، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس" [رواه الطبراني]، ولكن قبل التسرع بالانخراط في هذا العمل، عليك التروي أولا، وأخذ الرأي، كما قيل في المثل: "الرأي قبل شجاعة الشجعان".

خاصة إذا كان القرار قد يؤثر على مستقبلك، أو علاقتك بوالديك، فإذا استقر رأيك على أمر ما فجدّ في طلبه، كما قال المتنبي:
إذا غامرت في شرف مروم .. فلا تقنع بما دون النجوم

ما الذي يمكن أن تفعله الآن؟
- اجلس مع والديك في جلسة هادئة، واشرح لهما حاجتك النفسية لهذا العمل الاجتماعي، وكيف ترى أنه سيساعدك على تحسين حالتك النفسية.
- أكد لهما أنك تحترم رأيهما وتقدرهما، وأنك ستأخذ مخاوفهما بعين الاعتبار.
- إذا قررت الانخراط في العمل الاجتماعي، حاول أن تجعله محدودًا في الوقت؛ بحيث لا يؤثر على دراستك.
- ضع خطة واضحة لإدارة وقتك، وشاركها مع والديك لتطمينهما.
- استشر شخصًا موثوقًا من العائلة أو المجتمع، مثل: شيخ، أو مستشار نفسي إسلامي، ليكون وسيطًا بينك وبين والديك.
- أكثر من الدعاء بأن يشرح الله صدرك وييسر أمرك، قال الله تعالى: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [سورة غافر: 60].
- التزم بالأذكار اليومية، خاصة أذكار الصباح والمساء، فهي حصن للمسلم من كل سوء.
- إذا كان العمل الاجتماعي الذي ترغب فيه يثير قلق والديك، فكر في بدائل أخرى تحقق لك نفس الفائدة النفسية، دون أن تسبب لهما قلقًا.

نحن نقدر حاجتك للعمل الاجتماعي؛ فالعمل الاجتماعي يمكن أن يكون مصدرًا كبيرًا للدعم النفسي؛ حيث يمنحك شعورًا بالإنجاز والانتماء، ومع ذلك من المهم أن يكون هذا العمل متوازنًا مع أولوياتك الأخرى.

أما بالنسبة لنظرة الناس: فقد تكون مصدر قلق، ولكن تذكر أن رضا الله أهم من رضا الناس، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من أرضى الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس، ومن أسخط الله برضا الناس سخط الله عليه وأسخط عليه الناس" [رواه ابن حبان].

وفي الختام: أسأل الله أن يوفقك لما فيه الخير لك في دينك ودنياك، وأن يشرح صدرك وييسر أمرك، وتذكر أن التوازن بين حاجتك النفسية، واحترام رأي والديك هو مفتاح النجاح، أكثر من الدعاء بهذا الدعاء:
"اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، اللهم اجعل لي من أمري رشدًا، ووفقني لما تحب وترضى".

وفقك الله وسدد خطاك.

www.islamweb.net