أرهقتني الوساوس بسبب حادثة وقعت منذ سنوات، فكيف أتجاوزها؟
2025-08-26 01:22:22 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم.
منذ شهر رمضان، بدأت أعاني من أوهام تراودني حول حادثة وقعت معي في عام 2018.
كنت في مكان عام، وبعد عودتي من صلاة المغرب، قابلت في طريقي طفلة صغيرة تطلب نقودًا، اصطحبتها إلى الدار لأعطيها المال، ودخلت بها إلى بيت داخل سور، فجأة انفجرت بالبكاء، فتركتها دون أن أمسّها بسوء، وخرجت من الباب هاربًا خشية أن يراني أحد.
مرت القضية بسلام، ولم أسمع أي خبر متعلق بالحادثة طوال هذه السنوات، وكنت أحمد الله دائمًا لأنه نجّاني من أن أقترف سوءًا تجاهها.
لكن في إحدى ليالي رمضان الماضية، وبينما كنت أصلي التراويح بمفردي، راودني خاطر: ماذا لو كنت قد ارتكبت معها المحظور؟ ماذا لو أصابها مكروه وأنا متلبّس بذلك؟
بدأت الأوهام تتسلل إليّ: ماذا لو لم تخرج الطفلة من البيت؟ أو لم تستطع الخروج من الباب؟ ثم تطورت الفكرة إلى أنها ربما خرجت وتعرضت لحادث سيارة، رغم أن المقر لا يقع على شارع معبّد.
هذه الأفكار أرقتني، وأصبحت أتخيل كل شيء وأربط أي صدفة تمر بي بالحادثة.
ثم حلمت بعد عدة ليالٍ من هذه الأوهام أنني كنت مع والديّ، وجاء أبي بالبشارة أنه عرف أهل الفتاة وأنها بخير الآن. في الوقت ذاته، كانت في يدي جمجمة رميتها خارج المنزل، وأقبلت أحمد الله وأثني عليه على هذه البشارة، لكن رغم ذلك، ما زالت تلك الأوهام تراودني، علمًا أن الطفلة لا أعرفها، ولا أعرف من أين أتت.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
جزاك الله خيرًا على ثقتك في موقع إسلام ويب، وحرصك على طلب الاستشارة، ونسأل الله أن يشرح صدرك، ويبدلك راحة وسكينة، ويصرف عنك هذه الوساوس.
إن ما تم سرده يعد من المشكلات المركبة، ونفصّل لك الرد على ما ذكرت خطوة بخطوة:
أولًا: حول الحادثة الأصلية (عام 2018):
ذكرتَ أنك اصطحبت الطفلة إلى الدار بنيّة إعطائها مالًا، ثم خطرت ببالك نية سيئة بالاعتداء عليها، ولكنك تراجعت فورًا عندما بكت، فأطلقت سراحها دون أن تمسّها بسوء، وغادرت المكان بسلام.
وهنا لا بد من التنبيه: أن مجرّد الهمّ بالمعصية مع العزم على الفعل يُعد ذنبًا يحتاج إلى توبة واستغفار، حتى لو لم يتم الفعل؛ فالرسول ﷺ قال:(إذا همَّ عبدي بسيئة فلم يعملها كتبت له حسنة كاملة) إذا تركها لله، أما إذا تركها لعجز، أو خوف فقط، فيُكتب عليه همّ السوء.
ومع ذلك، نحمد الله أن حماك من الوقوع في الفعل المحرم، وصرفك عن أذية الطفلة، فالتدارك قبل الفعل من رحمة الله بك، وبناء على ما سبق أنك لم ترتكب اعتداءً فعليًا، ولم يلحق بالطفلة أذى، فالحادثة انتهت عمليًا، لكن يلزمك أن تجعلها دافعًا لتوبة صادقة، واستغفار، وحسنات تمحو السيئات، بدلًا من استدعاء تلك الذكرى المؤلمة وتضخيمها في ذهنك.
ثانيًا: حول الأوهام والشكوك بعد شهر رمضان:
ذكرتَ أنه منذ رمضان الماضي بدأت تراودك خواطر مثل:
• "ماذا لو ارتكبت المحظور؟"
• "ماذا لو لم تستطع الطفلة الخروج؟"
• "ماذا لو أصابتها سيارة؟"
هذه كلها وساوس قهرية (Obsessive Thoughts) لا علاقة لها بالواقع؛ لأنك متيقن أنك لم تفعل الفعل المحرّم، ومتأكد أنك رأيت الطفلة تخرج بسلام، لكن الشيطان يستغل الندم القديم ليعيد تضخيم الموقف في ذهنك بشكل مخيف.
ويمكن تفسير الحل الشرعي والعلمي كما يلي:
• شرعًا: النية السيئة التي لم تتحول إلى فعل تُعد ذنبًا يحتاج إلى توبة واستغفار، وقد أنجاك الله من الفعل نفسه، فلا تُؤاخذ اليوم إلا بالاسترسال مع هذه الوساوس، قال ﷺ: (إن الله تجاوز لأمتي عما وسوست به صدورها ما لم تعمل به، أو تتكلم). متفق عليه.
• علميًا: هذه الحالة تُعرف باضطراب الوسواس القهري (OCD)، حيث يعيد العقل تكرار الفكرة وكأنها لم تُحسم بعد، فيظل يطرح أسئلة متخيلة بلا نهاية.
ثالثًا: حول الحلم الذي رأيته:
ذكرت أنك رأيت في المنام أن أباك بشّرك أن الفتاة بخير، وأنك رميت جمجمة، ثم حمدت الله.
هذا الحلم في الغالب انعكاس لرغبتك الداخلية بالاطمئنان، وتمني نهاية هذه الوساوس، وليس بالضرورة رؤيا ذات دلالة شرعية خاصة، لكنه مؤشر إيجابي أن نفسك تبحث عن السلام، وأن الله يطمئن قلبك أن الأمر انتهى بخير.
رابعًا: تفسير استمرار الأوهام:
• ما تعانيه هو نوع من التفكير الاجتراري؛ حيث يعيد العقل نفس الفكرة عشرات المرات بلا نتيجة.
• الوسواس يتغذى بالانتباه ومناقشته كأنه حقيقة، ويعد ربطك لأي صدفة أو موقف بالحادثة القديمة يدخل في ما يسمى "الإسقاط الوسواسي"، وليس دليلًا واقعيًا.
خامسًا: خطوات عملية للتعامل مع هذه الأفكار المزعجة:
1. القطع وعدم الاسترسال: عندما تأتي الفكرة قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وأشغل نفسك بعمل آخر.
2. تجنب الفحص العقلي: لا تكرر سؤال نفسك: "هل حصل كذا؟ هل لم تخرج؟"، فهذا يغذي الوسواس.
3. العبادة والتوبة: أكثر من الاستغفار والدعاء: "اللهم طهّر قلبي واصرف عني وساوس الشيطان"، فذلك يربطك بالله ويمنحك الطمأنينة.
4. العلاج السلوكي: دوّن الفكرة الوسواسية عند مجيئها، ثم اكتب بجانبها: "مجرد وسواس – لم يحدث"، بالتكرار، سيتعلم عقلك التفريق بين الحقيقة والوهم.
5. تنظيم الحياة: مارس الرياضة، قلل العزلة، وحافظ على نوم كافٍ، هذه عوامل تقلل من حدة الوسواس.
6. الزم الصلاة في أوقاتها، واجعل لنفسك وردًا من تلاوة القرآن، ولا تغفل عن الأذكار المأثورة صباحًا ومساءً؛ فهي حصن حصين من وساوس الشيطان، وسبب لسكينة القلب وطمأنينة النفس.
7. طلب المساعدة الطبية: إذا استمرت الوساوس وأثرت على حياتك اليومية، فاستشر طبيبًا نفسيًا؛ العلاج السلوكي والدوائي (عند الحاجة) نافع جدًا.
سادسًا: التذكير الشرعي المهم:
• ما دمت لم ترتكب الفعل المحرّم، فأنت غير مؤاخذ به، وإنما يؤاخذك الله على الاسترسال في الوساوس إن لم تدفعها.
• الشيطان يسعى ليمنع عنك الطمأنينة بذكريات قديمة، قال تعالى: "إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا" [النساء: 76].
نسأل الله أن يشرح صدرك، ويطمئن قلبك، ويبعد عنك كيد الشيطان، ووساوس النفس.