التردد في إكمال موضوع الخطبة أصابني بالقلق الشديد، فما العلاج؟
2025-09-11 04:18:00 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
تقدم شاب لخطبتي منذ فترة، وقد استخرت وأجرينا النظرة الشرعية، ولكن لأسباب معينة رفضتُه، إلَّا أنه عاد وتقدم مجددًا أكثر من أربع مرات، وقمت بأداء صلاة الاستخارة مرات عديدة، وبعد نصائح الأهل والمقربين، وبعد التعارف وافقت وتمت الخطبة.
ومع مرور الوقت اكتشفت وجود اختلافات في الطبع بيننا؛ مما سبب لي الخوف والقلق، خاصة أنني بلغت من العمر 27 سنة، وقرار الزواج بالنسبة لي مصيري جدًا، فأنا أعيش مع عائلتي بسعادة، ولدي وظيفة جيدة، وأكملت دراستي العليا، وأدير مشروعًا خاصًّا، وأشعر بأن حياتي مستقرة؛ لذلك أصبح اتخاذ هذا القرار صعبًا عليّ جدًّا.
بدأت أعاني من نوبات هلع وقلق شديد، مع صداع ودوخة، ظننت في البداية أن السبب سبب عضوي، فأجريت العديد من الفحوصات في الباطنية والغدد والعيون والأنف والأذن والحنجرة، وكذلك الفيتامينات والمعادن، وكانت جميعها سليمة، ومع ذلك أصبحت أتحقق من نفسي يوميًا بتحاليل؛ ممَّا أرهقني نفسيًا وجسديًا.
حاولت تجاهل ذلك، وأقنعت نفسي أن الأمر مجرد إرهاق، واستمررت في متابعة موضوع الخطبة، ولكن كلما تقدمت خطوة، ساء الوضع وازدادت أعراض القولون العصبي، حتى أصبحتُ لا أستطيع الأكل، وأصبح نومي مضطربًا، وظَهَرتْ لدي وساوس بإيذاء نفسي أو بإيذاء عائلتي، مع العلم أنني أحب أهلي جدًّا، ولا يوجد ما يُبرّر إلحاق الضرر بي أو بأهلي.
على الصعيد الروحي، كنت أحافظ على ورد القرآن الكريم، وأقرأ سورة البقرة وأذكار الصباح والمساء، وأحافظ على صلاتي، وأستمر في الرقية الشرعية وشرب الماء المرقي، وأغتسل بماء السدر عند الإمكان، حرصًا على الجانب الروحي والثقة بالله؛ لأنني أرى ذلك من باب التوكل عليه، ولم يكن هناك راقٍ موثوق قريب مني.
لاحقًا، زرت طبيبة نفسية، وأخبرتني بأن لدي اضطراب قلق أدى إلى الوسواس القهري، وأعطتني دواء (زاناكس) لمدة 15 يومًا بشكل تناقصي كل 5 أيام، بالتزامن مع (سيرترالين) لغرض التهدئة، حتى يبدأ السيرترالين بمفعوله، ومع ذلك أشعر بالخوف من احتمالية الإدمان على الدواء.
أحتاج إلى نصائحكم وطمأنتي، وماذا علي فعله؟
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ وِد حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أهلاً بكِ - أختنا الكريمة - في موقعك إسلام ويب، ونسأل الله الكريم أن يحفظك، وأن يُقدِّر لك الخير حيث كان ويرضّيك به.
أول ما نذكركِ به حديث النبي ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ قَدَّرَ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ» (رواه مسلم)، وهذا يعني أن كل ما يحدث في حياتك مكتوب عند الله من قبل أن تُخلقي، فلا شيء يخرج عن إرادته، وما قدّره الله لك سيكون هو الخير لك، حتى لو بدا لك غير ذلك في البداية.
دعينا نقسم الجواب بعد ذلك في نقاط متتابعة:
1. الزواج قرار اجتماعي مصيري:
الزواج ليس مجرد مشاعر أو توافق لحظي، بل هو شراكة عمر ومسؤولية تحتاج أن تُبنى على:
• القيم المشتركة: الدين، الأخلاق، طريقة التفكير.
• القدرة على التفاهم في المواقف اليومية: الحوار، حل الخلافات.
• الاحترام المتبادل: وهو أساس استقرار أي بيت.
2. دور الأهل والمحيط الاجتماعي:
حديث الأهل إليك مطمئن؛ لأنهم أدرى الناس بك، وأحنّهم عليك، وأعرفهم بما يصلحك، ولا شك أنهم سألوا قبل أن يقتنعوا به، لكن هذا لا يعني وجوب التسليم دون تفكير، بل هو استئناس هام.
3. الفارق بين الاستقرار الحالي والاستقرار المقبل:
الآن أنت في بيت أهلك، في سعادة واستقرار، ويعتبر هذا نموذجًا ناجحًا، والزواج ليس نقلًا لحياة فيها استقرار إلى اضطراب، بل نقلها إلى استقرار جديد، فيه مسؤوليات أكبر (زوجًا، ولاحقًا أولادًا) وهو طعم آخر للحياة، ولابد أن تكون فيه بعض المشاكل، فتلك طبيعته؛ لذلك الحكمة تقتضي تعلم فن إدارة المشاكل والتعايش مع المشتركات.
4. العمر وضغط المجتمع:
بلوغك هذا العمر لا ينبغي أن يكون عامل ضغط نفسي عليك، كما لا يعني أن الفرص انتهت، بل يعني أن خبرتك بالحياة أوضح، ورؤيتك أنضج.
5. ليس هناك زوج كامل، كما ليست هنالك أنثى كاملة، والعاقل هو من يبحث عن الأصول: (الدين، والخلق، وما يُرغِّب إجمالًا في النكاح).
وأخيرًا: تحرّري من أي ضغط نفسي، وثقي أن الأمور بيد الله، وما دمت قد صلّيتِ الاستخارة فاعلمي أن الأمور إلى خير بإذن الله تعالى.
__________________________________________________
انتهت إجابة الشيخ الدكتور/ أحمد المحمدي، المستشار الاجتماعي والتربوي
وتليها إجابة الدكتور/ محمد عبد العليم، استشاري أول طب النفسي وطب الإدمان.
__________________________________________________
نرحّب بكِ في إسلام ويب.
أفادكِ الدكتور أحمد المحمدي بإرشادات قيّمة جدًّا، فأرجو الاستفادة منها، وأنا أقول لكِ من الناحية النفسية:
قرارك كان قرارًا سليمًا بأن ذهبتِ وقابلتِ الطبيبة النفسية، والتي شخّصت حالتك بأنّها نوع من القلق الوسواسي، وقد أحسنت الطبيبة حين وصفت لكِ الـ (ألبرازولام = Alprazolam)، وهو الـ (زاناكس = Xanax)، وكذلك الـ (سيرترالين = Sertraline).
الخطّة العلاجية الدوائية خطّة سليمة جدًّا، فأمَّا:
• الزاناكس يُعطى لفترة قصيرة، أمّا السيرترالين فهو الدواء الذي يعالج الهلع والقلق والوسواس، فأرجو – أيتها الفاضلة الكريمة – أن تبدئي في تناوله دون أيّ تردّد.
• السيرترالين ليس إدمانًا، ولا يؤثّر على الهرمونات النسائية أبدًا، وفي ذات الوقت هو من الأدوية التي تعالج عدّة حالات نفسية، كما ذكرتُ لكِ ذلك.
فتوكّلي على الله، وابدئي في تناول السيرترالين بجرعة نصف حبّة (أي 25 مليجرامًا) من الحبّة التي تحتوي على 50 مليجرامًا، وبعد عشرة أيام اجعليها حبّة كاملة (50 مليجرامًا)، وهذه هي الجرعة الصغرى. ربما تحتاجين بعد أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع لرفعها إلى 100 مليجرام يوميًا، أو حسب ما تُرشِدك طبيبتك.
فإذا تناولتِ السيرترالين، فهو دواء رائع، ودواء سليم، وغير إدماني، فلا تترددي في التداوي به.
أعرف أنّ الإخوة والأخوات الذين يعانون من الأمراض الوسواسية كثيرًا ما يُقنعهم الوسواس بما هو ضد مصالحهم، خاصّة فيما يتعلّق بالعلاج، فلا أريدك أن تكوني من هؤلاء، الطبيبة وصفت لك ما هو صحيح، وأشجّعك على أخذ هذا الدواء، فهو دواء ممتاز.
وبالنسبة لحالتك بصفةٍ عامّة فيما يخص الخِطبة: طبعًا كان هناك تردّد منك في الأصل وعدم قبول، وبعد أن قبلتِ به ظهر نوعٌ جديد من التردّد، وهو الأعراض النفسوجسدية، أصبحت تأتيك الدوخة والصداع، وكل الأعراض التي ذكرتِها، وفي ذات الوقت هنالك نوبات هلعٍ وقلق، فإذًا عدم الرضا النفسي أو التردّد النفسي الوسواسي تحوّل إلى أعراضٍ جسدية، وهذه ظاهرةٌ معروفةٌ جدًّا.
أنا أعتقد أنّ السيرترالين سوف يُساعدك كثيرًا في علاج هذه الحالة، وفي ذات الوقت أرجو أن تتخذي قرارك حول الزواج من هذا الشاب على الأسس التي وضعها لك الدكتور أحمد المحمدي، جزاه الله خيرًا.
إن شاء الله الأمور تسير على خير، ونسأل الله تعالى أن يوفّقك لما يحب ويرضى، ونسأل الله أن يوفّقنا جميعًا لما يحب ويرضى.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.