كيف أوفق بين مشاغل الدنيا، وبين رغبتي في كثرة العبادة؟
2025-09-17 01:00:22 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم.
كيف النجاة من مغريات الدنيا ومشاغلها، والالتفات للطاعات والعبادات بوجود التزامات العمل الطويلة، والتزامات احتياجات المنزل، والزوجة، والأولاد، والمشاكل الحياتية اليومية التي تشغل القلب، والعقل، والفكر، مع وجود رغبة كبيرة بالتعمق في عبادة وطاعة الخالق عز وجل؟
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عمرو حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
قرأت رسالتك، وتمعنت في كلامك الذي ينبع من نفس مؤمنة تتوق إلى الخير، والعمل الصالح، وتجاوبًا مع رسالتك أقول الآتي:
أولاً: اعلم -أخي الكريم- أن الله تعالى وازن في القرآن الكريم بين مطالب الدنيا ومطالب الآخرة، قال تعالى: (ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) سورة البقرة.
فالتوازن بين السعي في مصالح الدنيا والعمل للآخرة يحصل بأن يسعى العبد بمصالح دنياه من غير أن يؤدي سعيه إلى تضييع فريضة من فرائض الله تعالى، وقد جاء في حديث أبي حميد الساعدي -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (وأجملوا في طلب الدنيا)، ومعنى أجملوا في الطلب: أي باعتدال.
ثانيًا: المذموم حقًا في هذا المجال أن تؤثر الدنيا على الآخرة، وأن يكون همك هو الدنيا فقط، وفي الحديث يقول رسول الله -صلى الله وسلم-:( من كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه، وجمع له شمله وأتته الدنيا راغمه، ومن كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه، وفرق عليه شمله، ولم يؤته من الدنيا إلا ما قدر له) صححه الألباني، فإذا قمت بالفرائض، واقتصدت في طلب مصالح الدنيا، فقد وازنت بين مصلحة الدنيا والآخرة.
ثالثًا: الناس في نظرتهم إلى الدنيا صنفان:
الصنف الأول: منهم من ينظر إلى ظاهر الحياة الدنيا فقط، وأن الدنيا هي كل شيء في الحياة، ولا يهمه الحلال والحرام، وهذه نظرة أهل الدنيا، مثل الذين نظروا إلى قارون فقالوا كما قال الله عنهم: (يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم) القصص.
والصنف الثاني: أهل الإيمان الذين نظروا إلى الدنيا على أنها سبب لدخول الجنة، وعلموا أن خير عيش يناله أهل الجنة بما فعلوا في الدنيا من أعمال صالحة، فالدنيا هي دار الصلاة، والصيام، ودار الأعمال الصالحة، ولذا يقال لهم يوم القيامة: (ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون)، وتأمل قوله تعالى في سورة الجمعة: (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرًا لعلكم تفلحون)، فهذه الآية جمعت بين مصالح الدنيا ومصالح الآخرة.
رابعًا: وهذه الأعمال الدنيوية التي يقوم بها المسلم من سعي للرزق لنفسه، ولأهله، وأولاده، والنفقة عليهم كلها في ميزان حسناته، وكلها تصلح له أعماله في الآخرة، وبهذا أشارت الأحاديث النبوية منها:
قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:( أفضل دينار ينفقه الرجل، دينار ينفقه على عياله) مسلم، وفي حديث سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله وسلم- قال له: (إنك لم تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت بها، حتى ما تجعل في فيّ امرأتك)، متفق عليه، وفي حديث أبي مسعود البدري -رضي الله عنه-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-:( قال إذا أنفق الرجل على أهله نفقة يحتسبها فهي له صدقة) متفق عليه.
بل جعل النبي -صلى الله عليه وسلم- السعي في طلب الرزق من السعي في سبيل الله؛ ففي معجم الطبراني مرفوعًا، وصححه الألباني لغيره: (إِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى وَلَدِهِ صِغَارًا، فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى أَبَوَيْنِ شَيْخَيْنِ كَبِيرَيْنِ، فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ يَسْعَى عَلَى نَفْسِهِ يَعِفُّها، فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ رِيَاءً وتَفَاخُرًا، فَهُوَ فِي سَبِيلِ الشَّيْطَانِ).
وفي الأخير: اعلم أن كل عمل صالح ولو كان معدودًا من الواجبات الاجتماعية، وهي كثيرة، مثل: النفقة على الوالدين، والأهل، والأولاد، وإكرام الضيف، كل ذلك واجب اجتماعي، وهو من القربات إلى الله تعالى، بل حتى الأعمال المباحة إذا احتسبها المسلم صارت عبادةً؛ يقول بعض السلف: "إني لأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي".
ختامًا: أسأل الله أن يزيدك إيمانًا وقربةً إلى الله تعالى.