يصيبني الإحباط كلما قرأت التفسير ونسيته، فماذا أفعل؟

2025-10-09 03:39:48 | إسلام ويب

السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا طالب علم جديد، أحاول فهم كتاب ربنا، فأقرأ في تفاسير أهل العلم، والطريقة التي أقرأ بها التفسير هي كالآتي: أقرأ صفحة من التفسير الميسر، وما لم أفهمه أكتبه في ورقة، ثم أبحث عن تفسيره في عمدة التفسير (مختصر ابن كثير)، فأُزيل بعض الإشكالات، وما بقي مُشكلًا عليَّ أسأل عنه أحد الأساتذة الموثوقين.

لكن المشكلة هي أنني مع الوقت أنسى التفسير، رغم أني أحفظ الأحزاب التي رأيتُ شرحها، وهذا يُحبطني، فكلما أفكر في قراءة التفسير أتذكر أني سأنساه.

الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ منير حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نرحّب بك -ابننا الكريم- في موقعك إسلام ويب، ونشكر لك همّتك العالية وحرصك على فهم كتاب الله، فهذا من أشرف المقاصد وأعظم العبادات، وقد قال النبيُّ ﷺ: «خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَه».

إنّ ما تعانيه من نسيانٍ لمعاني التفسير بعد مراجعتها أمرٌ طبيعيّ، يمرّ به معظم طلاب العلم، فالنسيان لا يعني فشلًا، بل هو جزء من طبيعة الإنسان، وقد قال الله تعالى عن موسى عليه السلام: {قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا} [الكهف: 73].

فالعلم يحتاج إلى صبرٍ وتكرارٍ ومداومة، ولا يُتصوّر أن يثبت في القلب والعقل من أوّل مرة، بل يحتاج إلى المراجعة والمذاكرة والمناقشة حتى يرسخ شيئًا فشيئًا، فلا تجعل هذا سببًا للإحباط أو التوقف، فإنّ الثبات والمثابرة هما طريق النجاح.

والمطلوب منك أن تتعامل مع هذا النسيان بطريقةٍ عملية؛ فكرّر القراءة، واربط بين التفسير والآيات التي تحفظها، وحاول شرح ما فهمتَه لنفسك أو لغيرك، فإنّ التعليم والتلخيص من أعظم وسائل تثبيت العلم.

كما أنّ التنويع في مصادر التلقّي مفيد، لكن الأهم أن تختار مرجعًا أساسيًا واضحًا تبدأ منه، مثل التفسير الميسّر أو عمدة التفسير، ثم تبني على ذلك شيئًا فشيئًا.

ولا تُكثر من التنقّل بين المصادر في المرحلة الأولى حتى لا يتشتّت ذهنك، ويمكنك أن تضع لنفسك خطةً للمراجعة الدورية، بحيث تعود كل أسبوع أو أسبوعين لمراجعة ما قرأته سابقًا، فالتكرار والرجوع المتكرّر أدعى لتثبيت المعاني وترسيخها.

ومن الناحية الشرعية، لا يُلزمك أن تحفظ كل ما تقرؤه من التفسير حفظًا حرفيًا، وإنما المقصود أن تتدرّج في الفهم، وأن يزداد قلبك نورًا بالمعرفة.

وكلما كرّرت التلاوة مع التدبّر، رسخت المعاني في قلبك أكثر، وقد أكّد العلماء أن الفهم التدريجي والتدرّج في طلب العلم هو الطريق الصحيح للتمكين، فالعلم لا يُؤخذ جملةً واحدة، وإنما يُؤخذ على مهل، كما قال الإمام الزهري رحمه الله: "من طلب العلم جملةً فاته جملة، وإنما يُدرك العلم على مرّ الأيام والليالي."

اجعل نيتك -يا بُني- في طلب العلم والفهم والتفسير نيةً خالصةً لله، واستعن بالدعاء أن يشرح الله صدرك ويثبّت العلم في قلبك، وقل كما كان النبي ﷺ يدعو: «اللهم انفعني بما علّمتني، وعلّمني ما ينفعني، وزدني علمًا»، وقل كما قال موسى عليه السلام: {‌رَبِّ ‌اشْرَحْ ‌لِي ‌صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي}.

واعلم أن ثباتك على هذا الطريق سيؤتي ثماره، وما تظنّه ضياعًا بسبب النسيان هو في الحقيقة تراكم معرفيّ يبني عقلك وروحك، حتى وإن لم تشعر به الآن.

فاستمرّ ولا تنقطع، وتعامل مع النسيان كجزءٍ من الرحلة وليس عائقًا لها، فإنّ التكرار والمراجعة والمداومة ستُثمر -بإذن الله- مع الأيام، وستجد أن المعاني التي تكرّر مرورك بها تستقرّ شيئًا فشيئًا في ذهنك وقلبك.

نسأل الله أن يوفّقك، وأن يجعلك من أهل القرآن الذين هم أهلهُ وخاصَّتُه.

www.islamweb.net