زوجتي تطلب الطلاق بناء على كوابيس رأتها، فما الحل المناسب معها؟

2025-10-12 02:16:25 | إسلام ويب

السؤال:
السلام عليكم.

منفصل عن زوجتي منذ 5 سنوات، انفصال غير رسمي، وهي ترغب بالطلاق، حاولت معها كثيرًا الإصلاح ولم الشمل، مع العلم أن لدي بنتًا تبلغ من العمر 12 عامًا.

استخرت الله لمساعدتي في أمر الطلاق، في كل مرة أرى أباها يقول لي: لا تسمع لها، ومرات أخرى أرى زوجتي تنام بجانبي، وبيننا حياةً زوجيةً قائمةً، وعدة مرات يكون بيننا علاقة.

أنا متمسك بها، وأحبها، وأحيانًا كثيرةً أقول في نفسي سأطلقها، ولكن ربي يلهمني الصبر عليها، ويجعل حبها في قلبي، وشوقي لها يزيد، وقد تكلمت مع أحد المشايخ، وشرحت له، فقال: لا تسمع لها؛ لعل الله أن يهديها.

وقد تكلمت مع زوجتي بأن تستخير الله في أمر الطلاق، وقالت بأنها استخارت، ولكنها كانت ترى أحلامًا وكوابيس، ولا أعلم ماذا أفعل معها؟ تتكلم معي، وفجأةً تتغير طريقة كلامها، فقلت لها لنذهب لأحد المشايخ لنرى ما السبب، ولكنها ترفض الذهاب للمشايخ أو الأطباء.

احترت في أمرها.

الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -أخي الكريم- في إسلام ويب، وردًا على استشارتك أقول مستعينًا بالله تعالى:
ذكرتَ في استشارتك أنك وزوجتك في انفصالٍ غير رسمي دام خمس سنوات، وفهمتُ من ذلك أن زوجتك وابنتك في بيت أهلها، وأنك حاولتَ عدة مرات الإصلاح، وكلها باءت بالفشل، وبالرغم من ذلك فما زلتَ متعلّقًا بزوجتك، وترى رؤًى تدعوك إلى الصبر، وهذا يدل على حالة الصراع التي تمر بها بين العاطفة والعقل، وبين الواجب الشرعي والأمل النفسي.

ما تعانيه من هذه المشكلة الأسرية أمرٌ مقدّر عليك قبل أن تُخلق؛ فكل شيء يحصل في هذا الكون بقضاءٍ وقدرٍ، قال تعالى: ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾، وقال -عليه الصلاة والسلام-: «قَدَّرَ اللهُ مَقَادِيرَ الخَلْقِ قبل أن يخلُق السماواتِ والأرضَ بخمسين ألف سنةٍ، وكان عرشُه على الماء»، ولما خلق الله القلم قال له: «اكتب»، قال: وما أكتب؟ قال: «اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة»، وقال -عليه الصلاة والسلام-: «كل شيء بقضاءٍ وقدرٍ حتى العجزُ والكَيْسُ»، والكيس: الفِطنة.

نوصيك بالصبر، وأداء الصلوات الخمس في أوقاتها، مع المحافظة على النوافل؛ فقد وعد الله أن يكون مع من استعان بالصبر والصلاة حافظًا، وناصرًا، ومعينًا، والله لا يُخلف الميعاد، وهذه معيةٌ خاصة تمنح الصابرين السكينة والقوة لمواجهة الشدائد، قال تعالى: ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾.

الصابر المحتسب يعطيه الله أجره كاملًا بغير حساب، مكافأةً له كونه تحمّل المصائب راضيًا بقضاء الله وقدره، قال سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾.

والمؤمن الصابر المحتسب الذي يبتليه الله يجعل الله ذلك كفارةً لذنوبه، وكلما اشتد البلاء وصبر عليه المؤمن، زادت مغفرة ذنوبه، يقول النبي ﷺ: «ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله وما عليه خطيئة»، والآيات والأحاديث كثيرة في فضل الصبر.

والمؤمن يتقلّب في حياته بين الصبر والشكر، كما صحّ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «عَجَبًا لأمرِ المؤمنِ! إنَّ أمرَه كلَّه له خيرٌ، وليس ذلك لأحدٍ إلا للمؤمن؛ إن أصابته سرّاءُ شكرَ فكان خيرًا له، وإن أصابته ضرّاءُ صبرَ فكان خيرًا له».

لا تُفرّط في النفقة على زوجتك وابنتك، وإن كان خروج زوجتك من بيتك دون سببٍ شرعيٍّ وجيهٍ يسقط حقها في النفقة –إن كان هذا هو الواقع–، فابعثْ لها بنفقتها من باب قوله تعالى: ﴿وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ﴾، ولعل الله يُلين قلبها بهذا السبب، وكذلك لا تُهمِل أن تبعث لها بهدية بين الحين والآخر؛ فالهدية تجلب المحبة، كما قال -عليه الصلاة والسلام-: «تهادوا تحابوا».

كنا نودّ أن نعرف الأسباب التي دعت زوجتك للخروج من بيتك، ولعلّك أدركت ذلك من خلال مناقشتك لها؛ فمعرفة السبب تفتح آفاقًا لوضع الحلول اللازمة.
بقاء حبك لها رغم البُعد دليل على ارتباطٍ عاطفيٍّ عميق، وقد يكون أيضًا ناتجًا عن الخوف من الفقد، أو الإحساس بالذنب تجاه ابنتك، أو تجاه فكرة الانفصال ذاتها.

حدوث التقلب في التعامل من زوجتك (مرةً وُدًّا ومرةً صدًّا) يمكن أن يكون ناتجًا عن صراعٍ داخلي أو ضغوطٍ أسرية، وربما يكون ناتجًا عن فقدان الثقة بجدوى الرجوع.
الرؤى التي تراها قد تكون حديثَ نفسٍ، وهي كذلك في الغالب، ولو افترضنا أنها حق، فليست دليلًا شرعيًا، وإنما هي بشارة، لا أمرًا حاسمًا يمنعك من اتخاذ القرار.

أنصحك أن تطلب منها اللقاء خارج بيت أهلها من أجل التفاهم، ولتكن دعوتك لها وحدها دون حضور ابنتك لتناول وجبة طعام، فإن وافقت، فجهّز معك هديةً مناسبةً لتقدّمها لها، ثم ناقشها بهدوء لمعرفة الأسباب التي دعتها لطلب الطلاق، ثم لوضع الحلول المناسبة حتى لا يقع الطلاق، وما عليك إلا الإصغاء لكلامها دون انفعال أو لوم، واجعلها تضع الحل بنفسها، فلعلّ الأسباب تكون يسيرةً، وفي إطار قدرتك، طالما أنك لا تزال تحبها، ومتعلق بها، فإن توصلتم إلى حل فالحمد لله، وإلا فكرّرا اللقاء بعد التفكير في حل آخر، فالله تعالى يقول: ﴿إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا﴾.

الذي ننصح به في هذا الحال أن تصبر، وتطلب من وليها أن يتدخل لحل الإشكال، وعليك أن تُبين لوليها أنك تقبل بأي حلٍّ يرضيها ما لم يكن مجحفًا، أو يفوق قدراتك.

اطلب من وليها إقناعها بالرقية الشرعية؛ فقد يكون خروجها من بيتها بسبب عينٍ، أو حسدٍ، أو غيره، خصوصًا إن لم يتبيّن لديك سبب وجيه لخروجها من البيت، ويمكن عرضها قبل ذلك على طبيبٍ مختصٍّ في التوجيه الأسري والنفسي.

إن لم ينفع توسطُ وليها، فليتدخل حكمان لحل المشكلة: حكم من أهلك، وحكم من أهلها، يكونان من أهل الصلاح وإرادة الإصلاح، وعندهما حكمة في حل الإشكال، والأمر كما قال تعالى: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا ۖ إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا﴾، وعليكما في هذه الحالة أن تخضعا لما سيحكم به الحكمان.

نوصيك أن تصلي صلاة الاستخارة، وأن تعمل بالأسباب بعدها، لا أن تعتمد على الأحلام؛ لأنها غالبًا تكون حديثَ نفس، والاستخارة معناها أن يختار الله لك الأفضل، بعد أن تبذل جهدك في التفكير والتشاور، واعلم أن اختيار الله للعبد خير من اختيار العبد لنفسه.

فكّر في ابنتك مليًا، واجعل قرارك يوازن بين مصلحتها النفسية ومصلحتك الروحية؛ فربما استمرار وضع (لا طلاق ولا زواج فعلي) يربكها أكثر من انفصالٍ واضحٍ محترم.

إن لم تنفع الحلول السابقة مع زوجتك، ورفضت حكم الحكمين إن لم يكن يوافق هواها، فقد يكون الطلاق بإحسان هو المخرج الشرعي والواقعي، وهو خير من بقاء الانفصال بالطريقة الحالية، فالله يقول: ﴿فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾.

نوصيك بالتضرع إلى الله تعالى بالدعاء، مع تحيّن أوقات الاستجابة، وخاصةً الثلث الأخير من الليل وأثناء السجود، وسَلْ ربك أن يُلين قلبها، وأن يلمّ شعث أسرتك، وكن موقنًا باستجابة الله لدعواتك.

الإكثار من الأعمال الصالحة سبب من الأسباب التي تجلب للعبد الحياة الطيبة، كما قال تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾.

نسأل الله تعالى لك التوفيق، وأن يُلين قلب زوجتك، ويُلهمها الصواب، ويَلمّ شعث أسرتك، ويُعطيك من الخير ما تتمنى، ويصرف عنك كل مكروه، ونسعد بتواصلك.

هذا، وبالله التوفيق.

www.islamweb.net