أسرتي تفرض عليّ الزواج من عائلات بعينها لم أجد فيها ملتزمة، فما الحل؟

2025-10-13 00:30:50 | إسلام ويب

السؤال:
لدي سؤالان مرتبطان ببعضهما، عائلتي لديها شيء من الفخر الزائد بالنسب، ويكادون يرون أنفسهم من طينة أعلى من باقي البشر، تعاملهم مع الناس يبدو عادياً ومتواضعاً، مما يجعلني أُكذب ظني، لكن حين أبحث عن أسرة للزواج، أجد لديهم نزعة شديدة في هذا الأمر، ويرفضون أحياناً من مجرد سماع اسم عائلة الفتاة، ويقولون: "الاسم ليس لعائلة كبيرة، لا نعرف عائلة بهذا الاسم"، ويكررون أنهم يريدون "أولاد أصول".

لا أعلم حقيقةً ما المرض الذي يعانون منه، لكنني أنقل كلامهم لعلكم تساعدونني، يبحثون منذ سنتين عن فتاة بهذه المواصفات، ونظراً لأنني أشترط التدين واللباس الشرعي، فالعائلات التي يفضلونها غالباً غير ملتزمة، ولم أجلس مع فتاة واحدة حتى الآن، يتم رفضهن فقط لأنهن "ليسوا أولاد أصول"، وحين كلمتهم أن هذا نوع من الكِبر، اعترضوا وقالوا إنهم لن يشعروا بالراحة في التعامل مع غير ذلك.

المشكلة الأخرى أن أختي، وهي أصغر مني، تكرر نفس الكلام، وترى نفسها لا مثيل لها، تقول: "الناس تنظر لما هو فوق، وأنت تنظر لما هو تحت"، لا أعلم كيف تقول عن نفسها: "لا أحد مثلي من حيث العائلة والعلم" -فهي تدرس الطب- ولديها الأخلاق والجمال"، وتقول لي: "أنت لا تُقدّر قيمة نفسك"، رغم أنني أيضاً أدرس الطب، والحمد لله ملتزم نوعاً ما، وخلقتي حسنة، كما تقول العائلة.

أرجو توصيف هذه الحالة، والحل لها، والحل لأختي التي تتعامل معي ومع أخي وكأنها أم لنا، هي تحبنا، وحبها وصل إلى درجة من الغيرة المرَضية، وتصرّح بذلك، وتقول: "يجب أن أوافق على من ستتزوجها، وإلا سأقتلها"، وتتعصب جداً، لا أعلم ما الحل مع هذا الجنون الذي أعيشه؟

أنا فُتنت بطول مدة انتظاري ليجدوا المناسبة هذه، لكنني أفكر مستقبلاً، إذا توفر لدي المال الكافي للزواج، أن أتخذ الخطوة وأُصرّ على ما أراه؛ لأنني أرى أنه لا أمل في تصحيح فكرهم.

حاولت كثيراً، لكنهم مرضى بهذا الفكر، سأصبر، فإن وجدوها فبها ونعمت، وإن استمروا على وضعهم، فسأتمسك بأسرة معينة وأفرضها طالما أنها مقبولة، حتى لو لم أجدهم فرحين بها.

الغريب أنهم فعلاً متواضعون مع الناس، لكن لا أفهم هذا التناقض، لو قلنا إن الأمر راحة نفسية، لكان أولى أن يُعاملوهم أولاً، لكنهم يصدرون حكماً مبدئياً من مجرد سماع اسم الفتاة وعائلتها، بل وإن اقترحت زميلة رأيت منها حياءً وأدباً -لا أعلم اسمها، ولكن مجرد فكرة- أجد عدم اكتراث، طالما أنني لم أدخل عليهم من مدخل "عائلة وأملاك".

أنا لا أقول خيالاً، هذا واقع، وباقي العائلة من جهة أمي لديهم هذا المرض أيضاً، قد يتغاضون عن ذلك فقط إذا كانت الفتاة غنية أو أهلها أطباء ومهندسين، رغم أن والدي محاسب ووالدتي معلمة، لكنهم يرون أن نسبهم وعائلتهم تعادل ذلك.

الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلاً بك في موقعك إسلام ويب، وإنا نسأل الله أن يبارك فيك، وأن يحفظك من كل مكروه وسوء، وبعد:

فأصل هذه النظرة عند كثير من الأسر، والمراد منه الحرص على السمعة والأنس بالنظير؛ يريدون بيئة يعرفونها ويطمئنّون إليها، وربما يظن البعض أن الزواج من عائلة كبيرة يحفظ استقرار أبنائهم، وهذا دافع فطري جزئيّ الصواب، لكنه قد يتحول إلى خطأ حين يطغى على ميزان الدين والخلق، فيصبح الاسم أغلى من التقوى.

والعلاج -يا أخي- هو المراد، وطريقة التعامل الشرعي معهم هي الغاية الصحيحة، وهذا لا يكون في مهاجمتهم، بل في توسيع مفهوم (العائلة الكريمة) ليشمل الدين والخلق، لا الاسم والمال فقط.

وعليه فلا بد من ذكر مبادئ الإصلاح، أو التعامل معهم، وهي:
- التفريق بين «الاعتزاز بالأصل» و«الكبر على الناس»: الاعتزاز بالأصل محمود إذا صاحبه شكرٌ لله على النعمة، وحرصٌ على حفظها، دون احتقارٍ للناس، الكبر مذموم إذا صاحبه ازدراء، أو رفض لمؤمنٍ صالحٍ لغير سببٍ إلا لاسم عائلته أو مهنته أو طبقته.

قال النبي ﷺ: «إن الله أوحى إليّ أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد»، وقال أيضًا في معيار الزواج: «إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه...».

إذًا، لا مانع من أن تقول أسرتك: «نريد عائلة محترمة ومتدينة»، لكن الخطأ حين يصبح الاسم وحده هو المعيار، أو حين تُرفض أسرة فتاة صالحة بلا معرفة، ولا نظر في الدين والخلق.

- ابدأ من داخل قيمهم: لا تقل لهم: «أنتم متكبرون»، بل قل: «أنتم تبحثون عن الأصل الطيب، وأنا كذلك أبحث عن أصلٍ في الدين والخلق؛ فهيا نوسّع مفهوم الأصل ليشمل التقوى، فالدين أصل، والحياء أصل، والصدق أصل».
واستعن بالنصوص التي تحترم موقفهم، وتفتح أفقهم مثل قول النبي ﷺ: «خيركم خيركم لأهله»، وقوله: «تُنْكَحُ المرأة لأربع... فاظفر بذات الدين»، هذا يُشعرهم بأنك معهم في طلب الكمال، لا ضدّهم.

-البدء باللين لا بالجدال: تذكّر أن التغيير مع الوالدين لا يبدأ بالإقناع العقلي، بل بإشعارهم بالأمان والاحترام؛ فإذا أحسّوا أنك تُجِلّ رأيهم، سمعوا لك بعد ذلك أو قبلوا التحاور بأريحية معك.

- عدم كسر صورتهم أمام الناس: لا تنقل نقدك لهم إلى أحد، فحفظ صورتهم من البرّ، كما لا تُظهر تمرّدًا حتى لو خالفوك، بل كن ثابتًا في رأيك بأدب: «يا أبي، يا أمي، أنتم أهل الفضل، وأنا أطلب رضاكم، لكني أرجو أن يكون الدين والخلق هما الأصل».

- الحديث إلى وسيط محبوب لديهم: إن كان في العائلة من يسمع له الوالدان، فاطلب منه أن يُحدّثهما بنبرة ناصح لا ناقد، فالكلمة نفسها قد تُقبل من غيرك إذا خرجت من فم يوقّرانه.

- التدرّج في الطرح: لا تقدّم الاسم أولًا، بل الصفات، فإذا اطمأنوا إلى أدب الفتاة وأصلها ودينها، فحينئذ يُذكر الاسم؛ لأن القلب قد ارتبط بالصورة لا بالاسم.

أما مع الأخت فاجعل الحوار معها هادئًا، يقوم على التذكير لا على التوبيخ.
قل لها: «من أحبّنا لا يغار منا، بل يفرح لنا، وما ميّزك الله به من علم وجمال وفضل هو أمانة، لا وسيلة لتفضّلي على الناس، التواضع يزيدك قدرًا عند الله وعند الناس».
وإن شعرت أنّ غيرتها تتجاوز الحدّ أو تضرّ بالعلاقة، فاستعن بأمّك أو بشخص له كلمة مسموعة عندها لتخفيف حدّتها.

استعن بالله، واعلم أن التغيير الحقيقي لا يتم إلا بتوفيق الله، فاجعل نيتك إصلاح الأسرة لا الانتصار لنفسك، وادعُ لهم في خلواتك أن يصلحهم الله تعالى.

وأخيرًا: كن مطمئنا بأن من قدرها الله لك ستكون في الوقت الذي قدرها الله فلا تقلق.

نسأل الله أن يحفظك، وأن يرعاك، وأن يقدر لك الخير حيث كان، وأن يرزقك الزوجة الصالحة، والله الموفق.

www.islamweb.net